نساء في حياة الخليفة هارون الرشيد..
سميرة تحسين الفيلي ـ واسط
الرجال العظام تصنعهم المجتمعات العظيمة، وهذه المجتمعات تتكون من نساء
ورجال.. لهذا فأن الحديث عن الحضارات المزدهرة يعني تلقائيا ان هنالك نساء متميزات
ساهمن في صنع تلك الحضارة واولئك الرجال. الخليفة العراقي العباسي الشهير(هارون
الرشيد) قد خلده عصره الزاهر، وخلدته ايضا (حكايات الف ليلة وليلة) التي جعلته
بطلها الاول، فهو الشخصية التي ترمز الى الذكورة بكل معانيها الايجابية، قوة
الحاكم وعدالة الاب وحميمية الصديق. ولم يكن وحده هذا الخليفة قد تم تخليده، بل
ايضا ثمة العديد من النساء من القريبات منه، من اشهرن: امه الخيزران، وزوجته
زبيدة، واخته العباسة. طبعا ان العظمة التاريخية ليس بالضرورة تعني الرحمة
والنقاء، لكنها بالضرورة تعني الذكاء والقوة. حيث ان قادة التاريخ في كثير من الاحيان هم قساة ومستبدون. فلوا اخذنا
النساء، فأن (الخيزران) ام (هارون الرشيد)، لم تتواني عن قتل ابنها الاكبر(الهادي)
لانه حاول ان يحد من طموحاتها، لتأتي بدلا منه بانها الاصغر الذي شاركته السلطة.
هنا عرض مختصر لشخصيات هذه النساء:
الخيزران.. المستبدة التي قتلت ابنها
(الخيزران)
قد اختلف المؤرخون حول اصلها، قيل انها جارية بربرية من اليمن، فهي سمراء شبه
زنجية، او ربما بربرية من المغرب. قيل ان بدوي قد اختطفها وباعها في مكة للخليفة
المنصور؛ فوقع ولده المهدي في غرامها؛ وتزوجها وأصبحت أما لولديه موسى الهادي
وهارون الرشيد. على غير عادة العرب نجحت (الخيزران) في إقناع زوجها الخليفة بتعيين
ولديها كوريثين شرعيين له؛ واستبعاد أبناء النساء الأخريات. ومن بين المبعدين كان
أبناؤه من ابنة عمه الخليفة السفاح مؤسس الأسرة الحاكمة. كانت (الخيزران) جميلة؛
ممشوقة القوام وقد بهرت حياتها النخبة من سيدات القوم اللواتي كن يقلدن حليها
وتسريحات شعرها. وكان لها سطوة على كبار
الشخصيات في قصر زوجها
الخليفة. ولكن كيد النساء لا أول له ولا آخر؛ فعندما تولى ابنها البكر موسى الهادي
الخلافة ؛ شعر الهادي بأنه مهدد بطموحات والدته التي كانت تلتقي كبار القادة في
قصرها على غير عادة العرب؛ فحاول قتله!
يقول (الطبري) في تاريخه الكبير: حاول الهادي قتل والدته حين
أرسل إليها أطعمة في طبق؛ لكن (الخيزران) عملت على أن يتذوق كلب من هذا الطبق أولا
وقد سقط الكلب ميتا على الفور.
كانت (الخيزران) تتدخل في
تعيين كبار الضباط والولاة والحكام؛ مما ساء ولدها الهادي وأخافه؛ فاستدعاها إلى
قصره وقال لها: اسمعي كلامي جيدا؛ أن كل من يذهب إليك من قادتي أو ممن يحيط بي أو
من خدمي ليتوسط في أمر ما؛ سوف أقطع رأسه وأصادر أمواله…. ماذا تقصد هذه الجموع
التي تقف كل يوم على بابك…؟ أفلا يوجد عندك مغزل يشغلك ومستقر يحجبك عن هذه
الوساوس… انتبهي؛ والويل لك إذا فتحت فمك لمصلحة أي كان.
يقول الطبري : فتركت ابنها
وهي لا تكاد تتحسس مكان قدميها؛ فقد أعلنت الحرب بينهما. في الليلة ذاتها أمرت
(الخيزران) جواريها الحسان التسلل إلى مخدع ابنها الخليفة حيث ينام وخنقه تحت الوسائد؛
فقد وضعن هؤلاء الوسائد على رأس الحاكم وكأنهن يداعبنه وجلسن عليها حتى لفظ
أنفاسه.
