ثقافة الهوية والمواطنة
الهوية العراقية من وجهة نظر
امريكية!
تقرير المركز الامريكي للسلام
ترجمة : شيرين حامد فهمي
ان مجلتنا ليست بالضرورة تتفق مع وجهات النظر الواردة في هذا التقرير، او
حول العبارات المستخدمة، مثل الحديث عن دور سلطة التحالف بدمقرطة العراق؟!! وغيرها
من الامور.. ولكن يبقى هذا التقرير له اهمية كبرى، تتمثل باعتراف الامريكيين بوجود
هوية عراقية رئيسية موحدة رغم
الهويات الفرعية المختلفة، الشيعية والكردية والسنية والتركمانية والسريانية،
وغيرها..
ـــــــــــــــــــ
كلما سجلت سلطة التحالف المؤقتة (CPA)
خطوات إيجابية نحو دمقرطة العراق، برزت التحديات والمعوقات لتعلن عن عرقلة تلك
الخطوات، وتحريفها عن مسارها... إنها تحديات التشرذم والتفرق التي تمنع بلدًا مثل
العراق من الوصول إلى الوحدة القومية، ومن ثم تمنعه من الوصول إلى الديمقراطية.
فمن الطبيعي أن تؤثر الانقسامات الإثنية والطائفية على العملية الدستورية
برمتها، ومن الطبيعي أيضًا أن تؤثر على تشكيل هياكل الحكومة العراقية المرتقبة،
وأن تؤثر أخيرًا على عملية نقل السلطة من أيدي سلطة التحالف إلى أيدي العراقيين
أنفسهم.
وحول هذا الموضوع، حشد "المركز الأمريكي للسلام" طاقمه المتخصص
في الشأن العراقي، ليدلي بدلوه في كيفية التصدي لتلك التحديات، وفي كيفية تمكين
سلطة التحالف من توحيد القوى العراقية. وقد تضمن هذا الطاقم لفيفا من الخبراء
المتميزين، إلى جانب مسئولين رسميين من الحكومة الأمريكية، ومنظمات غير حكومية،
وأكاديميين. وقد ترأس هذا الجمع "دانييل سيروير" Daniel Serwer مدير المركز.
وما سنقوم به الآن هو عرض سريع لما أسفرت عنه مناقشات هذا الملتقى؛ منوهين
إلى أن هذا العرض لا يمثل مواقف رسمية عن المركز، مما لا يعطي المجال لتأييد
سياسات بعينها.
العراق يمر بأزمة هوية
بالرغم من تآكل الهوية العراقية -تحت سندان "النظام الصدامي"
ومطرقته- فإن الشعور بأهميتها لم يمت أبدًا؛ وهو شعور بدأ يتشكل فقط في القرن
العشرين. وحاليا، تلعب الهوية الإثنية دورا جوهريا على الصعيد العراقي، وأكثر قوة
من ذي قبل؛ وهو أمر نتج عن سياسات التمييز والتحيز التي كان يمارسها الرئيس
العراقي السابق صدام حسين طيلة العقود الماضية ضد الأكراد والشيعة .
سرقة
ملفات السجل المدني من كركوك على يد الأكراد بعد سقوطها بيد الأمريكان
وبناء على ذلك، تعتبر المسألة الكردية في الشمال هي أولى العقبات على طريق
الوحدة القومية العراقية. فعلى مدى أكثر من عشر سنوات، استطاع العراقيون الأكراد
أن يحققوا لأنفسهم حكما ذاتيا خارج النظام البعثي؛ وهو ما أدى إلى تنامي وتصاعد
الإحساس بالهوية الكردية. وهناك عدة دلائل تشهد على ذلك: فقد تم اختزال اللغة
العربية، والحط من شأنها؛ وهو ما أضعف من معرفة وإلمام الأكراد باللغة العربية،
وقد صار النظام التعليمي أكثر ترويجا ودعاية للانتماء للهوية الكردية، وأخيرًا بات
هناك تركيز مضاعف على حقوق الإنسان المتعلقة بالمواطنين الأفراد. إلا أنه بالرغم
من ذلك، فيظل الأكراد على دراية كاملة، وعلى وعي شبه مؤكد، بأن طموحاتهم نحو إقامة
دولة مستقلة لن يكون لها الغلبة في النهاية، خاصة في وسط الأجواء المعادية، سواء
من جانب إيران أو من جانب تركيا الأكثر عداوة للطموحات الكردية أو من جانب العراق
العربي. ولكن في نفس الوقت، لا نستطيع -على الإطلاق- أن نغفل الآثار المترتبة على
إخماد أو إبطال الآمال القومية الكردية، كما لا نستطيع أن نقلل من شأن العواقب
الناتجة عن إمكانية إعادة ضم الأقاليم الكردية الثلاثة للعراق العربي؛ أو عن
إمكانية تسريح القوات المسلحة الكردية.
أما الشيعة، فهم أناس قد تمكنوا من تنمية هويتهم الذاتية في العراق، عبر
الدين، وليس عبر النزعات الانفصالية؛ أو بلغة أكثر دقة، كان التعبير عن هويتهم
صادرًا عن الدين، أكثر مما كان صادرًا عن العِرْق. وتتمثل طموحاتهم في الهيمنة على
العراق، وليس في تقسيمه. وفي ظل الحكم الصدامي، تم القضاء -وبدرجة شبه كاملة- على
القيادة الشيعية العلمانية؛ الأمر الذي أدى إلى بروز نخبة شيعية دينية. إلا أنه
-بالرغم من ذلك- ما زال المجتمع الشيعي في العراق مفتقدا لقدر كبير من التماسك،
حيث ينقسم في داخل نفسه إلى جماعات علمانية، معتدلة، ودينية. ولكن هذا التفرق لم
يمنع هذه الجماعات من الوقوف على هدف واحد وشامل، ألا وهو: المطالبة بتمثيل نسبي
في داخل الحكومة العراقية؛ وهو ما سيعطي للشيعة 60% -أو أكثر- من المقاعد
البرلمانية والمراكز الحكومية في داخل العراق.
