مريم.. ام
النبي (ماني البابلي)..
خالد بابان
ـ بولونيا
للحديث
عن (مريم) ام (النبي ماني)، يتوجب اولا الحديث عن (المانوية). تعرض تاريخ هذه
الديانة العراقية الى تعتيم وسوء فهم بسبب القمع الدموي وحرق الوثائق الخاصة بها
من قبل الكثير من الدول والاديان. واول من حارب (المانوية العراقية) هم المجوس
الفرس، والذين بدأو باعدام (النبي ماني البابلي) وشن حملة قمع وقتل وتشريد ضد
معتنقي هذه الديانة. كذلك شنت المسيحية، وخصوصا الرومانية، حملات قمع ضد اتباع هذه
الديانة في انحاء الامبراطورية الرومانية. بعد ذلك اتى الاسلام، رغم حالة التفهم
والتعايش التي سادت القرن الهجري الاول، إلا ان السلطات العراقية العباسية سرعان
ما اعلنت الحرب الشعواء ضد جميع اتباع هذه الديانة في جميع انحاء الامبراطورية
وخصوصا في العراق.
رغم قلة الوثائق وعمليات
التعتيم والتشوية، إلا ان هنالك معلومات اساسية يتفق عليها جميع المؤرخون:
ولد (ماني) في 14 نيسان عام 216 ميلادية، قرب (المدائن) التي كانت مركز
ولاية بابل والعاصمة الثانية للأمبراطورية الإيرانية. ولهذا يطلق على هذا النبي
لقب (ماني البابلي
اسمه( ماني بن فاتك ـ او فاتق) وامه اسمها(مريم)، وانه ولد في 14 نيسان عام 216 ميلادي في ولاية بابل(وسط العراق) في احدى القرى
القريبة من (المدائن)، ولهذا يطلق عليه لقب( ماني البابلي). ويقول عنه المؤرخ
العراقي العباسي (ابن النديم) في ( الفهرست): ((نبي الله الذي أتى من بابل)). وكان
دين عائلته عراقي قديم( عبادة الكواكب). وفي سن الرابعة رحل به أبوه إلى احدى قرى
ولاية (ميسان) في جنوب العراق. هناك نشأ (ماني) على الدين الصابئي. وفي سن الشباب
أخذ (ماني) يتنقل في أنحاء النهرين واستقر في (المدائن) جنوب بغداد حيث انشأ
كنيسته التي اطلق عليها (كنيسة بابل) واصبحت المرجعية العليا لجميع الكنائس
المانوية في جميع انحاء العالم من الصين حتى اسبانيا بلاد الغال. واللقب الذي كان
يُعرف به هو (ماني حيا) أي (ماني الحي)، ومنه أتى المصطلح اللاتيني لهذا الدين (Manicheisme) أي
(ماني- حيا- سيم). (لمزيد من التفاصيل راجع الموسوعة الكونية الفرنسية - جزء 11-ص646).
تعميد
امرأة صابئية في العصر الحالي
لكن مشكلة تحديد هوية هذا الدين وصانعه (ماني)، تبدأ عند الحديث عن الشعب
والحضارة اللذين ينتمي إليهما. بكل بساطة تم اعتباره إيرانياً فارسياً لأنه ظهر في
العراق بينما كانت تابعا للأمبراطورية الايرانية. مثلما تم اعتبار المسيح وتراث
المسيحية جزءاً من تاريخ روما، لأن المسيحية نشأت في الشام في ظل السيطرة
الرومانية!
ثم
إن (الثنوية) التي اعتقدت بها المانوية لم تكن ايرانية، كما تصور خطأ الكثيرين من
المؤرخين، بل هي أساس المعتقدات العراقية والشامية. كان هناك دائماً آلهة للخير
والنور بأسماء متنوعة مثل (تموز وبعل وشمش وإيل ومردوخ وآشور)، تقابل آلهة الشر
مثل (نرجال وأريشكيجال وايرا وموت). وثنائية الخير والشر هذه وجدت تعبيرها في
الأديان السامية السماوية من خلال مفهوم الله رمز الخلق والخير والنور، والشيطان رمز
الشر والخطيئة والظلام. (راجع السواح-مغامرة العقل-ص197).