قال فيها أبو المعافي :
يا خيزرانُ هناك ثم هناك إن العباد يسوسهم
ابناكِ
وعندما
سمعت الخيزران بخبر وفاة الهادي قالت في بادئ الأمر: ما افعل، فطلبت منها خادمتها
أن تذهب إليه، وتنسى كل الحقد والغضب، فقامت (الخيزران) وهمت للوضوء وصلت عليه.
وبعد هذه
الحادثة ذهبت (الخيزران) للحج، وعندما انتهت منه رأت أبا
دلامة يصيح عندها، وتبين لها بعد ذلك أنه يريد جارية من
جواريها؛ لتقوم بخدمته نظرا لأنه رجل كبير في السن، فلبت طلبه. تولى ابنها الثاني
(هارون الرشيد) الخلافة ودخلت (الخيزران) في صراع جديد مع زوجته زبيدة. وكانت (الخيزران)
سببا فيما وقع بين حفيديها الأمين والمأمون بعد ذلك. توفيت (الخيزران) ليله الجمعة سنة 173هـ. وقد صلى عليها( الرشيد)، وعندما خرج ُوضع له كرسي
ليجلس عليه، فدعا (لفضل بن الربيع) ودفع إليه
الخاتم قائلا: كنت أهم أن أوليك فتمنعي أمي فأطيعها.
زبيدة.. السيدة
الكريمة المثقفة
هي زبيدة بنت
جعفر بن المنصور الهاشمية العباسية. أم جعفر، زوجة هارون الرشيد وابنة عمه وأم
ولده الأمين. ولدت في عام 145هـ، ونشأت وترعرعت في بيت والدها أبو جعفر المنصور،
عرفت بكرمها وانفتاحها. وكان والدها أبو جعفر المنصور شديد الحب لها و قد خصها
بالرعاية. اسمها أمة العزيز، أو أم العزيز، وغلب عليها لقب (زبيدة)، قيل إن جدها
المنصور كان يرقصها في طفولتها ويقول: يا زبيدة فغلب على اسمها. وقد اطلق عليها هذا
الاسم لما رأى فيها من ذكاء و نعومة، بالإضافة إلى بنية قوية تشع نضارة،و قد
قيل:" لم تلد عباسية قط إلا هي".
تزوجت هارون
الرشيد سنة 165هـ، وكان ذلك في خلافة المهدي ببغداد. و قد كان يوم زفافها أقرب إلى
الخيال منه إلى الواقع، ففي أثناء مرور موكبها نثرت عليها اللآلئ الثمينة مما أعاق
سيرها، كما فرشت الطرقات بالبسط الموشاة بالذهب. كانت تحب ابنها محمد الأمين حباً
جما. وهذا جعلها تهيئ له الخلافة من بعد أبيه. لكن الرشيد كان يهيئ ويريد أن يكون
خليفة المسلمين من بعده ابنه المأمون. ولكن زبيدة لم توافق على ما كان يريد الرشيد
فغضبت منه وذهبت إليه تعاتبه على هذا الأمر الذي كان يريد. وعندما أخذت تعاتبه قال
لها الرشيد: "ويحك إنما هي أمة محمد ورعاية من استرعاني الله تعالى مطوقاً
بعنقي وقد عرفت ما بين ابني وابنك. ليس ابنك يا زبيدة أهلاً للخلافة ولا يصلح
للرعية ". فقالت: ابني والله خير من ابنك وأصلح لما تريد ليس بكبير سفيه ولا
صغير فيه، أسخى من ابنك نفساً، وأشجع قلباً.
فقال الرشيد: ويحك إن ابنك لأحب إلى لأنها الخلافة لا تصلح إلا لمن كان لها أهلاً
وبها مستحقاً ونحن مسؤلون عن هذا الخلق ومأخوذون بهذا الأنام، فما أغنانا أن نلقى
الله بوزرهم وننقلب إليه بإثمهم فاقعدي حتى أعرض عليك ما بين ابني وابنك.
أجرى هارون الرشيد الاختبار بين الأمين والمأمون فاستدعى المأمون أولاً. ولما وصل
إلى باب المجلس سلم على أبيه ثم وقف طويلاً مطأطأ الرأس، حتى أذن له الرشيد
بالجلوس والكلام. جلس وحمد الله تعالى ثم استأذن الرشيد بأن يقترب فأذن له بذلك.
