ثقافة تاريخية
ـــــــــــــ
نبوخذنصر([1])
أطلال بابل اليوم
هنري و. ف. ساكس([2])
ولد نبوخذ نصر
حوالي سنة 630 . توفي
حوالي سنة 561 ق.م .
هو ثاني ملوك
السلالة الكلدية التي حكمت بلاد بابل ، وهو أشهر ملوك هذه السلالة ، حكم من حوالي
سنة 605إلى حوالي
سنة 561 ق.م . اشتهر
بقوته العسكرية ، وبروعة عاصمته مدينة بابل ، وبدوره الهام في التاريخ اليهودي .
نبوخذ نصر الثاني هو أكبر أولاد نبوبلاصر وخليفته
، ونبوبلاصر هو مؤسس الإمبراطورية الكلدية . تأتي معلوماتنا عنه من الكتابات
المسمارية ، ومن الكتاب المقدس ، والمصادر اليهودية المتأخرة ، ومن الكتـّاب الكلاسيكيين
. اسمه باللغة الأكدية نابو- كودورّي - أوصُّر ، ومعناه " نابو يحرس وريثي
" .
بالرغم من أن والده لم يدعِّ أن له نسبا ً
ملكيا ً ، لكن نبوخذنصر ادعى أن نرام – سين ، الحاكم الأكدي الذي عاش في الألفية
الثالثة ، هو جده الأعلى . ولم تُحدد سنة ميلاده بدقة ، ولكن من غير المرجح أن يكون قد ولد قبل سنة 630 ق.م ، إذ تقول إحدى الروايات أنه بدأ
حياته العسكرية شابا ً في حوالي سنة 610 ق.م ، حيث ظهر باعتباره مديرا ً عسكريا ً
. وأول من ذكره هو والده ، الذي أشار إلى مشاركته في أعمال ترميم معبد مردوك ،
الإله الرئيسي لمدينة بابل والإله الوطني لبلاد بابل .
في سنة 607 / 606 ، عندما كان نبوخذ نصر وليا ً للعهد ، شارك والدَه في قيادة
جيش في الجبال الواقعة في شمال بلاد آشور ، وتولى بعد ذلك قيادة عمليات من أجل
الاستقلال وذلك بعد عودة نبوبلاصر إلى مدينة بابل .
و بعد هزيمة البابليين على أيدي المصريين في سنة 606 / 605 ، تولى قيادة الجيش بدلا ً من والده وتمكن
بقيادته الفذة من تحطيم الجيش المصري في كركميش و حماة ، مما أدى إلى إحكام سيطرته
على سوريا كلها . و بعد وفاة والده في 16 آب 605، عاد نبوخذ نصر إلى مدينة بابل و ارتقى العرش خلال
ثلاثة أسابيع . و هذا التثبيت السريع لولايته و كونه تمكن من العودة إلى سوريا
بسرعة يعكسان سيطرته القوية على الإمبراطورية .
