خمسة
آلاف عام من الانوثة العراقية.. لماذا ؟!
سليم مطرـ جنيف
لم نكن نتصور في اول الامر،
ان مشروعنا لاصدار عدد خاص بالمرأة العراقية، سيتخذ هذا المضمون الموسوعي وهذا
الحجم الضخم. كنا في اول الامر نفكر ان نضع مواضيع متفرقة عن المرأة، لكن مع تواصل
العمل وتصاعد الحماسة، توصلنا الى الفكرة التالية:
ـ لماذ لا يكون عددنا عبارة
عن موسوعة تاريخية شاملة عن المرأة العراقية؟!
طبعا ان كلمة( موسوعة) واسعة
جدا، وتعني اصدار العديد من المجلدات كل واحد منها متخصص بمجال معين.. لكن يحق لنا
اعتبار عددنا هذا (موسوعة مختصرة) او (مدخل
لمشروع موسوعة شاملة) عن المرأة
العراقية. المهم اننا قمنا بالخطوة الاولى، ونترك الامر للآخرين وللاجيال
القادمة..
بذلنا جهودا جبارة
خلال عدة اشهر( وهذا سبب تأخير عددنا)، لكي نقدم
موسوعتنا هذه حسب منهجنا المعروف ، منهج الهوية العراقية(سنشرحه بعد قليل). رحنا
ننبش في الكتب والمجلات والصحف ومواقع الانترنت، ونتصل بمختلف الباحثين العراقيين
في مختلف انحاء العالم، لكي نعثر على معلومات ومصادر عن شخصيات نسوية عراقية من
جميع مراحل تاريخنا ومن مختلف الفئات والمناطق.
ولم نكتف بهذا، بل جهدنا لكي
نختار شخصيات نسوية تمثل مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية والاجتماعية العراقية،
فهناك ملكات وآلهات وفنانات وراهبات مسيحيات وزاهدات مسلمات وعشيقات وشهيدات
سياسيات. ونجحنا بتسليط الضوء على شخصية شعبية منسية هي (الملاية) التي ظلمتها
جميع النخب العراقية، حداثية ومتدينة.
ثم اننا جهدنا لتقديم جوانب
مجهولة من تاريخنا العراقي، وبالذات جانبه النسوي. مثلا شخصية (سميراميس) الملكة
العراقية الشهيرة في كل انحاء العالم إلا في بلدها! كذلك شخصية( الملكة شيرين)
التي احتسبت على التاريخ الايراني لأن زوجها الملك كسرى، رغم انها كانت (عراقية
آرامية) من جنوب العراق(ميسان) وكان تعتز بأصلها العراقي وثقافتها ودينها. كذلك
قدمنا شخصية(سجاح الموصلية) وهي المرأة العراقية التي ادعت النبوة وقامت بمغامرة
كبيرة اثناء الفتح الاسلامي للعراق، ثم في الاخير اعتنقت الاسلام وهجرت مدينتها
الموصل واستقرت في البصرة. المشكلة ان هذه المرأة، بسبب تمردها، قد تم التعتيم على
انتمائها العراقي، كذلك تم تشويه سمعتها واتهامها زورا بالخلاعة والفسق! قدمنا
كذلك إمرأة مجهولة تماما، هي (معاني جويريدة) الفتاة البغدادية من القرن السابع
عشر ميلادي، والتي عاشت مغامرة انسانية عجيبة مع زوجها الايطالي. ونجحنا بالعثور
على صورة مرسومة لها تعتبر اقدم رسم حي لانسان عراقي لحد الآن!
في موسوعتنا
هذه( المجلة ـ الكتاب) الخاصة بالمرأة العراقية، اعتمدنا كالعادة على منهجنا
المعلن، (منهج الهوية العراقية) والذي نتقيد به في كل كتاباتنا ومنشوراتنا، وهو
يعتمد على ناحيتين:
ـ الناحية التاريخية، أي
تناول الموضوع بكل ابعاده التاريخية الوطنية، منذ المرحلة المسمارية(العراق
القديم)، ثم المرحلة الآرامية المسيحية، ثم المرحلة العربية الاسلامية، ثم المرحلة
العثمانية، حتى المرحلة الحديثة. وهذا تقليد جديد في الثقافة العراقية، لأننا
للأسف تعودنا، ان يقوم الباحث بالتعامل مع أي موضوع ثقافي عراقي ويبحث عن اصوله
التاريخية بالعودة الى مرحلة معينة واحدة، قد تكون المسمارية، اوالعربية الاسلامية
او الحديثة، حسب آيدلوجية الباحث، إن كان عروبيا او إسلاميا، او حداثيا امميا..
الخ..
ـ الناحية الفئوية(الجغرافية)،أي
تناول الموضوع، بكل تنوعاته الفئوية، الأقوامية والدينية والمناطقية العراقية.
