المكتبات
وشارع المكتبات في الحلة
خليل إبراهيم نوري
معظم أسماء محلات
الحلة وأزقتها وأسواقها وخاناتها، ومن ثم جسورها وشوارعها وأحيائها، جرت على
الألسن طبقا لما اشتهر به المسمى ودل عليه أو ارتبط به، وأصبحت الأسماء ما للمسمى
من قيمة تاريخية، لقدمها أولا، وثانيا لان الكثير من المسميات اندثرت معالمها أو
تغيرت صورتها أو تبدلت طبيعتها تبعا لتطور المدينة. . وبذلك اصبح الاسم بديلا عن الأثر من الناحية
التاريخية، ومن هنا يأتي الاهتمام بالأسماء والحفاظ عليها والكتابة عنها، خاصة إذا
كان الاسم أصيلاً ولا يمس الذوق
العام وله دلالته الجمالية والتاريخية. وشارع المكتبات في الحلة، يبدأ شمالا من
ساحة الاحتفالات (القشلة) لينتهي جنوبا بشارع الإمام
علي (ساحة سعيد الأمين)، يبلغ طوله (400) م تقريبا.
وأهمية هذا الشارع لا تأتي لكونه اكثر شوارع الحلة ازدحاما طوال النهار، ولا من
قيمته التجارية، ولا من فعاليته في انسيابية المرور بالمدينة، بل من قيمته
التاريخية، فهذا الشارع بشكل أو بآخر جزء من تاريخ المدينة (الحلة الفيحاء) إلاّ أن الذي يهمنا
هنا تاريخ المكتبات في الحلة بصورة عامة، ومكتبات شارع المكتبات بصورة خاصة، التي
استمد منها الشارع اسمه، وعلى
حد
علمي فليس هناك شارع بالعراق وربما في شتى بقاع العالم يشاركه هذا الاسم، ويذكرنا
هذا الشارع بشارع المتنبي ببغداد.
جسر المسيب
جذور المكتبات
لا تحدثنا مصادر تاريخ الحلة عن وجود مكتبة
بهذه المدينة في أواخر العهد العثماني والسنوات الأولى من الاحتلال الإنكليزي
للعراق، لان عدد المتعلمين وطلاب العلم محدود جداً، وبالتالي فليس هناك جدوى
اقتصادية من فتح مكتبة حينذاك، لذا نجد بعض أصحاب الدكاكين التجارية يتعاطون بيع
وشراء الكتب المخطوطة واللوازم المكتبية كالحبر والمحبرة والقرطاس والقلم وما شاكل
ذلك، أما الصحف والمجلات والكتب المطبوعة فلا توجد ألا عند الذين يجلبونها من
بغداد أو من خارج العراق بسفراتهم. بذلك حدثنا الدكتور محمد مهدي البصير بإحدى
مقالات كتابه (سوانح) إذ لا يذكر من دواوين الحلة ببداية القرن العشرين التي يقرأ
روادها الصحف والمجلات والكتب الحديثة إلاّ ديوان حبيب بك آل عبد الجليل وديوان آل
شبيب البغدادي، واستمر حال المدينة هكذا على الرغم من محاولات المرحومين محمد جواد
حيدر وعباس حلمي (صاحبي مكتبة المعارف والمكتبة العصرية ببغداد) على تشجيع وحثّ
أقاربهم ومعارفهم في الحلة بخوض ميدان تجارة المطبوعات والقرطاسية، وأول من تعاون
مع حلمي في الحلة السيدان مجيد نصر الله وعباس السعيد، إذ أخذ يجهزهما بنسخ من
القرآن الكريم والكتب والمجلات والصحف والقرطاسية ومع كل التسهيلات التجارية
ليتعاملا ببيعها في دكاكينهم مع بقية المواد العطارية الأخرى، وهكذا كانت البداية.