كذلك يتفق المؤرخون جميعهم على ان اللغة الأم للنبي (ماني) ولغة كتبه
السبعة وإنجيله المقدس، هي (اللغة السريانية) العراقية. وقد ترجمت جميع كتبه فيما
بعد الى اللغات الفارسية والتركية (الايغورية) واليونانية واللاتينية والقبطية.
ومن بين الاقوال القليلة التي توثقت لهذا النبي، ثمة القول التالي الذي يحدد فيه
الهوية العراقية لدينه: (( إن الحكمة والمناقب لم يزل يأتي بها رسل الله بين زمن
وآخر، فكان مجيئها في زمن على يد الرسول (بوذا) إلى بلاد الهند، وفي زمن على يد
(زرادشت) الى أرض فارس، وفي زمن على يد (عيسى) إلى أرض المغرب (الشام). ثم نزل هذا
الوحي وجاءت النبوة في هذا الزمن الأخير على يديّ أنا (ماني) رسول إله الحق الى
أرض بابل...))(راجع-إيران في عهد الساسانيين - ص 172). ثم إن الأكثر من كل هذا،
إصرار (ماني) على جعل بابل مقر الكنيسة الأم ومركز المرجعية الدينية والحوزة
العلمية لجميع الطوائف المانوية في العالم، وبقي هذا التقديس الخاص لبابل لدى
المانويين حتى نهايتهم بعد ألف عام.
يمكن اعتبار المانوية ديانة تصوف (عرفانية، غنوصية) متطرفة في الزهد
والتنسك وتقديس الموت واحتقار ماديات الحياة. وهذه هي نقطة الضعف الاساسية في هذا
الدين. في اليهودية والمسيحية والاسلام، هنالك زهد وتنسك ورهبنة، لكن يبقى هذا
الجانب يمثل صفوة مختارة، اما غالبية رجال الدين والمؤمنيين فهم يعيشون حياة
واقعية وعملية حسب الظرف السائد. بينما المانوية اصرت ان تكون باجمعها وبكل اعضاء
مؤسستها الدينية، تمارس الزهد والتصوف والعزلة.
يمكن
تلخيص (المانوية) بالعقيدة التالية: إن الخطيئة ترتكب بثلاث وسائل: القلب (النية)
والفم (الكلمة) واليد (الفعل). لهذا فإن وصايا (ماني) كانت : ((لا ترتكب الخطيئة،
لا تنجب، لا تملك، لا تزرع ولا تحصد، لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً)). صحيح ان هذه الوصايا لا يستوجب تطبيقها
من قبل جميع أتباع المانوية، إنما فقط من قبل النخبة الدينية، إلا انها تبقى قاسية
وشبه مستحيلة، وبالتالي شكلت المانع الاول والاكبر بايجاد ما يكفي من الرجال
القادرين على الانتماء للسلك الديني المانوي.
عاش
(ماني) تجربة قاسية ناحية امه، إذ امضى طفولته محروما منها، بل محروما من حنان
الانوثة بصورة تامة. وتبدأ المعانات عندما تخلي ابوه عن ديانته العراقية القديمة،
واعتنق ديانة روحانية جديدة، اما ان تكون الصابئية نفسها او طائفة منشقة عنها.
وكانت الصابئية عموما منتشرة بكثرة في جنوب العراق. والمشكلة ان هذا الطائفة
المحسوبة على الصابئية التي انتمى
اليها (فاتك) كانت تعادي المرأة وتعتبرها (رجسا من عمل الشيطان)، وترفض اي اتصال بها او تقرب منها، بل
ترفض حتى دورها الامومي! لهذا ما ان بلغ الطفل (ماني) عمر اربع سنوات، حتى اتى
ابيه(فاتك) من (ميسان) حيث كان منعزلا مع طائفته، واخذه من امه مريم، ليعيش معه
هناك في حياة الزهد والتعبد، بعيد عن الحياة( الفاسقة!)، وعن المرأة خصوصا!
