الحقبة الاولى
كركوك، أصلاً
وإسماً..
عادل عبد الرحيم الحكيم/ بغداد
تعتبر
منطقة كركوك واحدة من مناطق الاستيطان البشري، ليس على صعيد العراق فحسب، بل على
صعيد العالم. ففي أرض كركوك، وجدت أقدم القرى البشرية، كذلك بني فيها واحد من أقدم
المعابد في العراق والعالم أجمع.
جرمو، أقدم قرية في التاريخ
يعتبر( جرمو) من أقدم التجمعات
الزراعية في العالم يرجع تاريخ الأستيطان فيها إلى 7000 سنة قبل الميلاد، كما
تعتبر جرمو من أقدم قرى العصر الحجري الحديث الذي تم التنقيب عنها. هذا
الموقع الواقع شرق كركوك، قداكتشف في أربعينيات القرن الماضي من قبل دائرة الآثار
العراقية التي أوكلت عملية التنقيب إلى مؤسسة الدراسات الشرقية في جامعة شيكاغو
التي أرسلت طاقماً من خبراءها وعلى رأسهم روبرت برايدوود Robert Braidwood . استناداً إلى كتابات برايدوود كانت جرمو تحوي على 100
- 150 شخص كانوا يعيشون في 20 بيتاً مصنوعاً من الطين حيث مارس سكان جرمو الزراعة بطرق بدائية وكانوا يربون الحيوانات الداجنة. ويوجد فيها بعض الأدوات من الصوّان
أوالزجاج الطبيعي.
شيدت
البيوت في جرمو بالطين والسقفت بالحصران وكانت أسس بعضها من الحجر الطبيعي وكان
سكانها رعاة دجنوا بعض الحيوانات وربوا الماشية ومارسوا الزراعة في نطاق ضيق،
وكانت لهم معتقدات دينية بدائية كعبادة الآلهة الأم "آلهة الخصب والتكاثر،
التي اتخذت فيما بعد تسمية(انانا) في اللغة السومرية، و(عشتار) في اللغة
الاكدية(البابلية الآشورية).
الآثار
المكتشفة في هذه القرية كثيرة منها أدوات من الحجر وأكثرها مصقول وأدوات من العظم
وحلي ودمى من الطين وشفرات المناجل المصنوعة من حجر الصوان، وأحجار الطحن، ووجد في
أعلى طبقات الموقع كسر من الفخار السمج.
أما عن سكان جرمو فقد
عاشوا في قرى صغيرةٍ ذات منازل مستطيلة متعدّدة الحجرات مصنوعةٍ من الطين. وكانوا
يزوِّدون منازلهم بأفرانٍ للخبز وأحواضٍ للغسيل. ورغم أنّهم لم يتوصّلوا لمعرفة
حرق الفخّار إلاَّ أن السكان الأوائل شكّلوا ونحتوا أواني ممتازة من الصخور
الناعمة ذاتَ ألوانٍ جميلة. وقد استخدموا أيضاً بعضَ الأحجار في صناعة بعض الحلي
الخاصة كالعقود والأساور، وكان لديهم كلُّ الأدوات المميّزةِ للعصر الحجري الحديث
كالفأس الحجرية المصقولة وما شابهها كالمخارز، ذلك إلى جانب الآلات الزراعية
الأخرى كالمنجل وطواحين الحبوب الصغيرة. وقد كانت أهم حاصلات هؤلاء المزارعين
القمحَ والشعير. أما بالنسبة لحيواناتهم فهي من الأغنام والثيران والخنازير
والكلاب.أما بالنسبة لمعتقدات سكان جرمو فقد نظروا للمرأة على أنها رمزٌ لآلهةِ
الخصب فأقاموا لها تماثيل من الصلصال. وما يجمع سكان الموقعين : جريكو وجرمو،
بالإضافة إلى طريقة عيشهم وبناء مساكنهم، هو معتقداتهم الدينية التي تقوم على
تأليه الخصب وعبادة الأم السومرية الكبرى سيّدة الطبيعة والكون .
تاريخ المدينة
تقع مدينة كركوك الحالية على أطلال المدينة الاشورية
القديمة أرابخا (عرفة)
التي يقدر عمرها بحوالي 5000 سنة. بسبب أهمية موقعها الجغرافي بين أهم مركزين
حضاريين وسياسيين في تاريخ العراق، بابل ونينوى، بالاضافة الى تأثير ايران وجبال
زاكاروس المحاذية. شهدت كركوك معارك عديدة بين تلك الامبراطوريات المتصارعة التي
بسطت سيطرتها على مدينة كركوك في فترات تاريخية متباينة.
وتشير التنقيبات الأثرية إلى أنها كانت مدينة الآلهة،
اتخذت معبداً مقدساً، تقدم فيه قرابين الطاعة والغفران. وأكدت التنقيبات الأثرية
أن مدينة ـ عرفة، كانت مقدسة
لدى الملوك والحكام العراقيين، بحيث اعتبرت ملجأ للآلهة. وكان ملك نينوى
نيريجليسار، قد أعاد هيكل الآلهة(آني طوم) إلى مدينة سيبار، بعد اغتصاب يمتد إلى سنة 2600 ق. م .
