نصوص وذكريات
كركوك حبيبتي.. خذيني الى (سينما اطلس) و(سوق
القورية)!
الفنان فاروق صبري/نيوزلند
farouk1952@hotmail.com
هذا الفنان
الكركوكلي الاصيل الذي يعتز بكرديته وبعراقيته بصورة منسجمة وانسانية. وكما يقول
هو عن نفسه، انه:
ولد عام
1952 تحت سقف بيت طيني في مدينة الذهب الاسود كركوك. تخرج من معهد الفنون
الجميلة بغداد عام 1974. قدم مشروع تخرجه فلم سينمائي قصير بعنوان 'التابوت' من
قصة بنفس العنوان موجودة في المجموعة 'المملكة السوداء' للمبدع محمد خضير.
شارك في العديد من العروض والفرق
المسرحية قبل هجره للوطن عام 1979. وفي المنافي ساهم كممثل في العديد من العروض
المسرحية ومنها 'الحصار' و'ثورة الموتى' و'أنتيجونا' مع فرقة 'بابل' المسرحية
العراقية. عضو في المسرح القومي السوري. وشارك كممثل في بعض مسلسلات الدراما
السورية. نشر العديد من المقالات والزوايا الثقافية في صحف ومجلات عراقية. وله
نشاطات ثقافية عديدة. يقيم منذ
اعوام في نيوزلندا. هذا نص جميل له يستذكر فيه مدينته كركوك حين زيارته لها بعد
عام 2003 لاول مرة بعد سنين طويلة من الغياب :
حين وصلت
أربيل قصدي مطار أربيل شعرت بغربة متوحشة أقسى وأسفل من عضة الكلب، وسبب شعوري ذلك
أنني لم أر وجهاً أعرفه ولا أحد في استقبالي وانا أعود لوطني بعد ست وعشرين
عاما وشهرين و13 يوم وخمسة ساعات. بعد ايام توجهت الى كركوك انا ومن معي من أهلي، الذين جاؤوني الى اربيل.
في مدينتي
العزيزة خفت الشعور بالوحشة وانا أشم رائحة التون كوبري وجسره الهرم
والمتهدم ومياه نهره وذلك الاخضرار الذي تدوسه اليوم دبابات البرابرة
الاميركان وأوهام القومجيين وبكل أنواعهم واسواقهم وأحزابهم القديمة
والحديثة. نيران بابا كركر رغم خفوتها استقبلتني
بضوئها البرتقالي الذي أعشقه. الاصدقاء والذين يعرفونني قديما
وحديثا يندهشون بلقائي.
لا ادري لما وقفت عند آثار سينما اطلس،
استرجعت في ذاكرى لقطة عشتها في طفولتي مع اخي الاكبر المرحوم(فائق) :
اتذكر عدما كنت بصحبته بالقرب من سينما
الاطلس، فقلت له:
ـ اخوي الله يخليك اريد اليوم تأخذني لفلم
"فلاش كوردن" و"هرقل الجبار"
ـ ولك ما عندي فلوس اليوم، بس شويه أغلب
ونحصل فلوس راح أخذك للسينما واشتريلك لفة كباب وعنبة.
فلعب اخي فائق لعبة "الدعبلّه"
وغلب وأخذ درهمين ومسك ايدي وركضنا في اتجاه السينما.
وانا
الآن اخيرا امام سينما طفولتي، لم اتمالك نفسي وصرخت :
ـ اخويا
فائق، وينك عيني.. يلعن أبو السرطان اللي اخذك مني وحرمني من شوفة فلم وياك في
سينما الاطلس، وينك فائئئئئئئئئئئئئق
اتذكر قبل
زيارتي كنت كثيرا ما أتحدث مع أهلي واخواتي وأخي المرحوم فائق عبر التلفون، فاعيش
مع تلك المشاهد المعبرة عن التنوع اللغوي والثقافي لعائلتي مثل جميع عوائل كركوك:
ـ ها أميرة
"وهي أصغرنا" اشلونج اشلون الاولاد وناجي وزوجج اشلونه حبيتي مشتاقلك
ترد علي أميرة بمحبة وسعها وسع بساتين
الزيتون في محلتنا التركمانية الكردية العربية "كاورباغي" :
ـ عيوني فاروق
اشلونك والله هوايه تأخرت تعال نشوفك ودير بالك على نفسك، هاذي اختي اديبة تريد تحجي
وياك :
ـ فاروق به به م نه صل صان قوربان اولم
سه نه
وهذه كانت اختي الثانية في سلسلة العائلة
وقد حدثتني بالتركمانية. وبعد ذلك قلت لها بالكردي:
ـ عمري اديبة
والله التركماني شويه ناسيها أحبج وأبوس واولادي من ايديج وينها هدية.
وتأتي هدية والبكاء يسبق صوتها التركماني
الكردي العربي وتقول :
ـ فده فاروق
قوربانت بم، دير بالك على نفسك ونحنا نتظرك...............
حين زرت
اخواتي في العام الماضي كن كل
واحدة منهن يحتفظن بشيئ مني ، قميص كنت أحبه وبنطلون اشتريته يوما ما، جاكيت جلد،
نظارة، كتب وكل هذه مازالت تفوح منها رائحة الماضي ومشعة في الحاضر..
امي الكردية السنية كانت تغرق بالسواد في ايام عاشوراء
وتذهب كل يوم مشيا على الاقدام من مشروع الاسكان وحتى محلة تسعين حيث
الاكثرية التركمانية والعربية الشيعية وتحضر حلقلت اللطم. وفي عشرة عاشوراء تسوي هريسة
واخواتي الخمسة نجوم كركوك المضيئة يوزعن وهن ملتفعات بالعباءة وعلى رؤوسهن
صواني مليئة بصحون وجاري الهريسة الصغيرة ..
كل هذه
المشاهد رأيتها في زيارتي قبل شهور مطفئة وذابلة. لم استطع التعرف على
المناطق والمحلات والشوارع والساحات والمناطق. وزوج اختي مكية
واسمه محمود يسألني :
ها.. تعرف هذا
المكان !!!!!!!!!؟
ولكن ما ان
وصلت الى ( سوق القورية) ذلك الفضاء الضيق والمتدد والواسع باصوات الباعة والخضروات واللغات
الثلاثة _ وللنكته نسميها مدينة الموجات الثلاثة _التركمانية والعربية والكردية، حتى
صرخت:
ـ هذا سوق
القورية!