تقاليد
من ميراث الصابئة المندائيين: عيد البروانايا(البنجة)
وهيبة محمد علي/ الناصرية
ان أعياد
الصابئة المندائين فيها الكثير من بقايا اعياد العراقيين القدماء. فهي أعياد
مرتبطة بدورة الطبيعة الام. فمثلا أن عيد(اجيتو ـ حجتو) (كلمة الحج بالعربي كما
بالاكدي تعني عيد)، هو من أكبر وأهم أعياد العراقيين الذي ظلوا خلال ثلاثة آلاف
عام يحتفلون به في سومر وبابل ونينوى. وهي عيد اول الربيع وبداية السنة الجديدة،
وانبثاق (تموز) اله الخصب الذكوري واتحاده مع(عشتار) الهة الخصب الانوثي من اجل
انبثاق الخصب والنبات والحياة الجديدة.
عيد البروانايا(البنجة)
وهو
عيد(البرانية، أي البرية والارض)، أي عيد الخليقة. الجدير بالتوضيح ان التقويم
المندائي، احتفظ بنظام التقويم العراقي القديم، الذي كان يجمع بآن واحد بين
النظامين القمري والشمسي. فيكون الشهر دائما ثلاثين يوما. اما ايام الفرق بين
النظامين، فتظاف كل اربعة اعوام.
نقول هذا لكي نوضح بأن تواريخ أعياد الصابئة تختلف عن تواريخ النظامين
الميلادي (الشمسي) والهجري(القمري).
يقع
تاريخ هذا العيد بين شهري أيلول
وتشرين المندائيين. بعد الثلاثين من شهر شمبلته المندائي وقبل اليوم الأول من شهر
قينه، وتوافق هذه المناسبة المقدسة مع شهر آذارميلادي وهو شهر الربيع والخصب
والميلاد لدى العراقيين القدماء. والبنجة هي احتفال ديني أكثر مما هي عيد إذ تجري
فيها احتفالية تعميد لكل الصابئة في الماء الجاري وتقام في هذه الأيام الوجبات
الطقسية (اللوفاني) على روح المتوفى وتشمل تقديم اللحم والسمك، وكذلك تقدم الصدقات
للمحتاجين. يعتبر الزواج والمعاشرة وشرب الخمر ولعب القمار من المحظورات في هذه
الأيام الطاهرة.
هذه
الأيام الخمسة البيضاء تجلى فيها
الرب وأعلن عن نفسه في الوجود حيث انبثقت صفاته وأسمائه في تلك الأيام حيث انبثقت
صفة الحياة في اليوم الأول والعظمة في اليوم الثاني والمعرفة والعلم في اليوم
الثالث ،أما اليوم الرابع فانبثقت واحدة من صفاته ألا وهي الحق ، وفي اليوم الخامس
تفجرت المياه الجارية وهي سر من أسرار هيي قدمايي ومنها خلق الزمن والسنة المتكونة
من 365
يوماٌ وكذلك خلقت عوالم النور (مكان الرب) من تلك المياه، فهي أيام طاهرة زكيه لا
تعد من الأيام ولا تدخل في عداد
الزمن لأنها أسمى من أن تكون زمن يعد، أنها خمسة أيام كأنها يوم واحد لا يشطره
ليل،، لا ظلام فيه . ليس للشر والشيطان حصة فيها، أنها أيام الرب .. خير في خير، صفاء
في صفاء .فيها يصطبغ المندائيون ويجددوا صبغتهم وينحروا ذبائحهم من أن أجل أن
يقيموا الليافة لموتاهم وفيها أيضاٌ تكرس المنادي (بيث مندي) وتقام الملابس
الطاهرة للموتى (طرطبوني طابي دخيي)(القماشي) ويسمى اليوم الأخير يوم التذكير .