المكتبة الأولى
أول مكتبة في الحلة هي مكتبة الفرات لصاحبها
المرحوم عباس السعيد حيث أسسها عام 1925، كما جاء بدليل بلاد الشرق لعام 1945 في
الصفحة (501)، وبذلك أصبحت هذه المكتبة وكالة لتوزيع الصحف والمجلات العربية
والأجنبية في الحلة إضافة لبيع الكتب والقرطاسية وتجليد الكتب، والمرحوم السعيد من
مواليد الحلة عام 1900 ولا يتجاوز تحصيله الدراسي حاجز القراءة والكتابة. واستمرت
مكتبة الفرات لليوم بمكانها في الجهة اليمنى من شارع المكتبات، إذ ورثها المرحوم
مهدي عباس السعيد عن والده عام 1939 ليورثها لأبنائه عام 1998 وهي اليوم بإدارة
السيد صلاح السعيد. إلا أن هذه المكتبة العريقة ومنذ أواخر الثمانينيات أصبحت
مكتبة للقرطاسية فقط !، بعد أن كان صبي المكتبة (جواد الأخرس) لوحده يبيع حوالي
الألف صحيفة يومياً وأعداداً كبيرةً من المجلات الدورية المحلية منها والعربية
والأجنبية خاصة في فترة الخمسينيات والستينيات.
المكتبة العصرية ومطبعتها
بتشجيع من المرحوم عباس حلمي صاحب المكتبة
العصرية ببغداد، أسس المرحوم علي الحاج حسين السباك المكتبة العصرية بالحلة عام
1927 كثاني مكتبة بهذه المدينة وبشارع المكتبات أيضاً من الجهة اليسرى، وقد كان
اختيار هذا الاسم تيمناً باسم مكتبة حلمي ببغداد. والسباك الذي اصبح لقبه بعد فتح
المكتبة بـ (الكتبي) من مواليد الحلة عام 1909، وهو صاحب مسبك ورثه عن والده وتعلم
بجهوده الخاصة القراءة والكتابة. وفي عام 1932 أصبحت لهذه المكتبة مطبعتها الخاصة،
ولكونها المطبعة الوحيدة - حينذاك - في الحلة، فإن نجاح المطبعة أصبح على حساب
المكتبة، وكان يدير المطبعة عام 1938 الحاج ناصر السعيد، ومن ثم أنيطت الإدارة
للمرحوم صاحب الحاج حسين السباك، وانتقلت ملكيتها عام 1982 لولده فارس، واستمرت في
مكانها بشارع المكتبات حتى عام 1988 حيث هدمت بنايات الجانب الأيسر من الشارع،
فانتقلت إلى بناية مقابل حديقة النساء، وهي اليوم كعهدها منذ سنوات مطبعة فقط.
مكتبة الرشاد
في أواخر الثلاثينيات أسس الشيخ نجم العبود
مكتبة الرشاد في منتصف شارع المكتبات من الجهة اليمنى، والشيخ نجم رجل دين ذو
أفكار تحررية معاصرة من مواليد الحلة 1907 ويرتدي الملابس العربية (العقال
والشماغ) ، اصدر مجلة الرشاد بالحلة عام 1939 ومن ثم جريدة (نفحة الرشاد).
باع الشيخ نجم المكتبة عام 1947 الى المرحوم عبد الجليل الناصر الذي يتميز بأناقته
وهو من مواليد الحلة عام 1920 وخريج الدراسة المتوسطة. ولم يقتصر نشاط المكتبة
بإدارة الناصر على بيع الكتب والمجلات والصحف والقرطاسية بل وتميزت بتصليح أقلام
الحبر ومن كافة الماركات وتوفير المواد الاحتياطية لها وهذه العملية كان يمارسها
بيده. استمرت هذه المكتبة علامة مميزة من علامات شارع المكتبات لغاية عام 1976 حيث
تعرض الناصر لحادث دهس ولانشغال أولاده بالدراسة أغلقت هذه المكتبة العريقة.