بقي (ماني) صابئياً حتى سن الواحدة والعشرين، بعدها بدأ تأثره مباشرة
بالمسيحية وخصوصاً بالتجربة الحياتية للسيد المسيح وعذابات صلبة. وتذكر التقاليد
المانوية أنه في سن الرابعة والعشرين، في 23 نيسان 240م. تلقى (ماني) رسالة النبوة
من الله بواسطة الملاك ( توما ـ توأم) على أنه هو (الروح القدس) الذي بشر به
(النبي عيسى). حينها بدأ (ماني) يعلن أنه (نبي النور) و(المنير العظيم المبعوث من
الله). نتيجة هذا تم طرده من طائفته.
رحل (ماني) مع أبيه وإثنين من أصحابه إلى (المدائن)، منها قام بأول رحلة
عبر بلاد فارس ثم الى الهند وبعدها إلى بالوشستان، حيث عاين ودرس الأديان السائدة
من زرادشتية وبوذية وهندوسية. بعد
عامين (242م) عاد (ماني) إلى ميسان بحرا عبر الخليج.
بعد ان انتشرت دينته في كل مكان، وفي تاريخ غير محدود بصورة تامة، بين
(274-277) ميلادية، تم صلب (ماني) على أحد أبواب مدينة بيت العابات (جندشابور) في
الأحواز. تم ذلك بقرار من الامبراطور الفارسي (برهام الأول) لأسباب سياسية طبعاً
وبعد تحول (بابل) إلى مركز لدين عالمي واحتمال استعادتها من جديد لأمجادها
السابقة، وما يشكله هذا من خطر على النفوذ الايراني. كذلك خوف رجال الدين
الزرادشتيين الذين نقموا على (ماني) بسبب تأثيره المتزايد. لقد عذب (ماني) وصلب
وقطعت أطرافه ثم احرقت جثته ونثر رماده. لكن المانويين ظلوا يعتقدون بصعوده إلى
السماء مثل السيد المسيح، ويعتبرون هذا اليوم مقدساً يصومون خلاله ثلاثين يوماً في
شهر نيسان.
معانات مريم
طبعا ان الام(مريم) قد عانت كثيرا عندما اجبرت على مفارقة ابنها، بعد ان
فارقها زوجها قبل ذلك. علما بأنه
(فاتك) ظل دائما يحبها وهي تحبه، لكن واجبات العقيدة كانت اقوى من حبهما. هنا نورد مقطعا يصور قلق(مريم) من التحول
الروحي الذي بدأ يطرأ على زوجها، وكيف انها، بحدسها الانثوي، بدأت تحس بأن زوجها
مقبل على تحول خطير، وان الطفل الذي بطنها سوف تعاني كثيرا لحرمانها منه.
هذا المقطع اخذناه من رواية( جنائن النور) التي كتبها الروائي اللبناني
(الفرنسي) المعرروف (امين معلوف) باللغة الفرنسية، وقد تخيل فيها حياة (النبي
ماني). رغم الجودة الفنية لهذه الرواية إلا انها، للأسف، تعاني من عيبا كبيرا
يتمثل بـ(تفريس العراق)، أي التحدث عن (بلاد النهرين) في القصة وكأنها جزءا طبيعيا
جدا من بلاد فارس، وبالتالي فأن ان القارئ يتوهم بأن ابطال القصة كلهم فرس!!*
في هذا المقطع يصور
حديثا بين (مريم) وخادمتها( أطاقيم).. وهن قلقتان من حضور ذلك الضيف الغريب الذي
اتى لكي يأخذ معه الزوج( فاتك) بعيدا الى منعزل الطائفة في ميسان، وليهجر زوجته
(مريم) الى الابد رغم انها حامل بطفلهم الاول(ماني)!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت الخادمة
الوفية(اوطاقيم) مع نفسها وهي تنظر الى الصبية(مريم)، التي كانت قلقة على زوجها من
ذلك الضيف الغريب:
ـ أعرفك جيداً يا((
مريم)). إن يداك ناعمتان مثل ايادي بنات الملوك، وقلبك رقيق مثل قلوب اللواتي
مخضهنََ ابوهن حباً كثيراً. من إن كنت طفلة وانت محاطة بالدمى من كل ناحية، وتغطيك
الحُليْ. ثم انك منذ نضجك زوجوك لرجل الذي أخترتِه. ثم جئت تعيشين في هذه الأرض
السخية وقد أخذ زوجك بيدك. وكما في اليوم الأول فإنكما دائما تسيران في البساتين
التي تملكانها. وفي كل موسم هنالك آلاف الثمار مهيئة للقطاف. ها هو ذا بطنك يحمل الطفل. يالك من ُبنيَة
مسكينة.. إنك تعيشين في سعادة غامرة منذ زمن طويل، بحيث يكفي ادنى غياب حتى ترتابي
في عينَيْ رَجُلِك.. وان اقل أبتعاد مهما يكون عابرا، حتى تميد بك الأرض وتظلِم
الدنيا من حولكِ...
