ملف كركوك قلب
العراق
مواطن كردي من
كركوك
يتبرع بكليته
مجاناً لمواطن تركماني..
بدأت الحكاية، حين كان (أحد طه ولي) وهو أحد
مواطني كركوك يتابع برنامجاً تلفزيونياً على إحدى القنوات المحلية في مدينته،
وشاهد إعلاناً عن شخص يدعى "محمد حسن" بحاجة ماسة إلى كلية وعلى وجه
السرعة، فما كان منه إلاّ أن يتصل بالقناة لمعرفة تفاصيل الموضوع.
وقال ولي،42 سنة، في حديث
لـ"نيوزماتيك"، إنه "اتصل بالمواطن محمد حسن صاحب الإعلان ليتعرف
عليه شخصياً لمعرفة تفاصيل أكثر، فقام الأخير بشرح حالته وتبين أن يشكو من قصور في
إحدى كليتيه، أما الأخرى فضعيفة، ومن المحتمل أن تتوقف عن العمل، في أية لحظة.
وأضاف ولي أن "المريض محمد حسن روى له
كيف أن أحد الأشخاص عرض عليه كلية مقابل مبلغ نقدي قدره 7 ملايين دينار عراقي"، وأكد
أن "المريض الذي يسكن منطقة تسعين وسط مدينة كركوك، أب لأربعة أطفال ولا يملك
الإمكانية المالية لشراء الكلية، وهو مهدد بالموت في حال عدم تدارك الوضع وإيجاد
من يتبرع له بكلية"، حسب تعبيره.
وطه ولي هو مواطن عراقي من مواليد محافظة
كركوك، 260
كم شمال بغداد، يتيم الأبوين ويعيش وحيداً منذ عام 1991 وهو معوق منذ الصغر بسبب ساقيه،
ولديه هوايات عدة أولها وأهمها مشاهدة ومتابعة الدوري العراقي لكرة القدم وهو لا
يفوت مباراة تقام في كركوك، أما هوايته الثانية فمتابعة القنوات المحلية في كركوك،
إذ يشارك ولي كثيراً في البرامج السياسية الحية التي تبثها مباشرة هذه القنوات.
وتابع ولي رواية حكايته قائلا "قمت بعد
أن استمعت لحالة المريض، بزيارته فوراً، وأبلغته بأنني سأتبرع له بكليتي ودون
مقابل"، وأضاف "لم يصدق حسن الحالة، وقررنا أن نذهب معاً إلى المستشفى
لمعرفة ما يجب أن نقوم به من فحوصات طبية، وبعد إجراء الفحوصات ظهر أن فصيلتي دمنا
متطابقتان، وأكد الأطباء لنا أن هناك فرصة طيبة لقبول أنسجة المريض حسن لكليتي،
وهو الأمر الذي أكده أيضا الأطباء في إيران، الذين سيجرون العملية".
وقد أكمل الاثنان الإجراءات القانونية إذ
وقع ولي تعهداً خطياً في محكمة كركوك يقضي بأنه سيتبرع بكليته إلى حسن دون مقابل
على أن يتكفل الأخير أجور سفره إلى إيران والعودة إلى العراق، وحصلت
"نيوزماتيك" على نسخة من التعهد.
ورداً على سؤال عن السبب الحقيقي لتبرعه
بكليته لـ"حسن" وهل من قرابة تربطه به، ابتسم ولي وقال "كيف يمكن
لشخص يعرف بأنه يملك في داخله العلاج لشخص آخر سيموت بدونه، ولا يعطيه؟"،
وأوضح "لست متزوجا وليس لدي أبناء، بينما "حسن" متزوج ولديه أربعة
أطفال هم بحاجة إليه، والأهم من ذلك أنه عراقي وهذا كاف لأتبرع له ليس فقط بكليتي،
وإنما بأغلى ما أملك مادمت أستطيع ذلك".
وأكد ولي في حديثه لـ"نيوزماتيك"
قبيل مغادرته متوجها إلى السليمانية ومنها إلى إيران بعد إكمال معاملات سفره، بأنه
ليست لديه أية معرفة سابقة بـ حسن، ولا تربطه به أية علاقة قرابة أو صداقة، ويضيف
"أنا كردي ومحمد حسن تركماني".