وهذا ايضا تقليد جديد في الثقافة العراقية. لأننا للأسف تعودنا، ان يقوم الباحث،
حسب مزاجه وآيدلوجيته، بالتركيز فقط على فئة اقوامية او دينية او مناطقية معينة،
واعتبارها هي المجتمع العراقي كله. افضل نموذج لهذا، ذلك العمل الكبير الذي انجزه
المؤرخ العراقي المعروف(علي الوردي) والمكون من عدة مجلدات خاصة ب(تاريخ العراق)
في القرون الاخيرة، فتناول فقط (تاريخ عرب العراق)، وبالذات منطقة (بغداد)،
متجاهلا تماما الفئات والمناطق العراقية الاخرى. فهنالك غياب شبه تام لما عاشه
الاكراد والتركمان والسريان والصابئة، ودورهم في صنع تاريخ العراق في تلك الحقب!
ان هذا التشويه (الآيدلوجي)
للثقافة وللتاريخ العراقي، وتقطيعه تاريخيا وفئويا، قد ادى الى تشويه (الروح
والنفسية العراقية). إذ سادت المجتمع العراقية إنتماءات مختلفة متناقضة، حسب
العقيدة والدين والمذهب واللغة والمنطقة، ولا يجمعها أي (قاسم وطني مشترك)! وهذا
طبعا ادى الى شيوع حالة التوتر السياسي واغتراب العراقي عن وطنه وبحثه اللا مجدي
عن ثقافات وتواريخ خارجية ينتمي اليها، دينية وقومية واممية.
هنالك حقيقة مطلقة قد تناستها
النخب العراقية: ان الوحدة الوطنية والسياسية لن تتحقق في أي مجتمع، من دون ايجاد
قاسم مشترك ثقافي وتاريخي يجمع الناس ويشعرهم بانتمائهم الوطني المشترك، مهما
اختلفت عقائدهم ولغاتهم واديانهم ومذاهبهم ومناطقهم. أي ان توحيد التاريخ الوطني
يسبق تماما توحيد الخطاب السياسي، وليس العكس كما عودونا منذ قرن وحتى الآن..
طغيان السياسة
وغياب الثقافة!!
المشكلة الكبيرة التي
واجهتنا في هذا العمل الجماعي، وكانت ايضا اكتشافا مذهلا ومحزنا، ذلك الغياب شبه
التام للمصادر الثقافية الخاصة بالفئات العراقية غير العربية. هنالك عموما امكانات
تقريبية للعثور على مصادر عن التنوعات الثقافية العراقية الخاصة بالناطقين
بالعربية، فنون وآداب وثقافة شعبية. لكن المشكلة تبدأ عندما تقوم بالبحث عما يخص
الاكراد والتركمان والسريان واليزيدية والصابئة، وغيرهم، تصاب بالصدمة لشدة الندرة
العجيبة لهذه المصادر. عندما تبحث في الصحف والمجلات ومواقع الانترنت الكردية
والتركمانية والسريانية، تجد(9%99 ) مما يكتب، امور سياسية خطابية ومكررة بصورة
عجيبة. كل واحد يقتبس من الآخر، نفس الكلام ونفس الشعارات ونفس البكائيات
والاتهامات، مع تجاهل تام لثقافة فئتهم التي يتباكون عليها، آدابها وفنونها
وثقافتها الشعبية. انهم يختصرون الحياة بصورة تعسفية الى شعارت سياسية يتناولوها
بالتكرار والتكرار والتكرار حتى ما لا نهاية!
على سبيل المثال، اننا اتصلنا بعشرات المثقفين الاكراد وبحثنا
لايام وايام في العديد من الكتب والمجلات ومواقع الانترنت الكردية العراقية وغير
العراقية، المكتوبة بالعربي او باللغتين الكرديتين، بحثا عن مواضيع عن شخصيات
نسائية كردية، فلم نجد ابدا اية معلومة عن فنانة او اديبة او اية شخصية شعبية او
متدينة، بل ولا حتى شخصية نسوية سياسية على الاقل. والحمد لله ان هنالك بعض الاصدقاء وبعض المصادر العراقية ( العربية!)
اسعفتنا بالعثور على معلومات عن شخصيات نسوية فنية كردية عراقية. نفس الكلام ينطبق
على التركمان والسريان وباقي الفئات العراقية، وإن بدرجات مختلفة تقريبا!!
بما ان مجلتنا لا تريد ان
تقدم نفسها على انها فقط مجلة (نخبة متخصصة)، بل هي اساسا(مجلة شعبية ثقافية)، لها
قيمة امتاعية وجمالية بالاضافة الى قيمتها المعرفية. لهذا نحرص على ان يكون اسلوب
مواضيعها سهلا ولغتها واضحة، تتجنب التعقيد والتخصص الاكاديمي، وهذا يعني اضافة
جهود اخرى من اجل مراجعة المواضيع المكتوبة لـ (تسهيلها وتوضيحها) بالتنسيق مع
الكتاب انفسهم. ونعتذر بصدق لاعزائنا الكتاب، إن اضطررنا احيانا الى تسهيل بعض
العبارات والسطور والمعلومات، دون إستئذانهم، بسبب شحة الوقت وصعوبة الاتصال.