اقترب وقبل أطرافه ويدي زبيدة، ثم رجع إلى مكانه وحمد الله على رضى أبيه حسن رأيه
فيه. فقال الرشيد: يا بني إني أريد أن أعهد إليك عهد الإمامة وأقعدك مقعد الخلافة
فإني قد رأيتك لها أهلاً وبها حقيقاً. فبكى وصاح المأمون يسأل الله العافية
لوالده. ثم قال: يا أبتاه أخي أحق مني وابن سيدتي و لا أخال إلا أنه أقوى على هذا
الأمر مني وأشد استطلاعا عرض الله لك ما فيه الرشاد والخلاص، وللعباد الخير
والصلاح. ثم أستأذن للخروج فأذن له الرشيد.
وبعد ذلك استدعى الرشيد ابنه الأمين فأول ما فعله الأمين أن دخل على أبيه دون أن
يستأذن وهو يتبختر في مشيته حتى وصل إلى كرسي العرش إلى أبيه. فبدأ الرشيد بسؤاله:
ما تقول يا بني أن أعهد إليك. فرد على الفور: ومن أحق بذلك مني يا أمير المؤمنين؟
فصرفه أمير المؤمنين هارون الرشيد وقال لزبيدة: كيف رأيت؟ فقالت: يا أمير
المؤمنين: أبنك أحق بما تريد. فرد الرشيد: فإذا أقررت بالحق وأنصفت فأنا أعهد إلى
ابني ثم إلى ابنك.
وهناك أيضاً ما يدل على حبها الكبير لأبنها فقد بعثت ذات يوم بجاريتها إلى مدرس
ابنها الكسائي الذي كان يقسو عليه. فقالت له الجارية ما أمرتها زبيدة أن تقوله
وهو: ترفق بالأمين فهو ثمرة فؤادي و قرة عيني وأنا أرق عليه رقة شديدة. والدليل
الآخر على حبها للأمين عندما توفيت الفطيم زوجة الأمين حزن عليها حزناً شديداً
وبلغ أم جعفر زبيدة بذلك فقالت إلى أمير المؤمنين. فذهبت إليه فاستقبلها. و قال
لها: يا سيدتي ماتت فطيم.
فقالت : نفسي فداؤك لا يذهب بك اللهف ففي بقائك ممن قد مضى خلف عوضت موسى فهانت كل
مرزئة ما بعد موسى على مفقودة أسف، وقالت له: أعظم الله أجرك ووفر صبرك وجعل
العزاء عنها ذخرك. أما الأمين فكان يرد على حنان وعطف أمه بتعظيمها وتبجيلها.
وكانت الشجاعة من صفات الأمين والدليل على ذلك ما قاله لزبيدة عندما كان العدو
محيطاً به: إنه ليس بجزع النساء وهلعهن عقدت التيجان، والخلافة سياسة لاتسعها صدور
المراضع وراءك.
وقالت زبيدة في رثاء ابنه (الايمين) بعد مقتله:
أودى بألفين من لم يترك الناسا فامنح فؤادك عن مقتولك الباسا
لما رأيت المنايا قد قصدن له أصبن منه سواد القلب والراسا
فبت متكئــأً أرعى النجوم له أخال سنته في الليل قرطاسا
والموت كان به والهم قارنــــــــــه حتى سقاه التي أودي بها الكاسا
رزئته حين باهيت الرجال به وقد بنيت به للدهر أساسا
فليس من مات مردوداً لنا أبداً حتى يرد علينا قبله ناســـــا
ويقال أن زبيدة
أمرت أبو العتاهية بكتابة أبيات على لسانها للمأمون :
ألا إن صرف الدهر يدني ويبعد ويمتع بالآلاف طورا ويفقد
أصابت بريب الدهر مني يدى فسلمت للأقدار والله أحمد
وقلت لريب الدهر إن هلكت يد فقد بقيت والحمد لله لي يد
إذا بقي المأمون لها فالرشيد لي ولي جعفر لم يفقدا ومحمد..
ولما مات وقتل ابنها الأمين اضطهدها رجال المأمون، فكتبت إليه تشكو حالها فعطف
عليها وجعل لها قصرا في دار الخليفة، وأقام لها الوصائف والخدم. قيل عنها إنها
كانت أعظم نساء عصرها دينا وأصالة ومعروفا.