مكتبتا الفيحاء والمعارف
ما بين عامي 1940 -
1942 كانت هناك مكتبة بمدخل شارع المكتبات من الجهة اليسرى تدعى (مكتبة الفيحاء)
لصاحبيها محمد طه علوش و عبد الحسين هادي علوش و لاختلافهما أغلقت المكتبة. وبغلق
مكتبة الفيحاء، أسس السيد عبد الحسين هادي علوش مكتبة المعارف، وهو من مواليد
الحلة عام 1917 ولا يتعدى تحصيله الدراسي الثالث ابتدائي (مسائي) وكان قبل اشتراكه
بفتح مكتبة الفيحاء يمتهن العطارة مع والده. وإذا كانت مكتبة المعارف مقابل مكتبة
الفرات فأنها انتقلت في أواخر الثمانينيات إلى الجهة اليمنى من شارع المكتبات، ومن ثم
انتقلت إلى ساحة الاحتفالات في التسعينيات لتعود أخيرا لشارع المكتبات عام 2001 وقد تعاقب
على إدارتها بعد مؤسسها المرحوم عبد الحسين علوش ولده المرحوم فلاح علوش و حفيده
علي علوش. ومنذ أواخر الثمانينيات تحولت مكتبة المعارف تدريجياً لتجارة القرطاسية!.
مكتبة الرافدين
أسس السيد هادي
السيد عباس الموسوي مكتبة الرافدين عام 1953 في نهاية الجهة اليمنى من شارع المكتبات
((عمارة الأوقاف))، وهو من مواليد الحلة عام 1917 وخريج الدراسة الابتدائية وقد
سبق ان عمل سنوات طويلة عاملا أجيرا لدى خاله المرحوم عباس السعيد صاحب مكتبة
الفرات. واستمرت مكتبة الرافدين بمكانها لغاية 1970 حيث انتقلت إلى باب الحسين حيث
هي اليوم وما زال سيد هادي يزاول عمله الذي احبه كأقدم كتبي في الحلة. وهناك عدة
مكتبات في الحلة لم تستمر طويلا منها:
1-مكتبة الإرشاد :
أسست عام 1942 وبإدارة رؤوف كمال الدين بشارع الشهيد علي عجام، وأحرقت بوثبة 1948.
2-مكتبة الشباب
القومي: أسست عام 1947 وبإدارة إبراهيم نوري إبراهيم في زقاق فرعي من شارع
المكتبات ((سوق الهرج))، وانتقلت لشارع الشهيد علي عجام، وأغلقت عام 1948.
3-مكتبة الجمهورية:
وقد كان اسمها القديم (الفيحاء) اشتراها كريم إبراهيم المطيري من صاحبها باقر زكوم عام
1956، وبعد ثورة 14 تموز عام 1958 غير اسمها إلى مكتبة الجمهورية واستمرت بمكانها
(عمارات الأوقاف) شارع المكتبات لغاية عام 1959 لتنفتح ثانية بجوار استديو كمال (مصرف الاقتصاد حاليا) لتغلق عام 1961.
مكتبات الحلة اليوم
توجد اليوم عشرات
المكتبات في الحلة، حيث
ثمة مكتبة أو اكثر بكل شارع - تقريباً - وبكل حيّ، ومعظم
هذه المكتبات متشابهة (توائم) من حيث نوع النشاط وسعته،
والبعض القليل يمتاز بشيء معين بسيط كبيع الكتب القديمة أو إيجارها أو وجود جهاز
استنساخ، ولكن هناك مكتبة مميزة هي مكتبة الدار الوطنية، التي تأسست كمعرضٍ دائمٍ
لبيع منشورات الدار الوطنية في بداية عام 1980 في شارع مواز لشارع المكتبات، ولكن
بيعت هذه المكتبة عام 1987 للسيد محمد حسين علي السباك الذي نقلها إلى ساحة
المحافظة القديمة عام 1988. وهي اليوم أوسع مكتبات الحلة نشاطاً، إذ هي المصدر
الرئيس لتوزيع الصحف والمجلات بالمدينة ونشر الإعلان، إضافة لبيعها الكتب الحديثة
والقديمة والقرطاسية بالمفرد وبالجملة، لذا تذكرنا بمكتبات الحلة أيام زمان
كالفرات والمعارف والرافدين والرشاد.