دعوة اللاعنف في القرآن..
السيد محمد الحسيني
الشيرزاي ـ ايران
إنّ الإسلام الذي جاء به رسول الإنسانية(ص) وقدّمه ذلك
التقدّم الملحوظ حمل بين طيّاته عدّة قوانين مهمّة عملت على نشره في شتّى أرجاء
العالم الأكبر.فمن أشهر هذه القوانين المهمّة التي كان لها دور طائل في تقدّم
المسلمين ونجاحهم في مختلف الميادين هو قانون: اللين واللاّعنف الذي أكّدت عليه
الآيات المباركة فضلا عن الأحاديث الشريفة الواردة عن أهل البيت(ع).
ففي القرآن هناك أكثر من آية تدعوالى اللين والسلم ونبذ
العنف والبطش، ونحن نشير إليها باختصار :
آيات العفو:
لا يخفى أنّ الآيات الداعية إلى العفو وعدم ردّ الإساءة
بمثلها هي في نفس الوقت تدعوالى اللاّعنف، فليس العفوالاّ ضرب من ضروب اللاّعنف أو
مصداق من مصاديقه البارزة.
قال تعالى:(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ
تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (1).
وقال سبحانه:(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ
أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) (2).
وقال عزوجل:(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ
تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (3).
وقال تعالى مخاطباً رسوله الأكرم بأن يعفو عن
المسلمين:(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر) (4).
وقال سبحانه:(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ
يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ) (5).
وقال تعالى:(فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ
اللهُ بِأَمْرِهِ) (6).
وقال سبحانه:(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ
فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) (7).
وقال تعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ
الْعَفْوَ) (8).
وقال سبحانه:(خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ) (9).
آيات السلم
وهناك مصداق آخر للاّعنف الذي يؤكّد عليه الإسلام
العزيز وهوالسلم والسلام، حيث إنّ الإسلام هو دين السلم وشعاره السلام.. فبعد أن
كان الجاهليون مولعين في الحروب وسفك الدماء جاء الإسلام وأخذ يدعوهم إلى السلم
والوئام ونبذ الحروب والمشاحنات التي لا ينجم عنها سوى الدمار والفساد.. على هذا
الأثر فإنّ آيات الذكر جاءت لتؤكّد على مسألة السلم والسلام، فقد قال عزّ من قائل
مخاطباً عباده المؤمنين:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ
كَافَّةً) (10).وقد دُعي
الرسول الأعظم(ص) إلى الجنح للسلم إذا جنح إليه المشركون، فقال عزّ من
قائل:(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (11).وقال تعالى
داعياً عباده المؤمنين إلى اعتزال القتال إثر جنوح المشركين إلى السلم:(فَإِنْ
اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا
جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا) (12).وقال عزّ
وجلّ في صفات المؤمنين:(وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً) (13).
وقال الله تعالى مخاطباً رسوله الأكرم(ص):(وَلاَ
تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (14).وقد قال شيخ
المفسّرين الطبرسي في تفسير هذه الآية:(وقيل: لا تستوي الخصلة الحسنة والسيّئة،
فلا يستوي الصبر والغضب، والحلم والجهل، والمداراة والغلظة، والعفو والإساءة).ثمّ
بيّن سبحانه ما يلزم على الداعي من الرفق بالمدعوّ، فقال:(إدفع بالتي هي أحسن)
خاطب النبي(ص) فقال إدفع بحقّك باطلهم، وبحلمك جهلهم، وبعفوّك إساءتهم، (فإذا الذي
بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم)، معناه: فإنّك إذا دفعت خصومك بلين ورفق
ومداراة، صار عدوّك الذي يعاديك في الدين، بصورة وليّك القريب، فكأنّه وليّك في
الدين، وحميمك في النسب) (15).
وقد كان رسول الله(ص) كراراً ومراراً يدعواصحابه إلى
الدفع بالتي هي أحسن، والإحسان إلى المسيئين، فقد وفد العلاء بن الحضرمي عليه(ص)
فقال : يا رسول الله، إنّ لي أهل بيت أحسن إليهم فيسيؤون، وأصلهم فيقطعون، فقال
رسول الله(ص):(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ
الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيم) (16).فقال العلاء
بن الحضرمي: إنّي قد قلت شعراً، هواحسن من هذا !.
قال:(ما قلت)؟ فأنشده:
وحيِّ ذوي الأضغان تسبّ قلوبهم تحيّتك العظمى فقد يرفع
النغل
فإن أظهروا خيراً فجاز بمثله وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل
فإنّ الذي يؤذيك منه سماعه وإنّ الذي قالوا وراءك لم يقل
فقال النبي(ص):(إنّ من الشعر لحِكَماً، وإنّ من البيان
لسحراً، وإنّ شعرك لحسن، وإنّ كتاب الله أحسن)(17).