ثم اننا نحرص على ان نضع صورا
توضيحية للموضوع في كل صفحة من المجلة، من اجل زيادة الناحية الجمالية وكذلك دعم
روح التوثيق والتوضيح. وهذا ايضا تطلب جهودا جبارة والبحث في مختلف الكتب والمجلات
ومواقع الانترنت من اجل العثور على الصور المناسبة. وتجدون في هذا العدد مئات
الصور، بينها صور كثيرة نادرة ومجهولة.
مع تقديرنا العالي للكثير من
المواقع العراقية التي خصصت ابوابا خاصة بنشر الصور العراقية، إلا انه رغم ذلك
هنالك فقر شديد بكمية الصور العراقية ونوعيتها. رغم ان الحضارة الحالية، تسمى
(حضارة الصورة) إلا اننا حتى الآن لم نهتم بما يكفي بهذا الجانب. فمن الطبيعي مثلا
ان تقرأ كتابا يتحدث عن المناطق والبلدات والقرى والمدن الفلانية من دون حتى لو خارطة واحدة تبين مواقعها،
ولا صورة واحدة لها ولناسها. اما بالنسبة للصور الخاصة بالفئات العراقية، بلداتها
وقراها وناسها وشخصياتها، فهي شبه نادرة واحيانا مستحيلة.
والذي زاد من فقر التوثيق الصوري العراقي، وللأسف الشديد، ان
الرسامين العراقيين لم يهتموا بل استخفوا واحتقروا البورتريت(رسم الشخوص) ورسم
الحياة الواقعية ومعالم الوطن، باعتباره فنا سهلا ومباشرا وبرزجوازيا!! فمن النادر ان نعثر على
لوحات واقعية مباشرة لمعالم ولشخصيات الوطن ولناسه.
لهذا فأننا ندعو بهذه المناسبة ونحث كل العراقيين الذي يمتلكون
صورا، سواء كانت شخصية وعائلية او مأخوذة من كتب ومجلات قديمة، يمكن ان تكون لها
قيمة توثيقية تاريخية وتعريفية لأية منطقة او حقبة او شخصية، ان يصوروها
بواسطة(السكانر) ويبعثوها الى مواقع الانترنت العراقية المعروفة. انهم بذلك يقدمون
اعظم خدمة لتوثيق حياة امتنا العراقية.
اخيرا، نأمل ان تكون
موسوعتنا المشتركة هذه، خطوة كبيرة واساسية من اجل اصدار موسوعات اخرى عن مختلف
القضايا المنسية والمشوهة لبلادنا العزيزة، منها مثلا: الكتابة العراقية منذ
المسمارية وحتى الآن، الفنون، الفئات الدينية والاقوامية، العلوم، البيئة، جغرافيا
الوطن، وغيرها الكثير... اخيرا نقول بأن هذه الموسوعة تصدر بطبعتين في آن واحد:
على شكل مجلة(ميزوبوتاميا) في بغداد وتوزع في انحاء العراق، وكذلك على شكل كتاب في
بيروت ليوزع في انحاء العالم، بالاضافة الى نشرها في موقع الانترنت الخاصة
بالمجلة، و،نأمل ايضا ترجمتها الى مختلف اللغات.
كما هو معلوم ان هذا العدد
من (ميزوبوتانيا) سوف يصدر ايضا على شكل كتاب في بيروت بعنوان(خمسة آلاف عام من
الانوثة العراقية)، ليوزع الى الناطقين بالعربية في جميع انحاء العالم. ونظرا
لاهمية هذا الكتاب الذي يعتبر الاول من نوعه عن المرأة العراقية، ويقدمها بصورة
موسوعية وواقعية وانسانية وفنية، فأنه يستحق ان يترجم الى كل اللغات الممكنة ومنها
الانكليزية والفرنسية والالمانية والروسية، وطبعا اللغات العراقية كذلك: التركمانية، والسريانية، مع الكردية
البهدنانية والسورانية والخانقينية والفيلية..
لهذا تدعو (ميزوبوتاميا) كل
العراقيين في داخل الوطن وفي خارجه، والذين على اتصال بامور الترجمة ومع المؤسسات
المعنية بها في العالم اجمع، ان يساهموا معنا بترجمة هذا الكتاب القيم، ونحن
بدورنا نحاول ان نساهم معهم بتقديم التسهيلات المادية والمعرفية ومنحهم مجانا حقوق
الترجمة، من اجل انجاز هذه المهمة الوطنية التي سوف تساهم بتقديم صورة صادقة
وانسانية ونزيهة عن (نساء النهرين) ومعهن كل الامة العراقية..