وتمنى ولي أن "يفكر الساسة مثلما يفكر
المواطن البسيط، وأن يقدموا التضحيات والتنازلات دون مقابل من أجل خدمة العراق
وكركوك، وعليهم أن لا يفكروا كثيرا بالمناصب والنفوذ" حسب تعبيره.
وبدوره وصف محمد حسن
لـ"نيوزماتيك" تبرع ولي له بكليته بـ"المعجزة"، وقال
"أنه لا يوجد شخص ليس في العراق فحسب بل في العالم قام بما فعله ولي من
أجله"، مضيفاً "وأنا ممتن لولي إلى يوم مماتي، ولن أنسى ما قام به معي
من عمل إنساني لا يوصف ولا يقدر بثمن".
ويسكن طه ولي في إحدى الشقق السكنية المؤجرة
في كركوك، كما أنه مادياً يحسب على الطبقة الفقيرة، تماماً كما هو حال محمد حسن
الذي يسكن منطقة تسعين، ذات الأغلبية التركمانية.
وقال عضو لجنة الفحوصات الطبية في قسم
الكلية بدائرة رئاسة صحة كركوك الدكتور علي عبد الحسين زين العابدين في حديث
لـ"نيوزماتيك"، إن "حالة محمد لا تتحمل التأجيل، وعليه إجراء
العملية في أسرع وقت ممكن"، مضيفا أن "لجنة الفحوصات في كركوك وافقت أن
تجرى لمحمد العملية وفي أسرع وقت ممكن لأن إحدى كليتيه متوقفة عن العمل تماماً
والأخرى عاجزة بنسبة 75%
".
وأشار زين العابدين إلى أن "الأهم من
كل هذا هو إيجاد كلية، يجب أن تتطابق فصيلة دم المتبرع بها مع المريض، وأن يكونا
من نفس المدينة، لكي تكون الأجواء التي عاش فيها الطرفين متشابهة، وهو أمر لا يقل
أهمية عن تطابق الدم".
وأوضح عضو لجنة الفحوصات الطبية أنه
"ليست هنالك من مخاطر في أن يعيش الإنسان بكلية واحدة، ولكن عليه أن يقلل من
الجهد، وأن لا يتعرض لتقلبات الجو بالإضافة إلى عدم تناوله للتوابل والماء المالح،
وأن يحتاط من أمور كثيرة" .
وعن سبب عدم إجراء العملية في كركوك أو في
أي منطقة داخل العراق أكد زين العابدين أن "معظم الأخصائيين هاجروا إلى خارج
العراق بسبب الظروف الأمنية المتردية وكثرة عمليات اختطاف الأطباء"، لكنه
أشار في الوقت نفسه انه "بالرغم من ذلك يوجد في العراق حالياً العديد من الجراحين
الممتازين ومنهم في كركوك "مستدركاً" لكن للأسف هناك عدم ثقة من قبل
المواطن بالأطباء العراقيين، ولا أعرف السبب، وهم يتوجهون الآن إلى دول مجاورة مثل
إيران والأردن وسوريا وغيرها"، وعلى حد قوله .
ولفت زين العابدين إلى أن "احتمالات
نجاح العملية تتوقف على أمور كثيرة منها تحمل جسم المريض لإجراء العملية، وعمل
الكلية المتبرع بها، والتي يجب أن تعمل بشكل جيد"، موضحاً "وفي حالة عدم
توفر هذه الشروط يجب على القائمين بإجراء العملية الجراحية، تهيئة المناخ لتوفر
هذه الشروط"، حسب قوله.
يذكر أن كلاً من المتبرع والمريض يقومان
الآن بإكمال معاملة سفرهما إلى إيران وتم التقاط عدة صور للمتبرع طه ولي قبل أن
يغادر كركوك إلى السليمانية، ومن هنالك إلى إيران لإجراء العملية، في الأيام
المقبلة.
ــــــــــــــ
عن نيوزماتيك/ كركوك