في حملاته على سوريا و فلسطين ابتداءً من حزيران إلى
كانون الأول سنة 604، قدمت الدويلات المحلية و من بينها مملكة يهوذا ، خضوعها لنبوخذنصر ، كما
إنه احتل مدينة عسقلان . و خلال السنوات الثلاثة التالية شن نبوخذ نصر المزيد من الحملات لتوسيع السيطرة
البابلية على فلسطين ، و كان في جيوشه مرتزقة يونانيون . و في آخر تلك الحملات ( 601 / 600 ) اصطدم نبوخذنصر بجيش مصري ، و كانت
خسائره كبيرة ؛ و أدت هذه الهزيمة إلى ارتداد دويلات معينة عن التبعية له ، من
بينها مملكة يهوذا . كما أدت إلى انقطاع في سلسلة الحملات السنوية خلال سنة 599 / 600
، حيث بقي نبوخذنصر في بلاد بابل لتعويض خسائره في العربات . و استؤنفت
العمليات لاستعادة السيطرة في نهاية سنة 598 / 599 ( من كانون الأول حتى آذار ) . و قد تجلت
مقدرة نبوخذنصر على التخطيط الاستراتيجي بهجومه على القبائل العربية شمال غرب
الجزيرة العربية ، تمهيدا ً لاحتلال مملكة يهوذا . ثم هاجم مملكة يهوذا بعد سنة و
احتل القدس في 16 آذار 597 ، و نفى الملك يهوياكين إلى مدينة بابل . و بعد حملة أخرى قصيرة على
سوريا في 595 / 596 ، كان على نبوخذنصر العمل في شرق بلاد بابل
لصد غزو ، ربما كان من عيلام ( الواقعة حاليا ً جنوب غرب إيران ) . و يمكن
الاستدلال على شدة الضغوط التي تعرضت لها بلاد بابل من حدوث تمرد في أواخر 593 / 595 تورطت فيه عناصر من الجيش ، و لكن نبوخذنصر تمكن من القضاء على
التمرد بقوة و تمكن من القيام بحملتين أخريين على سوريا خلال سنة 593 .
ثمة المزيد من النشاطات العسكرية التي قام
بها نبوخذنصر ، لم تذكرها الحوليات التاريخية التي وصلت إلينا بل ذكرتها مصادر
أخرى ، و خصوصا ً الكتاب المقدس ، الذي يذكر هجوما ً آخر على القدس و حصارا ً
لمدينة صور ( استمر 13 سنة ، طبقا ً للمؤرخ اليهودي فلافيوس يوسفيوس ) بالإضافة
إلى تلميحات عن غزو مصر . انتهى حصار القدس باحتلالها في سنة 586 / 587 و
سَبْي ِ مواطنيها البارزين ، مع حدوث سبي آخر في سنة 582 . و في هذا المجال اتبع نبوخذنصر
الأساليب التي كان أسلافه الآشوريون قد اتبعوها من قبل .
كما اتبع نبوخذنصر ، و هو مدرك تماما ً لما
يفعل ، سياسة توسعية ، متأثرا ً بالتقاليد الإمبراطورية الآشورية ، مدعيا ً أنه
مخوَّل من الملكوت العالمي لمردوك ، و مصليا ً من أجل " أن لا يكون له معارض من أفق الأرض حتى السماء " .
و تذكر بعض الرُقـُم المسمارية أنه حاول في سنة 567 / 568 غزو مصر ، الأمر الذي مثل ذروة سياسته
التوسعية .
بالإضافة إلى
كونه مخططا ً تكتيكيا ً و استراتيجيا ً بارعا ً اشتهر نبوخذنصر أيضا ً في مجال
السياسة الدولية ، كما يتبين ذلك من إرساله سفيرا ً ( لعله نبونائيد ، أحد خلفائه
) للتوسط بين الميديين و الليديين في آسيا الصغرى . و توفي في حوالي سنة 561 و خلفه ابنه أويل – مردوك (المذكور في سفر
الملوك الثاني) .
وفيما عدا كونه قائدا ً عسكريا ً ، كان النشاط الرئيسي الذي مارسه نبوخذنصر
هو إعادة إعمار مدينة بابل . إذ أتمَّ ووسَّع التحصينات التي كان والده قد بدأ بإنشائها ، وبنى خندقا ً كبيرا ً وسورا ً دفاعيا ً
خارجيا ً ، وعبَّد بحجر الكلس شارع الموكب المخصص للاحتفالات ، وأعاد بناء وتزيين
المعابد الرئيسية ، وحفر القنوات . كما إنه زعم أنه " الرجل الذي علَّم الناس
كيف يقدسون الآلهة الكبرى " ، واحتقر أسلافه الذين بنوا لهم قصورا ً في أماكن
أخرى غير مدينة بابل ولم يزر تلك الأماكن إلا في أعياد رأس السنة .