وأخيرًا، يأتي دور السنة، حيث نلحظ إحساسهم العالي والمتنامي بهويتهم، خاصة
أولئك الذين فقدوا الامتيازات، التي كانوا يهنئون بها يوما في ظل النظام البعثي.
وغالبا ما نشهد هذا التوجه المتنامي، لإبراز الهوية السنية، خارج بغداد، خاصة في
المناطق الريفية التي يُطلق عليها ما يُسمى "بالمثلث" السني. كذلك رأينا
مؤخرا تزايدا ملحوظا في الانتماء السني للأصولية الدينية، خاصة فيما بين الأجيال
الشابة الصاعدة. أما على الصعيد الآخر فنجد أهل الحضر من النخبة السنية، الذين
يشكلون جزءًا كبيرًا من الطبقة العراقية الوسطى، والذين يظهرون قدرا أقل من
الانتماءات العرقية والانفصالية؛ ما يجعلهم أكثر ليونة وأكثر قدرة على التفاعل عبر
الخطوط الإثنية والعرقية المختلفة. واستخلاصا لما سبق، فإنه سيكون من الصعب جمع كل
هذه الجماعات السنية ذات المشارب المختلفة -التكنوقراط مع رجال الأعمال مع النخبة
السياسية- تحت مظلة واحدة... مما سيعسر وسيعرقل من عملية إعادة البناء.
تحولات ضخمة
لقد جاءت قوات الاحتلال إلى العراق حاملة معها تغيرات جذرية في التربة
العراقية. وكان أول هذه التغيرات هو انحسار التأييد الجارف لأيديولوجية القومية
العربية التي كانت في يوم ما سببا رئيسيا ودافعا أساسيا لميلاد الهوية القومية
العراقية. وكان ثاني هذه التغيرات نتيجة طبيعية للمتغير الأول، وهو انتقال الهوية
العراقية من الصفة القومية إلى الصفة الدينية، حيث نتوقع اندلاع جدالات حادة وشرسة
على الساحة العراقية، فيما يخص دور الشريعة، ودور المرأة. ولا ننسى أيضا أن الدور
المتصاعد للدين يمكن أن يؤدي - بطبيعة الحال - إلى استفزاز وإثارة العنف الطائفي،
كما يمكن -على الوجه المعاكس- أن يؤدي إلى توحد المجتمعين السني والشيعي في وجه
قوات التحالف المتواجدة في العراق.
وأما ثالث هذه المتغيرات فيتمثل في ظهور أدوار بارزة وقوية، بالنسبة
للمجتمعات الشيعية والكردية، لم تكن الساحة العراقية تشهدها أو تعرفها من قبل (في
ظل حكم صدام). وهذا طبعا من شأنه أن يثير تحديا كبيرا تجاه التفوق التقليدي
المتواجد في قلب العراق، حيث يعيش 50% من جميع العراقيين في خمس مقاطعات مركزية،
و30% في عشر مقاطعات جنوبية، و15% في الشمال. ونسبة سكان الحضر في العراق تعتبر
عالية إلى حد كبير؛ إذ يعيش حوالي 75% من سكانه في المدن ، كذلك فإن غالبية الطبقة
الوسطى تقطن المدن .
السبيل هو تأييد الطبقة الوسطى
إن جهود قوات التحالف لن تثمر إلا من خلال دعم توحيد القوى، ومن ثم الضرب
بيد من حديد على النزعات الطائفية؛ وهناك طرق عديدة للوصول إلى ذلك:
·
الابتعاد عن سياسة التوازن الإثني للمؤسسات السياسية،
والانتقال إلى السياسات ذات البعد الموضوعي.
·
إنشاء مؤسسات غير حكومية تخترق جميع الخطوط الإثنية
والطائفية.
·
استخدام عائدات النفط في إحياء الطبقة الوسطى، وفي دعمها
اقتصاديا.
·
توفير فرص اقتصادية متسعة، تشمل منح القروض للأعمال
الحرة صغيرة ومتوسطة الحجم، خاصة فيما يتعلق بالأعمال التي تديرها النساء
والعائلات.
·
عمل توازن بين المدن التي تصاعدت أهميتها حديثا (مثل
النجف، كربلاء) وصارت مراكز مستقلة وبين دور بغداد المستقبلي.
·
دعم التخصص والحرفية خاصة في وسط الموظفين المدنيين.
·
توفير التعليم المدني للجميع.
·
إصلاح التعليم على جميع المستويات، مع التركيز على
العلوم الاجتماعية والإنسانيات.
·
تأييد إيجاد وتنمية الجامعات الخاصة.
·
فتح العراق أمام باقي العالم.
ولا نخفي
سرًّا أن هناك خطرًا كامنًا يمكن تفجره في أثناء قيام قوات التحالف بهذه المهام؛
ألا وهو: أنها قد ساهمت - بدون أن
تدري- في تأييد العناصر البعثية السابقة. ومن ثم، فعلى الـCPA ألا تكتفي بإقصاء
أولئك الذين تلوثت أيديهم بدماء العهد البعثي ، بل عليها أيضا أن تلتمس طرقا
لإعادة تأهيل أولئك الذين اصطفهم النظام البعثي في صفوفه والسماح لهم بالمساهمة في
بناء مستقبل العراق .