القرآن وقدسيّة الأديان
بالإضافة إلى الآيات الشريفة المنادية إلى العفو والصفح
الجميل والجنوح إلى السلم والسلام هناك آيات اُخر تدعوالى احترام عقائد الآخرين
حتّى ولو كانت فاسدة وغير صحيحة، وهذا إنّما يدلّ على حرص الإسلام على السماحة
واللاّعنف في سلوك المسلمين حتّى مقابل أصحاب العقائد الضالّة التي لا قداسة لها
في نظر الإسلام، نعم من واجب المسلمين السعي لهدايتهم بالحكمة والموعظة الحسنة كما
قال تعالى:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُواعْلَمُ
بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُواعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ
فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ
لِلصَّابِرِينَ)(18). وفي سورة
الكافرين يقول تعالى:(لَكُمْ دِينُكُمْ وَليَ دِينِ) (19).وفي آية
أُخرى يدعوالقرآن الكريم المؤمنين إلى عدم إيذاء الكافرين وإثارتهم عبر سبّ آلهتهم
فقال سبحانه:(وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا
اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم) (20).وقد جاء في
الأحاديث الشريفة توضيح ذلك حيث قال أبو جعفر(ع) في تفسير هذه الآية الشريفة:
(في التوراة مكتوب فيما ناجى الله جلّ وعزّ به موسى بن
عمران(ع): يا موسى اكتم مكتوم سرّي في سريرتك وأظهر في علانيّتك المداراة عنّي
بعدوّي وعدوّك من خلقي، ولا تستسب لي عندهم بإظهار مكتوم سرّي فتشرك عدوّك وعدوّي
في سبّي)(21). وعن أبي
عبد الله(ع) في حديث طويل يقول(ع):(وإيّاكم وسبّ أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبّوا
الله عدواً بغير علم)(22).وعن أبي عبد
الله(ع) أيضاً قال: سئل عن قول النبي(ص): الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء
في ليلة ظلماء، فقال:(كان المؤمنون يسبّون ما يعبد المشركون من دون الله فكان
المشركون يسبّون ما يعبد المؤمنون، فنهى الله المؤمنين عن سبّ آلهتهم لكيلا يسبّ
الكفّار إله المؤمنين فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله من حيث لا يعلمون،
فقال:(وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فيسبوا الله عدواً
بغير علم) (23)) (24). وعن الإمام
الرضا(ع) في حديث طويل قال(ع) في آخره:(إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا
وجعلوها على أقسام ثلاثة: أحدها الغلو، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح
بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا،
وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم سبّونا
بأسمائنا، وقد قال الله تعالى:(وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم)) (25).فضلا عن ذلك
كلّه فإنّ الله تعالى في أكثر من آية من آيات القرآن الحكيم أورد نفس حديث
الكافرين والملحدين وجعله بين طيّات الآيات الاُخر وأمر المسلمين أن يتطهّروا إذا
أرادوا مسّه حيث إنه أصبح من القرآن الكريم وهذا يؤيد احترام الإسلام للآخرين وعدم
اعتباره للعنف حتّى مع مخالفيه ومناوئيه.
آيات الصفح
إلى جانب كلّ ما ذكر من الآيات المؤكّدة على نبذ العنف
والبطش، فإنّ هناك آيات اُخرى صريحة تحثّ المسلمين على الصفح وغضّ النظر عن إساءة
الآخرين.فمن هذه الآيات الداعية إلى الصفح الجميل هو قوله تعالى:(وَإِنْ تَعْفُوا
وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (26). وقال
سبحانه:(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ
لَكُمْ) (27).وقال
تعالى:(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ) (28).وقال عزوجل
مخاطباً الرسول الأكرم(ص):(وَإِنَّ السَّاعَةَ لاَتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ
الْجَمِيلَ) (29).وقال
سبحانه:(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (30).وقال
عزّوجلّ:(فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (31).هذا
بالإضافة إلى الآيات التي تدل على الغفران والغض عن السيئة والمحبة والإحسان وما
أشبه.
المصادر
(1) سورة البقرة: 237.(2) سورة النساء: 149.(3) سورة النور: 22.(4)
سورة آل عمران: 159.
(5) سورة المائدة: 13.(6) سورة البقرة: 109.(7)
سورة البقرة: 178.(8) سورة البقرة: 219.
(9) سورة الأعراف: 199.(10) سورة البقرة: 208.(11) سورة الأنفال: 61.(12) سورة النساء: 90.
(13) سورة الفرقان:
63.(14) سورة فصّلت: 34.(15) مجمع البيان: ج9 ص23.(16) سورة فصّلت: 34 ـ 35.
(17) أمالي الشيخ
الصدوق: ص619 المجلس 90 ح6.(18) سورة النحل: 125-126.(19)
سورة الكافرون: 6.
(20) سورة الأنعام:
108.(21) تفسير نور الثقلين: ج1 ص757 ح236.(22)
تفسير نور الثقلين: ج1 ص757 ح 238.
(23) سورة الأنعام:
108.(24) تفسير القمي: ج1 ص213.(25) عيون أخبار
الرضا(ع): ج1 ص303 ب28 ح63.
(26) سورة التغابن:
14.(27) سورة النور: 22.(28) سورة المائدة: 13.(29) سورة الحجر: 85.
(30) سورة الزخرف: 89.(31) سورة البقرة: 109.