ملف
العدد
لماذا الأمة العراقية؟!
سلام
كوبع العتيبي
يدرك البعض منا أن العراق أمة مستقلة ذات شأن يختلف تماما عن الأمم الأخرى
وليس جزء ( لا يتجزأ ) من الأمة العربية كما يدعي البعض من أصحاب الفكر القومي
الشمولي ؛ بل أن العراق أمة مستقلة لها خصوصيتها التاريخية بالتراث المستقل نتيجة
التعدد القومي والديني داخل الساحة العراقية منذ الأزل وأن لكل قومية من هذه
القوميات خصوصيتها المستقلة بمعزل عن الدين واللغة والتراث والعادات والتقاليد ؛
ولو نظرنا إلى التاريخ العربي بشكله العام لوجدنا أنه من الممكن أن تعود الأمة
العربية بارتباطها الشكلي فقط إلى العراق وليس العكس أي أن ( العراق يعود للأمة
العربية ) وإذا أردنا أن نربط العراق بالأمة العربية تاريخيا ويكون العراق جزء
تابع لهذا الأمة فما علينا إلا أن نفصل القوميات العراقية الأخرى من الأمة
العراقية ليكون مسرحا عربيا بمعزل عن القوميات الأخرى- الكورد – التركمان –
الآشورين - الخ .
ولو أعدنا النظر مرة أخرى في الصراعات الجغرافية والاجتماعية والسياسية
والاقتصادية لوجدنا أن الذين يحاولون ربط العراق بالأمة العربية هم البعض القليل
من العرب الذين لهم مصالحهم القطرية في هذا الربط وهنا نجد أنفسنا كعراقيين بمعزل
عن العراقيين الآخرين الذين ينتمون إلى قوميات أخرى متعددة أي أن العراق قد يتجزأ
ويتحول إلى قوميات وطوائف وأقاليم قابلة للسقوط في مستنقع الانفصال عن الأمة
العراقية .
أن أمكانية ترتيب الأوراق الفكرية تبدو من المستحيل المرهق نتيجة إلى
التراكمات الفكرية ما لم نغلق جميع منافذ أفكارنا المتوارثة تاريخيا وعلينا بعصب
العين كي لا نتأثر بالصور الكثيرة القديمة والجديد منها وأن نصغي بصفاء للحقيقة ؛
فالإدارك لا يأتي إلا بعد الشك والريبة بما ورثنا لأن من الواضح وجود شكوك بهذه
الموروثات من تاريخنا الحديث ؛ وأعتقد أن أهم ما ورثنا هي فكرة الدم واللغة والدين
المشترك وغيرها من الأوهام التي لا تنطبق مع الواقع . أن اللغة بالرغم من أن لها
قدر كبير من تكوين خصوصية الأمم لكنها عاجزة عن توحيد هذه الأمم أو تقرير مصيرها
وشخصيتها ؛ فلا يمكن اعتبار من يتكلم اللغة العربية في الصين أنه عراقي وليس هناك
من يجرأ على اعتبار أمريكا وبريطانية أمة طالما هم يتحدثون الانجليزية .
أن اللغة في حقيقة الأمر هو موروث كسبي لا تمت إلى روح الأمة بصلة معينة
أما اللغة العربية فهي لا تعتبر من اللغات القديمة بل إن هنالك لغات أقدم منها
بكثير كالسريانية والمندائية (الآرامية)و(الاكديةـ بلهجتيها الآشورية والبابلية)
كذلك(السومرية)، بالاضافة الى اللغات الكرديةـ السورانية والبهدنانية ـ والتركمانية. ومن الطريف أننا العراقيين
مازلنا نتحدث ببعض المفردات السومرية وليس هناك أحد في العراق يستطيع التغاضي من
استعمالها ؛ مثل كلمة ( ماكو ) السومرية وكلمة (شلب) وأشعر بالفخر أن الله ذكر هذه
اللغة السومرية في قرآنه المجيد في آية ( وذا النون إذ ذهب مغاضبا ) والنون كلمة
سومرية تعني السمكة الكبيرة وأصلها ( نينا ) مما يعني أن اللغة لا تعني الاشتراك
في كل شيء .
أما الاشتراك في الدين فهو من الغفلة اعتباره محددا بأمة معينة دون غيرها ؛
فالدين مكتسب كما اللغة وذو صفة شمولية يتنافى مع القومية وعلى حد تعبير طه حسين (
أن وحدة الاعتقاد الديني ليست كافية لإقامة وحدة التضامن الوطني ) والدين عند
القومي ساطع الحصري ( لا يرتبط الدين بالأمة لان الأمة موجودة قبل الدين ) وبعكس
المسألة نرى أن الإسلام لم يرتبط بالعربية فقط بل هنالك أمم غير العربية أسلمت وهي
لا تنطق اللغة العربية ؛ فالدين سمة نفسية وروحية غير محددة بأمة أو قومية أو لغة
معينة .
يقول الدكتور طه حسين فيما يخص رابطة الدم : أن الأكثرية الساحقة من
المصريين لا يمتون بصلة إلى الدم العربي بل تتصل مباشرة بالمصريين القدماء ؛ ويقول
أيضا : لا تطلبوا من مصر أن تتخلى عن مصريتها ؛ وإلا طلبكم هذا يعني اهدمي يا مصر
أبو الهول والاهرامات .
أما الاتصال الجغرافي ورغم عدم وجود من ينكر أهميته في تكوين الأمم إلا أنه
يبقى صامتا أمام فقدان بعض الأمم اتصالهم الجغرافي واستطاعوا الحفاظ على هويتهم
وسماتهم الخاصة بهم وبحدهم ؛ وخير مثال على ذلك اليهود ..
