ملف
كركوك قلب العراق
صحوة كركوك:
اقبال عربي ورفض كردي
تأسيس مجالس صحوة عشائرية في مدينة كركوك يعني أن حدثاً جديداً وكبيراً قد
حصل، قد يكون له إسقاطات أمنية واجتماعية كبيرة في وسط يتألف من أربع قوميات تتحدث
كل منها بلغة خاصة. نعلم أن مصير كركوك كمنطقة متنازع عليها بين الاقليم الكردي
وبين الحكومة المركزية غير معلوم بعد إلى أن يتم تنفيذ القرار 140
الخاص بالمناطق المتنازع عليها، مما يجعل وجود مجموعات مسلحة خارج اطار الأجهزة
الامنية تعود لقومية واحدة هي القومية العربية يثير العديد من الشكوك والتساؤلات
لدى الاطراف الاخرى وخاصة الطرف الكردي. الأكراد يخشون بشكل أساسي من ماضي هذه
المجموعات، التي تنتشر في نواحي كركوك مثل الرشاد والرياض والحويجة، وفي قرى ريفية
على أطراف المدينة، فهؤلاء الشبان أولاد العشائر العربية كانوا ينتمون لمجموعات
المقاومة والمجاهدين كما يزعم الكرد، وكانوا يتفاخرون عندما يقتلون جنديا من
القوات الأميركية أوالعراقية، وكانوا يشكلون عبئا ثقيلا على إدارة المحافظة في صنع
الاستقرار الأمني. يتسائل الكرد في كركوك: كيف بامكاننا تسليم رقابنا إلى قوات
عشائرية لديها هذا التاريخ؟
رفض كردي
هذه ليست المرة الأولى التي تقابل فيها فكرة تأسيس المجالس العشائرية بالاعتراض
والسلبية. القصة نفسها سبق وأن حدثت عند تأسيس مجالس الصحوات في بغداد. حينذاك،
اعترضت كتلة الائتلاف العراقي الموحد الشيعية في بداية الامر لأن مجالس الصحوات
تعني بالنسبة لها تسليح مجموعات سنية وتقويتها وبرعاية أميركية. أما في كركوك، تلك
المدينة الواقعة تحت السيطرة الكردية في قيادة مؤسساتها ودوائرها الأمنية، تواجه
صحوة كركوك ممانعة من القادة ومن السكان الكرد على حد سواء. فالكرد يجدون أن
سيطرتهم على النواحي الامنية في المدينة أتاح لها نوعا من الاستقرار، وقلل من نسبة
الاختراقات الأمنية بالمقارنة مع المناطق التي يتولى فيها العرب قيادة الأجهزة
الأمنية.
الملاحظ في الأيام الاخيرة أن المعارضة الكردية بدأت تتضائل شيئا فشيئا تحت الضغط
الأميركي، في حين يزداد عدد عناصر الصحوة في مناطق العرب التابعة لكركوك، مما جعل
العشائر السنية العربية تعتبره نصرا سياسيا لها. يقول السيد أبو مشرق الرياشي من
عرب كركوك لـ (نقاش) أنه عندما شاهد بعض قوات الصحوة بملابسهم المرقطة وقت دخولهم
سوق دوميز الشعبي، شعر بالفخر الشديد، وهو يؤكد بثقة أن " مكانة العرب في
كركوك عادت من جديد". شعور الرياشي بالفخر ينسحب على معظم العرب السنة
المقيمين في المدينة الذين يشكلون أقلية بالنسبة للكرد، واللذين كانوا يتمتعون
بمميزات كثيرة انتزعها الكرد من أيديهم بعد سقوط النظام السابق.
رأس حيوان
ساهمت صحوة كركوك إلى الآن بسحب العديد من شباب العرب إليها عبر الرواتب الشهرية
التي تؤمنها لهم والتي تدفعها الحكومة اليهم بالرغم من أنها لم تضمهم إلى الأجهزة
الأمنية. فكل عنصر من الصحوة يحصل على مبلغ شهري مقداره حوالي 250 دولار امريكي، وكلما زاد عدد المنتسبين من العائلة
الواحدة كلما زاد دخلها الشهري، والصحوة لا تشترط على منتسبيها سوى القدرة على حمل
السلاح بغض النظر عن العمر والخبرة العسكرية، وقد شاهدنا عبر نقاط التفتيش الخاصة
بهم مراهقين في الخامسة عشرة يحملون السلاح ويقومون بمهمات امنية مع آبائهم
وإخوانهم. المسألة باتت مصدر رزق لعائلات بأكملها، وهنا النقطة الأبرز التي يمكنها
ان تجعل أهل العرب السنة في تلك المناطق يعيدون النظر بالكثير من القناعات
السياسية السابقة، هناك ايضا الهيبة والقوة والتقديرالاجتماعي التي يحصل عليها
عنصر الصحوة نتيجة حمله للسلاح تحت انظار القوات الحكومية والذي يدفع الآخرين إلى
الالتحاق بالمجالس، كما أن هناك سببا مهما أيضا في الإقبال على الصحوات، وهو أن
وجود تلك القوات في المناطق العربية في كركوك سيمنع قوات الجيش العراقي من مداهمة
السكان العرب وسيترك مهمات التفتيش والمداهمة لأقاربهم من قوات الصحوة.
عند البدء بتشكيل المجالس سرت إشاعة بين العرب في كركوك، بان هويات المنتسبين فيها
مرسوم عليها العلم الأميركي في جهة، وصورة لرأس كلب في الجهة الأخرى، وكما هو
معروف أن الكلب وفي وحارس لسيده، وتأويله ان رجال الصحوة مثل الكلاب أوفياء
لأصحابهم الاميركان. هذه الإشاعة انتهت بإصدار القوات الأمريكية هويات رسمية
لعناصر الصحوة يبدأ تاريخها من 2008/4/10 وتنتهي في2008/10/10 دون وجود لرأس
أي حيوان، الأمر الذي طمأن العديدين ممن يرغبون في الالتحاق بصفوفها!!
اليوم بدأت الصحوات بفتح مكاتب لها داخل المدينة، في أحياء كحي الواسطي وحي النصر
وبعض الأحياء الأخرى، وسألت أكثر من شخص عربي عن فائدة تواجدها في مركز المدينة
طالما أن القوات الأمنية غير قادرة في ضبط الأمن هناك، ومنهم أبو رحمن الذي قال
لي: "لا بد من وجود أناس قريبين منا (من العرب)، يعلمون حق المعرفة من هو
مذنب ومن هو متورط في أعمال عنف، وتستطيع الصحوة أن تزكي كل شخص بريء وتؤيد اعتقال
المسيء .. "