وتعيد((أوطاقيم)) بأبهاميها تزجيج الحاجبينْ اللزجينْ فوق
جبين(مريم)، التي ستبقى في نظرها دائما صبية صغيرة. وتفتح((مريم))عينيها بعد أن
كانت قد بدأت تهوِِِم في النوم، ثم تبدأ بالتوسل الى الخادمة، فتأخذ هذه بسرد
الأخبار.
إنهما يتحدثان ولا يتوقفان
عن الحديث. أو هو الزائر بالحري الذي يتكلم وسيدنا يتجنب أن يقاطعه.
لو كان رأس(( مريم))أقل ضبابية لأكتشفت في صوت(( أوطاقيم)) إرتجافة الكذب.
فلقد سمعت هذه بالفعل أصوات محادثة، غير أن الرجلين لم يكونا على الشرفة، وقد
فرش((فاتك)) حصيراً في غرفة الضيوف لقضاء الليل فيها.
ولقد قلقت ((أوطاقيم)) كذلك حتى جافاها النوم، ولكنها تتظاهر به وهي خُدعة
قديمة من خُدَع المراضع كانت تفعل فعلها في(( مريم))الطفلة ولاتزال ناجعة. والحق
أن سيدتها لم تتجاوز الرابعة عشرة على الرغم من كونها زوجة وأماً عمَا قريب.
وسرعان ما غدا تنفسها أبطأ وأشد إنتظاماً، رغم توترها من حين الى حين، مما يدل على
ً أن الصبية قد نامت من غير أن يُطيَب خاطرها.
كان المصباح المعلَق على الجدار يستنفد زيته عندما إعتدلت ((مريم)) دفعة
واحدة.
-إبني ! إنهم يأخذون إبني!.
هاهي ذي تصرخ وتتشبث بالأغطية. وتمسك بها ((أوطاقيم))بشدة من
كتفيها.
-إنه كابوس(( يامريم)) لم يأخذ أحد إبنك، إنه هنا في بطنك،
محميٌ تماماً، ومازلنا لاندري إذا كان إبناً أو إبنة!
ولا تهدأ ((مريم)).
- لقد ظهر لي ملاك، وكان
يطير ويطن وكأنه يعسوب ضخم، ثم حط أمامي. وفي اللحظة التي أردت أن أهرب فيها قال
لي ألاَ أخاف، ولقد كان على كل حال من الرقة واللطف بحيث تركته يدنو مني. وفجأة
مدَ بسرعة يديْن فيهن مخالب كأنها ملاقط، ثم أخرج الطفل من أحشائي ليطير به الى
السماء عالياً جداً، حتى اختفى عن ناظري.
ولا تجد((أوطاقيم))الكلمات اللازمة لتهدئة الخاطر. فهي تعلم أنه ما من حلم
يتحلى قط بالبراءة، وتعِد نفسها بالذهاب الى شيوخ البلد لأستفسارهم عن هذا النذير.
ويدخل ضياء الصباح الأول من كوَة مشبكة. و((مريم)) تنتحب. فزوجها لم يأت.
وتنهض الخادم وتدخل غرفة الضيوف بخطوة مسعورة. فرأت ضيفهم((صيطاي)) الذي كان قد
إستيقظ يصلي جاثياً على ركبتيه، و((فاتك)) نائم. وتهزه متظاهرة بالذعر:
- سيدتي ليست على مايرام! إنها بحاجة
أليك!.
ويهرع((فاتك))والنوم لايزال يعكر وجهه، الى زوجته فتأخذ بالنشيج إذ تراه.
