تراث شعري
أبو الطيب المتنبي.. شاعرالغنائية
والحكمة العراقية
عشتار فاضل الانباري/ ميسان
اخترنا هذه القصيدة
لشاعرنا الكبير(المتنبي) إبن الكوفة، لأنه عبر في شعره عن الصفتين الكبيرتين
اللتين ميزتا الشعرية العراقية منذ ملحمة كلكامش وحتى الآن:
ـ الغنائية الجياشة
الصارخة
ـ روح الحكمة
الباحثة عن أجوبة لمجاهيل الانسان والكون..
وقد وجدت
هاتين الصفتين بصورة واضحة لدى أكبر شاعرين عراقيين في القرن العشرين، الجواهري
والسياب. ولكن للأسف، ان غالبية الشعراء العراقيين الحداثيين قد فقدوا هاتين
الميزتين، بسبب تقليدهم الحرفي لتيارات الشعر الغربي الحديث وتأثير أدونيس وسعدي
يوسف.
شرُّ البلاد،
مكان لا صديق به..
أبو الطيب
المتنبي
وَاحَرَّ
قَلباهُ مِمَّن قَلْبُهُ شَبِمُ
ومَن بِجِسمي وَحالي عِنْدَهُ سَقَمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قد بَرَي جَسَدي وتَدَّعِي حُبَّ سَيفِ الدَولةِ
الأُمَمُ
إِنْ كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ
فَلَيتَ أَنَّا بِقَدْرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ
قد زُرتُه وسُيُوفُ الهِندِ مُغمَدةٌ وقد نَظَرتُ
إليهِ والسُيُوفُ دَمُ
وَكانَ أَحسَنَ خَلقِ الله كُلِّهِمِ
وكانَ أَحْسَنَ ما في الأَحسَنِ الشِيَمُ
فَوتُ العَدُوِّ الِّذي يَمَّمْتَهُ ظَفَرٌ
في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شَدِيدُ الخَوفِ واصطَنَعَتْ لَكَ المَهابةُ ما لا تَصْنعُ البُهَمُ
أَلزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئاً لَيسَ يَلْزَمُها أَنْ
لا يُوارِيَهُم أرضٌ ولا عَلَمُ
أَكلما رُمتَ جَيشاً فانثَنَي هَرَباً
تَصَرَّفَتْ بِكَ في آثارِهِ الهِمَمُ
علَيكَ هَزمُهُمُ في كُلِّ مُعْتَرَكٍ
وما عَلَيكَ بِهِمْ عارٌ إِذا انهَزَموا
أَما تَرَى ظَفَراً حُلواً سِوَى ظَفَرٍ تَصافَحَت ْفيهِ بيضُ الهِنْدِ
والِلمَمُ
يا أَعدَلَ الناسِ إِلاَّ في مُعامَلَتي فيكَ
الخِصامُ وأَنتَ الخَصْمُ والحَكَمُ
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً
أَنْ تَحْسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ
وما انتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظرِهِ إِذا استَوَتْ
عِندَهُ الأَنوارُ والظُلَمُ
سَيَعْلَمُ الجَمْعُ مِمَّن ضَمَّ مَجْلِسُنا بِأنَّني خَيْرُ مَن
تَسْعَى بِهِ قدَمُ
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمَى إلى أَدَبي وأَسمَعَتْ كَلِماتي مَن
بِهِ صَمَمُ
أَنامُ مِلءَ جُفُوفي عن شَوارِدِها ويَسْهَرُ الخَلْقُ جَرَّاها
ويَختَصِمُ
وَجَاهِلٍ مَدَّهُ في جَهلِهِ ضَحِكِي حَتَّى
أَتَتْهُ يَدٌ فَرَّاسةٌ وفَمُ
إِذا رَأيتَ نُيُوبَ اللّيثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنَّنَ أَنَّ اللَيثَ يَبْتَسِمُ
ومُهجةٍ مُهجتي مِن هَمِّ صاحِبِها أَدرَكْتُها بِجَوادٍ ظَهْرُهُ حَرَمُ
رِجلاهُ في الرَكضِ رِجْلٌ واليَدانِ يَدٌ وفِعْلُهُ ما تُريدُ
الكَفُّ والقَدَمُ
ومُرهَفٍ سِرتُ بَينَ الجَحْفَلَينِ بِهِ حتَّى
ضَرَبْتُ ومَوجُ المَوتِ يَلْتَطِمُ
الخَيْلُ واللّيلُ والبَيداءُ تَعرِفُني والسَيفُ
والرُمْحُ والقِرطاسُ والقَلَمُ
صَحِبتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ مُنْفَرِداً حتَّى تَعَجَّبَ منَّي القُورُ والأَكَمُ
يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أن نُفارِقَهم
وَجداننا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُمْ عَدَمُ
ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرِمة لَو
أَن أَمرَكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ
إِن كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا فَما لِجُرْحٍ إِذا
أَرضاكُمُ أَلَمُ
وبَينَنا لَو رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفةٌ إِنَّ
المَعارِفَ في أَهلِ النُهَي ذِمَمُ
كَم تَطلُبُونَ لَنا عَيباً فيُعجِزُكم ويَكرَهُ الله ما تأْتُونَ
والكَرَمُ
ما أَبعَدَ العَيْبَ والنُقصانَ من شَرَفي أَنا الثُرَيَّا وَذانِ الشَيبُ والهَرَمُ
لَيتَ الغَمامَ الذي عِندِي صَواعِقُهُ يُزِيلُهُنَّ إلي مَن عِندَه
الدِيَمُ
أَرَى النَوَى يَقْتَضِيني كُلَّ مَرْحَلةٍ لا تَستَقِلُّ بِها الوَخَّادةُ
الرُسُمُ
إذا تَرَحَّلْتَ عن قَومٍ وقد قَدَروا أَن لا تُفارِقَهم فالراحِلُونَ
هُمُ
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بهِ وشَرُّ ما يَكْسِبُ
الإِنسانُ ما يَصِمُ