نصوص وذكريات
كركوك، فلا أكف عن مغازلتها ولا هي تتمنع
حسين ابو سعود / لندن
هذا
الباحث والشاعر الاصيل قد ولد في كركوك 1954، ويقول عن نفسه:
فتحت
عيوني على قتل وسحل في شوارع كركوك وانا لم اتجاوز الخامسة من عمري. وبالرغم مما
اورثتني تلك الصورة من عقد وتراكمات الا ان عشقي لكركوك لم ينته، بل بدأ العشق.
بدأت
الدراسة في مدرسة الامين الابتدائية ثم في المتوسطة الغربية وبعدها في ثانوية
الحكمة وثانوية الاماني المسائية.
لقد
بدأت حياتي في كركوك المحبة والتاخي والتنوع واتمنى ان اغمض عيني وكركوك ترفل في
نعيم التنوع والمحبة والتاخي. لم يهمني نفط كركوك يوما، كما لم يغمني جفاف الماء
في نهر الخاصة. اريد كركوك بمناطقها وشوارعها وازقتها بعربها وكردها وتركمانها
وكلدواشورييها، ولا اريد ان تكون كركوك بلا طيور وزهور وبلا اطفال وصبايا وبلا ارض ولا سماء ولا صبح ولا
مساء، ولا اريد لجدران المدينة ان
تتهاوى حزنا وتظل الشوارع طريقها. اريدها ان تمتلئ بزهور النرجس وصخب الاطفال وجلبة الاعراس.
انا
الان اقيم في لندن، كتبت الشعر والقصة والمقالة ونشرت في معظم الصحف والمجلات
العربية وعندي اعمال معدة للطبع،
وهي:
-
نظرية الخروج على الحاكم في المذاهب الاسلامية/ قاتل الرئيس – رواية/ سجين في حي
سكني– شعر/السيستاني ليس لغزا – مقالات/مقاطع من الف جرح وجرح – شعر/ شؤون
تركمانية – مقالات في الشأن التركماني/شؤون عراقية، من الملكية الى صدام /وراء كل
امراة معذبة امراتان - شعر/ما تبقى
لي من كربلاء (مقالات في المدن والسياسة والدين)/ اسرار زوجية على الهواء مباشرة
(مقالات )
ــــ
منذ ان
اجبروني على الخروج من حضنك وانا احلم بك في كل اغفاءة، احلم بصباحك المشرق، حيث يتوجه البنات والبنين الى مدارسهم ولم
أكن اهتم للمسافة الطويلة بين بيتنا في سوق القورية ومدرسة الامين الابتدائية وانا
احمل كتبي واحرص على وضع كتاب الانكليزي في المقدمة حتى يعرف الناس باني في الصف
الخامس الابتدائي ثم في السادس حسب الوان الكتاب الذي يتغير كل سنة، وكنت كباقي
الطلبة نفعل نفس الشئ حتى في المتوسطة والاعدادية، واذكر المتوسطة الغربية وثانوية
الحكمة ثم ثانوية الاماني المسائية، ولو شاء الزمان وعدت اليك يا مدينتي سوف اعاود
الكرة وامشي حتى المدرسة لاثما الابواب ولامسا جدران المنازل التي تستر الاسرار
والمباهج وامر على المقاهي والمطاعم واملأ رئتي بروائح الكباب وادخنة الناركيلات
وساذرع سوق القورية طولا وعرضا واقف امام محلات الطرشي والتوابل وباعة الاقمشة
والمخابز واعرج الى احمد اغا وساقضي ساعة هنية في حمام الفرح العمومي واتناول
الشاي بالدارسين، ثم شارع الاوقاف واتوقف طويلا امام سينما العلمين وقد اتجه من
تحت مبنى المحاكم نحو سينما الحمراء لا ستحضر افلام فريد الاطرش بالاسود والابيض.
ولا انسى ان نسيت جبين كركوك الساطع اعني القلعة الشامخة بالرغم من احزانها
ومعاناتها عبر سنين القهر والعزلة.
آه يا صيف كركوك ويا حر الظهيرة عندما يسترخي الناس في قيلولة مريحة كنت اتسلل الى
المحلة حيث ينتظرني اصدقاء آخرون،
فنجلس في ظل ظليل تحت طارمات البيوت ونسترسل في تأليف الفورطات الخارقة،
وفي العصاري عندما تهرع الصبايا الى اسطح المنازل فيرششن الارض بالماء فتتصاعد
رائحة التراب الطيبة وينصبن الكلل البيضاء حيث ينام الاهالي تحت ضوء القمر. آه يا
ايتها المظاهر النابضة بالحياة في كركوك ايام زمان، القيمر والكاهي والبقلاوة
والزلابية والدولمة،الشوارع والسينمات، العربنجية والمطيرجية، السكارى
والدراويش، الحسينية والمساجد،
الاسواق وضجيج الباعة والعمال، نهر الخاصة والجسر الفاصل بين الصوبين، المقاهي والدومنة والطاولي والمحيبس في
رمضان، استقبال الحجاج، الموالد،
مجالس التعزية والسكاير والقهوة المرة، حفلات الختان والاعراس والخوريات
والدبكات، اغاني سعد الحلي وحسن زيرك واكرم طوزلو وبنت الريف، ومناطق الماس وعرفة
ورحيم آوى وتبة ملا عبد الله وامام قاسم وصاري كهية وكاور باغي والمصلى، العرب
والكرد والتركمان والارمن والاثوريين والصبة، السنة والشيعة. أأحكي عن الصباح
المشرق لكركوك ام عن الظهر المسترخي ام العصر الطري ام المساء المنعش ام أحكي عن
الطيبة والبساطة، أأحكي عن العباءات والجراويات ودشاديش الاطفال المقلمة، ام عن
السهر حتى الصباح بانتظار العيد حيث دواليب الهواء والالعاب والملابس الجديدة
والنشوة. أياتي ذلك اليوم واذهب الى قرية امام زين العابدين في شهر رجب واطلب منه
مرادي وارش الملبس على رؤوس الزائرين والتقي بالقادمين من الشمال والجنوب والشرق
والغرب تجمعهم الطيبة والوئام والصفاء. أ يأتي ذلك اليوم واغمض عيوني للمرة
الاخيرة في دفء المدينة وتحت سمائها الازرق المليئة بالطيارات الورقية والنجوم
اللامعة ويحتويني ترابها الى الابد؟
احبك كركوك فاحبيني
وساعود قريبا فاقبليني
فهذا اسمك يراوح
مابين قلبي وجبيني
غازلتك فغازليني.