إن الأوطان أو الأرض التي تجمع عليها البشر الأوائل هي الرحم الولود لكل
الأمم ؛ بمعنى أن التجمع السكاني الأول هو الذي حدد الأرض المناسبة له وأصبح من
بعد ذلك يعرف بها ؛ وعندما يفقد هذه الأرض لا يفقد معها مميزاته أبدا .أن أثارة
مسألة الأمة العراقية ليست من فحوى أفكار وليدة جديدة أو هي وليدة التداعيات
المرحلية وانتكاسة الشارع العراقي وخذلان العرب له قبل غيرهم ؛ إنما هنالك امتثال
لواقع سبقتنا له الشعوب العربية من قبل كما أوضحنا سابقا؛ ولكن يبدوا إننا متأخرين
كثيرا في تدبير الأمر .
في مصر قال لطفي السيد ( حزب
الأمة ) ( لا شبيه عندنا في معنى كوننا أمة متميزة عما عداها بمشخصات خاصة بنا قد
لا يشترك معنا من الأمم ) ( ونحن عرب مصر وفراعنة مصر وأتراكها ؛ كل هذه الشخصيات
المادية والكسبية من شأنها أن تجعل بيننا رابطة أقوى منها في كثير من الأمم ) ومن
أهم الانعطافات السياسية في العصر الحديث في ما يخص البحث هو تصريح الرئيس جمال
عبد الناصر في عام 1954 أي بعد عامين من استلامه السلطة ( أن هدف حكومة الثورة أن
يكون العرب امة متحدة يتعاون أبنائها في الخير المشترك ) ويقول ( لقد بدأت مصر
مرحلة جديدة في علاقاتها مع الأمة العربية ) وفي هذه الفترة تغيرت أطروحات الدكتور
طه حسين حول رؤيته للأمة العربية لماذا ؟!! يقول المؤرخ والكاتب المصري في حديث له
عام 1977 ( إن احتلال فلسطين عام 1948 قد أخل إخلالا خطيرا بالأمن القومي المصري
... هنا أستطيع أن أقول أن لم يعد لمصر مجال لضمان أمنها القومي إلا في أطار عربي
شامل وداخل حركة شاملة للتحرر العربي .. أن التوجه العروبي لمصر بعد عام 1952 قد
تواكب مع احتدام المشكلة الفلسطينية ) .
أن فكرة الأمم العربية غير
مختصرة بمصر ؛ فقد قال أنطوان سعادة ( كتاب نشوء الأمم ) ( الحقيقة أن ما تألمت
منه سوريا منذ أقدم العصور إلى هذا اليوم هو كونها موازية من الجنوب للصحراء
الهائجة على أرضها وأنها معرضة دائما لتسلط تياراتها من هجرات القبائل البدو ) أما
المغرب فيقول فرحات عباس ( بعد مراجعة التاريخ والقبور والكتب لم أستطيع أن ألمس
أي أصل عربي لبلادي ؛ وأرجوا من فرنسا دمجنا بها ) ويقول الرئيس التونسي الحبيب
أبو رقيبة في نهاية حديثه في المؤتمر التاسع للحزب عام 1974 ( كنت منشغلا بتخليص
هذه الأمة من ربقة الاستعمار ) وكان من مقررات هذا المؤتمر ( مواصلة العمل على
الذاتية التونسية ) في كتاب ( نحن أمة ) الصادر من الحزب الاشتراكي الدستوري
التونسي ( فمن ينظر إلى تاريخ تونس ولو نظرة إجمالية يرى إن القومية تكونت في هذا
القطر خلال قرون متوالية ... حتى تكونت الأمة التونسية وصار كل فرد منها يشعر
بانتمائه إليها وارتباطه بها ووجوده فيها كقطعة منها لا ينفصل عنها أبدا ) ويقول
لويس عوض ( أنا لا افهم العروبة خارج الجزيرة العربية ) ويقول ( بالرغم من أن
العرب ليسو أمة واحدة وليسوا قومية واحدة وبالرغم من تعدد قضاياهم ومصالحهم
وفلسفاتهم بل ومكوناتهم الوجودية إلا أن هناك قضية واحدة تجمعهم في الخطورة وهي
قضية أمنهم القومي ...أما مسألة الوحدة فيما بينهم فهي مجرد حلم جميل بعيد التحقيق
أن لم يكن من المستحيل ) .
خلاصة الأمر هو أن نميز بين ما هو نفاق سياسي وهتافات واهية مضللة وبين
حقيقة ما نحتاجه كأمة ؛ والذي نحتاجه الآن لكي نتخلص من الموروث القومي هو قوة
خاصة بالعراق لتدفع به نحو الشفاء وعليه إن لا يتخاذل عندما يسقط ) .. كلنا أمل أن
نستعيد قدرتنا لحماية أمتنا العراقية مع ملاحظة أن الإصرار على تحرر بلدنا من
المشاكل التي تحيق به لا يتنافى كوننا مرتبطين بالأمم العربية وارتباطنا وثيقا ؛
فالوحدة والاتحاد مع الأمم لا يمكن أن يقضي على خصوصيات الأمم بل علينا أن نمتلك
القوة الذاتية التي تؤهلنا لأن ننافس دول الجوار وأن نكون لنا علامات قوى مميزة
تؤهلنا لصياغة التقارب مع دول الجوار وحسب ما نراه مناسبا للأمة العراقية وليس
لغيرها .