قال ابن تغري بردي في وصفها: ((أعظم نساء عصرها ديناً وأصلاً وجمالاً وصيانة
ومعروفاً))،
كما قال عنها ابن جبير في طريقه إلى مكة: (( وهذه المصانع والبرك والآبار والمنازل
التي من بغداد إلى مكة، هي آثار زبيدة ابنة جعفر، انتدبت لذلك مدة حياتها، فأبقت
في هذا الطريق مرافق ومنافع تعم وفد الله تعالى كل سنة من لدن وفاتها حتى الآن،
ولولا آثارها الكريمة في ذلك لما سلكت هذه الطريق))
لقد كانت زبيدة سيدة جليلة سخية لها فضل في الحضارة والعمران والعطف على الأدباء
والأطباء والشعراء.
فمن الأطباء الذين كانت تعطف عليهم جبريل الذي منحته راتباً شهرياً، وقدره خمسون
ألف درهم. وكانت صاحبة اليد البيضاء بعطفها على الفقراء والمساكين
ومن صفاتها أيضا أنها كانت ذات عقل وفصاحة ورأي وبلاغة.
وهناك حادثة تدل على فصاحة الكلام. وهي أن بعث إليها مرة من أحد عمالها كتاب فردته
إليه وبه ملاحظة تقول: (أن أصلح كتابك وإلا
صرفناك) فتعجب العامل لذلك وأقلقه الأمر؛ لأنه لم يستطع معرفة موضع الخطأ.
وعرض كتابه على أصحاب الفصاحة والبلاغة فقالوا له : إنك تدعو لها في كتابك وتقول:
أدام الله كرامتك، وذلك دعاء عليها وليس لها؛ لأن كرامة النساء بدفنهن فعرف العامل
الخطأ وأصلحه. ثم عاد وأرسله لها فقَبِلته.
آثار (درب زبيدة) لا زالت
خالدة في الطريق الى مكة
وعرفت زبيدة باهتمامها بالعمران، فقد بنت المساكن والنزل على امتداد طريق مكة
المكرمة.
فعندما حجت إلى بيت الله تعالى سنة 186 هجرية، أقامت من بغداد إلى مكة كما أنشأت مجموعة
من المساجد والبرك والآبار والمنازل والمصانع والمرافق وجعلتها للنفع العام،،
وإليها تنسب (عين زبيدة) بمكة،، جلبت إليها الماء من أقصى وادي نعمان، شرقي مكة
وأقامت الأقنية حتى أبلغت الماء إلى مكة وكان أهم حدث قامت به .
وكان لزبيدة من الجواري مائة جارية، و كن يحفظن القرآن الكريم، وكان يسمع في قصرها
طنين كطنين النحل من قراءة القرآن الكريم.وقد كان لها الدور الكبير في تطور الزي
النسائي في العصر العباسي.
وكانت زبيدة أول من اتخذ الآلة من الذهب والفضة المكللة بالجوهر. وهي أول من اتخذ
الخدم والجواري يختلفون على الدواب في جهاتها ويذهبون برسائلها وكتبها. وهي أيضاً
أول من اتخذ القباب من الفضة والآبنوس والصندل والكلاليب من الذهب والفضة ملبسة
بالوشي والسمور وأنواع الحرير الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق.
توفيت
زبيدة ببغداد في جمادى الأولى سنة 216هـ الموافق 831م وقد رثاها مسلم بن عمرو
الخاسر الشاعر البصري. بعد رحيلها ظلت باقية حية في أذهان بني العباس و في قلوبه،
يتذكرون أخبارهـــــــا وأخلاقــهـــا وثقافتها المميزة، و ظلوا يتناقلون أفعالها
في كل مكان، و خصوصا أخبار مسامحتها للمأمون بعد قتله لوحيدها و فلذة كبدها
الأمين، حيث إنها هنأته بالخلافة قائلة:" اهنيك بخلافة قد هنأت نفسي بها عنك
قبل أن أراك.، ولئن كنت فقدت ابنا خليفة فقد عوضت ابنا خليفة لم ألده، و ما خسر من
اعتاض مثلك، و لا ثكلت أم ملأت يدها منك،و أنا اسأل الله أجرا على ما أخذ، وإمتاعا
بما عوض ".
العباسة.. السيدة الغامضة
العباسة أوعلية بنت المهدي بن المنصور،
من بني العباس، أخت هارون الرشيد،أديبة، شاعرة، تحسن صناعة الغناء.