طقوس التعميد
ان أكثر ما يميز الصابئة
المندائيين في أعيادهم هو ممارستهم لطقوس التعميد والارتماس في الماء الجاري وهم
يرتدون ملابسهم البيض (الرستة). ويعتمد في طقوس التعميد على الماء الجاري. منذ
ساعات الصباح الأولى ياخذ الصابئة يتوافدون على المندى وهم يرتدون رستهم البيض
التي تتكون من خمس قطع هي (الكسويا - الكساء) و(الشروال - السروال) و(البرزنقا-
العمامة) و(النصيفة - الوشاح) و (الهميانة ـ حزام من الصوف) يتكون من 61 خيطا وهو أقدس جزء في الرسته.
تبدأ طقوس البنجة بالوضوء (الرشامة ـ الترسيم) والصلاة (براخا ـ البركة،
التبرك) حيث يقف المندائي على الشاطئ ويتوضأ ثلاث مرات وذلك برسم يديه ووجهه
وجبينه بالماء الجاري ومسح الركبتين بالماء وبعدها يقيم الصلاة صلاة الصبح فقط. ان
أيام البنجة كلها نهار، كونها أياما نورانية ليس فيها فرق بين الليل والنهار. بعد
أداء الصلاة يردد الأشخاص المراد تعميدهم تراتيل خاصة طلبا للرحمة وهم ممسكون
بالدرفش (درافشاتاقنا) أو الراية المتقنة وهي عبارة عن غصنين من الزيتون متقاطعين
وملفوفين بقطعة من الحرير الطبيعي الأبيض تعلوهما سبعة أغصان من الأس. وهو يرمز
الى انتشار النور والمحبة والسلام والحياة في الاتجاهات الأربعة. وبعد إتمام
التراتيل ينزل المتعمد إلى الماء من يسار الترميذة أو الكنزفرة (رجل الدين)
ويستدير الى اليمين و(يطمش) أي يطمس ثلاث مرات في الماء ، يتناول بعد ذلك ثلاث
رشفات من الماء من رجل الدين الذي يمسك بعصا من الزيتون (مركنة) وقنينة من الماء
المقدس. رشفتان يشربهما المتعمد والثالثه يسكبها على كتفه الايسر وهذه الجرعات
تمثل الروح والنفس والجسد.
إثناء طقوس التعميد يقوم رجل الدين بنقل
غصن الآس من الخنصر الأيمن للمتعمد ليضعه فوق الجبهة تحت العمامة. عموما لا يجور
لرجل الدين تعميد أكثر من شخص واحد في آن واحد كما لا يمكنه تعميد الحائض والمرأة
الحامل. ينزل المندائيون فرادى للنهر. اما الذين ينهون تعميدهم فينتظرون بعد
خروجهم من الماء وهم جالسون على مصاطب خشبية أعدت لهذا الغرض. لا يجوز للمندائي
الجلوس على الأرض إثناء التعميد. وبعد فترة انتظار قصيرة يقام طقس آخر هو الدوران
ثلاث مرات حول الطريانة من اليسار إلى اليمين أيضا، وهو موقد لإشعال البخور ينتصب
بجوارها الدرفش. وتتم طقوس الدوران جماعيا وبحسب أسبقية خروج المتعمدين من الماء.
ان هذه الالتفافة من اليسار إلى اليمين تعبير عن انتقاله من الظلام إلى النور. في
هذا الطقس يرسم رجل الدين على جبهة المتعمد رسم الحي العظيم مستخدما زيت السمسم
ويبدأ بتلاوة التراتيل والأدعية لطلب الرحمة وغفران الخطايا ويرددها وراءه
المتعمدون، كما يقوم بإطعام المتعمدين (البهثة والممبوهة) أي الخبز والماء المقدس.
ويمثل التعميد بالماء نوعا من الولادة الجديدة. ان الإنسان حين ينزل الماء يصبح
جنينا في رحم امه(النهر)، حين يخرج من النهر، يولد من جديد. لهذا ان التعميد فيه
نوعا من التطهير والتجديد، اذا تغفر الخطايا غير المقصودة، أما المقصودة فغفرانها
عند الله.