- لقد حلمت حلماً مُفزِعاً وناديتك ولم تكن موجوداً.
-لم أسمع شيئاً.
-لِمَاذا أنت بعيد عني جدا ًيا((باتيغ))؟
لماذا تهرب مني؟.
وإذ كان((فاتك))قد إندفع الى سرير زوجته بفعل عفوية الأستيقاظ
فإنه إستعاد البرودة التي كان عليها في العشية إذ ثاب الى رشده. وإذ بدا جلياً أنه
يشعر بالأنزعاج وهو في غرفة((مريم))، فها هو ذا يتحاشى بغتة الجلوس على فراشها..
فراشه الزوجي! وها هو ذا عاجز عن إبعاد نظره عن الباب وكأنه يخشى قدوم رقيبه. وإنه
ليكره لوم زوجته إيَاه فيقول:
-عندما يستقبل المرء ضيفاً فإن عليه أن يبقى الى جانبه، هل تجهلين هذا؟
-من هو هذا الرجل؟ إنه يخيفني؟
-سوف يقل خوفك منه إذاكنت قادرة على تلقي
كلماته الحكيمة.
-وما تلك الكلمات التي تتحدث عنها؟ أن هذا
الرجل لم يكلمني مرة واحدة!
-ليس في وسع إمراة فهم مايقول.
-وما الذي يقوله ليكون بمثل هذه الأهمية؟
-إنه
يحدثني عن إلهه، الأله الواحد الأحد، وقد وعدني بأن يقودني اليه. بيد أن علي أن
أستحق ذلك.. أن أكفر عن أعوام عبادة الأوثان. فلن آكل طعام الكفرة، ولن أشرب
الخمر، ولن أتمدد أبداً بجانب إمرأة. لا أنت ولا أية واحدة أخرى.
-لست طعاماً ولاشراباً! وأنا أم ولدك.أو ما
كنت تقول أيضاً إني رفيقتك وصديقتك؟ وهل عليك كذلك أن تهجر جميع الناس لتعيش عيش
ناسك؟
-سأعيش مع جماعة من المؤمنين ليس فيهم الا
الرجال. ولا تقبل فيها أية إمرأة.
-حتى زوجتك؟
-حتى أنت يا((مريم)). إنه إله متطلب.
-ما هو يا ترى هذا الآله الذي
يغار من إمراة؟
-هذا إلإله إلهي، وإذا كنت ستجدِفين فسوف أخرج
من هنا في الحال ولن تريني أبداً!
-سامحني يا((فاتك)).
وسالت دموعها، دموع الصبية، بصمت، وخلا ذهنها من كل إنتظار،
ووضعت جبينها فوق ذراع زوجها بخَفَر ولطف من غير أن تضغط، جاعلة من نفسها خفيفة
مثل خصلة من خصلات شعرها. ترى هل ستعيش مع الزوج من جديد ذات يوم هذه اللحظات
الوادعة التي تكون فيها الحرارة إنتعاشاً والدبق عطراً واليقظة نسياناً؟ لكنها لا
تزال ضعيفة، وإن كانت قد إزدادت حناناً لامس((فاتك)) شعرها؛ وإستعاد في السكون
والعتمة حركات الحُنُو والرفق التي تصدر عنه بلا تكلُف، ونفرت من عينيه أيضاً بعض
الدموع.
وفي هذه الأثناء تغلغل خلال الباب الموارب صوت((صيطاي))منادياً
مضيفه وقد أنهى صلاته.
-((فاتك))! علينا أن ننطلق فالطريق أمامنا
طويل.
أما كان على الزوج أن يلعن ذلك الرجل العذول؟ لكن..لا، بل دفع
عنه زوجته ((مريم)) بخشونة. ثم وإذا به ينطلق بالركض من غير أن يلتفت قط...!!
ـــــــــــــــ
* ترجمت هذه الرواية الى العربية باسم
(حدائق النور)، وهي ترجمة سيئة من الناحية الاسلوبية ولا تمنح القارئ أية سلاسة في
القراءة. ثم اننا كنا نتمنى من
المترجم ان يسجل ملاحاظات تبين التشوية الذي وقع به المؤلف.