لا يُعرف الكثير عن حياته العائلية إلا تلك
الرواية التي تذكر أنه تزوج من أميرة ميدية ، دفعه حنينها إلى موطنها الأصلي أن
يبني لها جنائن تشبه التلال . ولم يُحدَّد بدقة موضع البناء الذي يمثل هذه الجنائن
المعلقة لا في النصوص المسمارية ولا في البقايا الآثارية .
وبالرغم من الدور الفاجع الذي لعبه نبوخذنصر
في تاريخ مملكة يهوذا ، غير أن الروايات اليهودية نظرت إليه نظرة إطرائية في
الغالب . فقد زُعِم أنه أمر بحماية إرميا ، الذي اعتبره أداة الرب لمعاقبة العصاة
، وعبَّر النبي حزقيال عن وجهة نظر مشابهة بخصوص الهجوم على مدينة صور . و في
الأبوكريفا([3]) في
الفصل الأول من سفر عزرا هناك موقف مماثل من نبوخذنصر ، حيث اعتـُبـِر أداة الرب
ضد الخاطئين ، وفي سفر باروك اعتـُبـِر الحامي الذي تجب الصلاة لأجله([4])
. وفي سفر دانيال (في العهد القديم ) في قصة بال والتنين ( وهي من الأبوكريفا )
يظهر نبوخذنصر باعتباره رجلا ً يحبذ انتصار الحق والدفاع عن الرب ، ولكن المستشارين السيئين يضللونه
.
ليس ثمة تأكيد مستقل للرواية الواردة في سفر
دانيال و التي تحدثت عن إصابة نبوخذنصر بالجنون لسبع سنوات ، ولعل هذه الرواية
نشأت من تفسير مبني على فهم خاطئ للنصوص المتعلقة بما حدث في أيام نبونائيد ، الذي
أبدى انحرافا ً واضحا ً بهجره مدينة بابل لعقد من الزمن قضاه في بلاد العرب .
في أيامنا هذه
يُنظر إلى نبوخذنصر باعتباره فاتحا ً ملحدا ً ؛ وتعقد المقارنات بينه وبين نابليون
. وقصة نبوخذنصر هي الأساس الذي بنيت عليه أوبرا " نابوكو " التي وضعها
جوزيبي فيردي ، كما إن جنونه المفترض هو الفكرة الأساسية في لوحة " نبوخذنصر
" التي رسمها وليم بلايك .
4) ورد في سفر نبوءة باروك ( 1 : 11 – 17 ) :
" وصلُّوا من أجل حياة نبوكدنصر ملك بابل وحياة بلشصَّر ابنه لكي تكون
أيامهما كأيام السماء على الأرض . فيؤتينا الرب قوة و ينير عيوننا و نحيا تحت ظل
نبوكدنصر ملك بابل و ظل بلشصر ابنه و نتعبد لهما أياما ً كثيرة و نحن نائلون
لديهما حظوة . و صلوا من أجلنا إلى الرب إلهنا فإنـَّا قد خطئنا إلى الرب إلهنا و
لم يرتدَّ سخط الرب و غضبه عنا إلى هذا اليوم ( .... ) و قولوا : للرب إلهنا العدل
و لنا خزي الوجوه كما في هذا اليوم كرجال يهوذا وسكان أورشليم و لملوكنا ورؤسائنا
وكهنتنا وأنبيائنا وآبائنا . لأنا خطئنا أمام الرب و عصيناه " (
المترجم ) .
2)
الأستاذ الفخري للغات السامية ، الكلية الجامعة ، كارديف ، جامعة ويلز . مؤلف كتاب
" عظمة بابل " و غيره . {
كتاب " عظمة بابل " ترجمه إلى العربية الدكتور عامر سليمان ، و نشرته
مؤسسة دار الكتاب للطباعة و النشر ، الموصل ، 1979 . ( المترجم ) } .