كما أن
خصوبة تربة كركوك وموقعها الجغرافي جعلاها مركزاً للحركة التجارية ومعقلاً عسكرياً
لصدّ الغارات الخارجية، وقاعدة للقيام بهجوم يشنّ منها إلى الخارج، وقد احتضنت عدة
أجناس تبادلوا العادات والتقاليد راضين أو كارهين، حيث استوطنها أولاً العراقيون
الناطقون بالسومرية، ثم العراقيون الناطقون بالاكدية بلهجتها الآشورية. كذلك
الجماعات المهاجرة من الجبال والهضاب المجاورة، مثل الحوريون والكاشيون والفرثيون
والفرس والأكراد، والآراميون ثم العرب ثم التركمان، وصولاً الى العصر الحديث حيث
قطنها الارمن وغيرهم، اضيف لذلك موجات الهجرة الكردية بعد انبثاق الصناعة النفطية
في الاربعينات والخمسينات، حيث هاجر الكثير من الاكراد من الجبال المجاورة للعمل
في النفط. لكن الحضور التركماني في المدينة ظل هو الاقوى، بحيث أن اللغة
التركمانية ظلت سائدة الى الآن حتى بين الفئات العراقية الاخرى من أكراد وعرب
وسريان وأرمن وغيرهم.
هناك آراء مختلفة عن أصل تسمية المدينة. أحد النظريات تنص
على أن تسمية كركوك أتت من الكلمة التي استخدمها الآشوريون
(كرخا بيت سلوخ) التي تعني المدينة المحصنة بجدار بينما تشير أقدم سجلات الألواح
الطينية المكتوبة بالخط المسماري التي عثر عليها بالصدفة سنة 1927 في قلعة كركوك
الى أن قطعة كيرخي (كرخا / قلعة) كانت تقع في أرابخا (عرفة) باقليم
كوتيوم. هناك فرضية أخرى تستند على كتابات المؤرخ اليوناني القديم بلوتارخ حيث
يذكر بلوتارخ انه عندما قطعت القوات المقدونية البادية في سوريا
وعبرت نهر دجلة
في 331 قبل الميلاد اتجه الإسكندر الأكبر بعد معركته المشهورة مع داريوش الثالث
نحو بابل
عن طريق أرابخي أو أرابخا (عرفة) حيث أصلح قلعتها(أي قلعة كركوك) وأضاف الكاتب
اليوناني بلوتارخ أن على أرض أرباخي (أي كركوك) تشاهد نيران مشتعلة دائمة وتغطيها أنهار
من النفط وهذا الكلام ينطبق على موقع كركوك المعاصر. أما موقع بابا كركر
فقد أورد بلوتارخ اسمه بصيغة كوركورا. وقد أضاف الميديون على نهاية الاسم اللاحقة
الزاكروسية المحلية اوك فغدت التسمية كوركورك. عرفت مدينة كركوك في عهد الساسانيين
بكرمكان والتي تعني الارض الحارة الذي تحول الى جرمقان أو جرميق في العربية
وكرميان بالكردية.
يعتقد التركمان أن المدينة سميت بكركوك لأول مرة في عهد
دولة قه ره قوينلو حيث اشتقت أسم المدينة من كلمة كرك التي تعني الجمال بالتركية
القديمة.
ويرى الدكتور مصطفى جواد أن اجتماع ثلاث كافات في هذا
الاسم أمر نادر من حيث الحروف، وتركيبه اللفظي يدل على أنه من الأسماء السامية
الآرامية، ثم نقل عن ياقوت الحموي في معجم البلدان:
»كِرخيني، بكسر
الخاء المعجمة ثم ياء ساكنة ونون وياء، هي قلعة في وطء من الأرض، حسنة حصينة بين
دقوقا وأربل رأيتها وهي على تل عال ولها ربض صغير».
ثم خلص إلى أن هذا الوصف الجغرافي ينطبق تمام الانطباق
على «كركوك» الحالية، وحدّد ـ الجواد ـ العصر الذي سُميت به بلدة كرخيني «كركوك»،
هو زمن الدولة التركمانية ألقراقوينليه». أي في حدود القرن التاسع للهجرة أي
الخامس عشر للميلاد. وفي العهد العثماني اتخذت مدينة كركوك مركزاً إداريا لمنطقة
(شهرزور) التابعة لولاية الموصل، والتي ضمت السليمانية وأربيل، باعتبارها جزءاً من
شمال العراق الذي شمل حينذاك ولاية الموصل.
المراجع
ـ
موسوعة ويكيبديا wikipedia ( كركوك).
ـ
كنوز المتحف العراقي / الدكتور فرج بصمه جي / وزارة الإعلام - مديرية الآثار
والمتاحف
www.hawzah.ir/Per/Magazine/AH/015/AH01516
ـ
- قلعة كركوك، عبد العزيز سمين، جريدة صوت التأميم، العدد ۷ـ٨، ۱٩٩٨
-16– دليل العراق لسنة
1936
- تراث ومعتقدات المسيحيون
التركمان (باللغة التركمانية)، بطرس فرج هندي، العدد الرابع، مجلة صوت الاتحاد،
بغداد، ۱٩۷۲
- الدفتر, محمد هادي و
عبد الله حسن , العراق الشمالي , مطبوعات النهار, بغداد 1956
- دائرة المعارف الاسلامية ترجمة الى العربية القاهرة
1933 .