كانت علية بنت المهدي، من ربات الفضل
والأدب والجمال، فهي من أجمل النساء وأطرفهن وأكملهن فضلا ً وعقلا ً وصيانة، وكان
في جبهتها اتساع يشين وجهها فاتخذت عصابة مكللة بالجوهر، لتستر جبينها، وهي أول من
اتخذها.
ولها "ديوان شعر"
وفي شعرها إبداع و متعة.
ونسبوا لأبي نواس في العباسة قوله :
ألا قل لأمين
الله وابن السادة الساسة
إذا ما خالف سرك أن تفقدوه رأسه
فلا تقتله
بالسيــــف وزوجـه بعباسة
قال الصولي: لا أعرف لخلفاء بني العباس بنتاً مثلها، كانت أكثر
أيام طهرها مشغولة بالصلاة ودرس القرآن ولزوم المحراب، فإذا لم تصل اشتعلت
بلهوها،أي الغناء، وكان أخوها الرشيد يبالغ في إكرامها ويجلسها معه على سريره، وهي
تأبى ذلك وتوفيه حقه.
تزوجها موسى بن عيسى العباسي، وهو الثابت عند الثقات من
العلماء، وقد روت بعض الكتب روايات تضطرب مع ما وصف الصولي عن- العباسة - وهو ثقة كما أن قصة زواج
العباسة أخت الرشيد من جعفر البرمكي، لا أساس لها من الصحة. بالرغم من أنها ذكرت
في بعض المصادر البعيدة زمنيا عن عهد الرشيد معتمدة على إشاعة كاذبة راجت بعد مقتل
البرامكة. والعجيب أن هذه المصادر، التي ذكرتها،أضافت عليها حبكة فنية قد تكون
مقصودة أو غير مقصودة، وهي أم الرشيد وجعفر والعباسة يجلسون جميعا في مجلس فيه طرب
وشراب وتهتك. وقد ألف الكتاب في فترة متأخرة حول هذا الزواج المزعوم بين العباسة
والبرمكي الكثير من القصص، بعضها لمستشرقين أجانب وبعضها لعرب مثل : ( قصة العباسة
) لجورجي زيدان ومسرحية ( العباسة ) للشاعر المصري عزيز أباظة.
وقد أشار منير العجلاني في
كتابه ( عبقرية الإسلام ) حيث يقول :
" وتغلب جعفر في
النهاية على أمر الرشيد، الذي كان يحبه حبا جما حتى زوجه أخته. وكان الرشيد يحب
مجلسهما كثيرا.."
لكن الطبري ( ـ 318 هـ ) صاحب كتاب ( الرسل والملوك ) وابن
خلدون صاحب المقدمة الشهيرة، التي اكتشفها الأوربيون قبل ان نكتشفها، وصاحب (
العبر وديوان المبتدأ والخبر )، ينفيان هذا الزواج نفيا قاطعا بالأدلة النقلية
والعقلية المعروفة عن سيرة الخليفة هارون الرشيد. ويجب عدم إهمال دور الوجدان الشعبي الذي يختزن الحقيقة
والخيال والوهم والخرافة، في اصطناع الأمور بعد حدوث الأحداث الجسام، فيختلط
الواقع بالخيال والماء بالسراب.
أما الذين ركزوا على قصة العباسة مع جعفر البرمكي، فإنهم أرادوا أن يبعدوا
الناس عن حقيقة البرامكة، وأرادوا تشويه الخليفة الرشيد، ولم يورد المؤرخون الثقات
علاقة بين العباسة وجعفر من خلال الروايات التاريخية المحققة، على وجه الإطلاق،
ومنهم الطبري وابن خلدون وابن كثير.
ونسبوا لأبي
نواس في العباسة قوله :
ألا قل لأمين
الله
وابن السادة الساسة
إذا ما خالف
سرك
أن تفقدوه رأسه
فلا تقتله
بالسيف
وزوجه بعباسة
ــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
1 ـ البداية والنهاية ابن كثير ( 10/204)
2 ـ الطبري (ج4).
ا3 ـ محاضرات الخضري ص129.
4 ـ الكامل 5/327. 5 ـ
المنتظم 9/130.
6 ـ شذرات الذهب 1/311.
7 ـ الصبر 1/298.[1][3]
8ـ عمر رضا كحالة، أعلام النساء، الجزء الثالث، 223 ـ 228