لا نريد أفغانستان جديدة!
د. محمد الراشدي ـ عمان
مواجهة الاحتلال بالسلاح
الخفيف وقاذفات أر. بي. جي، وقذائف الهاون قد توقع قتلى في صفوف العدو بمعدل أقصى
هو بحدود 5 قتلى يومياً في عموم العرق وهذا يعني 150 قتيل شهرياً. وقد تدمر له 5
أليات خفيفة يومياً أي 150 آلية شهرياً. وهذه كلفة ليست بالعالية والعدو قادر على
تحملها رغم ثقلها عليه. هذه الكلفة تعتبر ضمن الخسائر المحتملة من حجم الانفاق
العسكري الهائل للجيش الأمريكي في العراق. وهذا يعني أن خسائر العدو لا تتعدى
الواحد بالألف من رأس المال المستثمر في العدوان والبالغ بحدود 150 ألف جندي. لكن
بالمقابل ما يخسره العراق كعراق أكبر من خسائر العدو بكثير. فمئات الدور تُهدم كل
شهر ومئات الشباب يسقطون تاركين ورائهم أرامل وأيتاماً وأمهات ثُكالى. وآلاف أُخر
يصابون بإعاقات دائمة لينظموا الى جيش المعوقين الذين خلفتهم قادسية صدام غير
المجيدة ومعركة أم المهازل. وآلاف الأطفال بل ربما عشرات الآلاف منهم منقطعون عن
الدراسة إما بسبب التشرد أو بسبب الخوف وعدم توفر الأمان. ومئات الآلاف من الناس
غير قادرين على تأمين سبل حياتهم بالاسلوب الصحيح بل إن ملايين الناس غير قادرين
على تخطيط مفردات حياتهم لعدم توفر الاستقرار. وكل هذه هو ربح لكل أعداء العراق،
سواء منهم بعض الجيران، او تلك القومية العنصرية التي تحلم بالانفصال.
التاريخ القريب يحفظ لنا تجارب
المواجهة مع قوات الاحتلال التي تجيء من دول كبرى، فتلك هي تجربة فيتنام مع
الأمريكان أمامنا. نعم تحررت فيتنام من الأمريكان الذين انسحبوا على حين غرة بعد
أن فقدوا بحدود 50 ألف قتيل لكن كم كانت خسائر الفيتناميين؟ لقد أصيبت فيتنام بعوق
دائم جراء الاحتلال الأمريكي والحرب الطاحنة التي دارت رحاها بين الفيتكونج والجيش
الأمريكي خلفت مئات آلاف القتلى بين الفيتناميين وشردت الملايين. والمثال الثاني
هوافغانستان التي احتلها السوفيات فقاومهم الأفغان طيلة أكثر من عشر سنين من
القتال المرير. ذهب ضحيته مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعوقين. وماذا كانت
النتيجة؟ خرج السوفيات من أفغانستان مهزومين لكن أفغانستان خسرت نفسها أيضاً، إذ
سرعان ما دخلت المجاهدون والثوار الأفغان في حروب داخلية طاحنة قضت على الأخضر
واليابس وأتت على ما تبقى من البنية التحتية لأفغانستان وأضحت خرابة كبيرة بكل ما
في الكلمة من معنى.
ملاك
الحرب والموت
السيناريوالمتوقع في العراق في
حال استمرت مقاومة الاحتلال الأمريكي بهذا الاسلوب وعلى هذا المستوى لن يختلف
كثيراً عن النموذج الأفغاني، النهاية في أحسن الأحوال ستكون ربما انسحاب أمريكي
بعد أن يكون العراق قد دمّر تماماً. ثم لتبدأ الحرب الأهلية بين الثوار أنفسهم
وبين الأحزاب والفئات والطوائف. وربما يعتقد البعض من المطالبين بخروج القوات
الأمريكية بأن الغلبة ستكون لهم حال خروج المحتل فيكون بإمكانهم طرد الطائفيين
والعنصريين، لكن هذا وهم ليس بعده وهم، فليس من قوة متغلبة بالقطع اليوم في
العراق. بل ستكون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وهذا السيناريو ليس ببعيد أبداً لأن
الأمريكي إنما جاء لكي يسيطر وبعكسه فإنه فسوف يدمّر كل شيء، ولا أحد في العالم
قادر على منعه..
لذلك فإن على جميع القوى
المناهضة للاحتلال الأمريكي في العراق أن تجمع شملها وتناقش هذه المسألة، مسألة
واقع المقاومة وحسابات الربح والخسارة على المدى القريب والبعيد ثم تقرر توجهاتها
والأساليب الصحيحة للمواجهة. وعليها أن تبتعد عن المزايدات الصدّامية الفارغة بل
عليها أن تتبرأ من صدام وعمله لأنه هواساس الخراب والهزيمة. وأن تترك الشعارات
الطنانة الرنانة عديمة الجدوى. فليس عيبا ولا تخاذلاً أن نصبر على الظلم وعلى
الاحتلال إذا ما كانت هنالك أمامنا آفاق للعمل حتى لو طال الزمن.
كما أن على القوى الإسلامية أن
تعيد النظر في مطالبها الاجتماعية بخاصة فإن هذا الدين متين وعلينا أن نلج فيه
برفق فإن المنبت(كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام) لا أرضاً قطع ولا ظهراً
أبقى. وأمامهم مثال تطبيق الشريعة الإسلامية في أفغانستان وما آل إليه الأمر بشأن
ذلك، وأمامهم مثال تطبيق الشرع في السودان. وعليهم التقليل من غلوائهم لكي يتمكنوا
من تحقيق بعض أهدافهم.