الجبايش
قرية عراقية تسبح على صفحة فرات المياه و بين زهور
الزنبق وهي إداريا مركز ناحية الجبايش التابعة لمحافظة ذي قار وتقع في أعماق الهور
في جنوب العراق الأقرب الى نهر الفرات الجنوبي ويمكن الوصول إليها عن طريق يمتد من
القرنة والمّدينة. ولا يمكن الوصول إليها إلا بوسائل النقل النهرية المتعارف عليها
هنا منذ عهد السومريين.
والجبايش جمع كلمة جبيشة التي هي جزيرة صناعية تسبح على
صفحة ماء الهور تم التحضير لها بعناية وكونت من طبقات الطمي والقصب والبردي التي
تتم تكديسها فوق بعضها حتى تصبح مثلها كمثل جزيرة عائمة يمكن أن تبنى عليها ديار
القصب أو الصرايف. وقد وردت هذه الطريقة في العيش من خلال مدونات السومريين قبل
سبعة الالاف عام ومن الطريف أن للسومريين أسطورة بنشأة الأرض كانوا يظنون بان
اليابسة نشأة مثلما يصنعون هم تلك الجبيشة. وعادة ما تتكون التجمعات السكانية هنا
من مجموع من تلك الجزر حيث تتكون القرى التي تسمى سلف ومجموعها سلاف. وما تجمع
قرية الجبايش هنا إلا سلف كبير تقطنه عشائر عدة أهمها الخزاعل وبنو أسد.
ومن أكثر الخصوصيات في تلك البيئة الرومانسية ان بيوتها
تبنى بالقصب والبردي وتدعى صريفة وهي منحدرة من كلمة (صرياثا) الأرامية التي تعني
الكوخ التي أنحدر منها اسم مدينة البصرة. وقد ورد ذكر بيت القصب هذا في ملحمة
كلكامش تعريبه هو (بيت من قصب البردي. . بيت من قصب البردي. . جدار. . جدار. ياملك
شورباك. . يا أبن (أوبارو- توتو) أهدم بيتك وشيد زورقاً). وكما نلاحظ في تلك
العبارة فان حزم القصب يمكن أن تكون زورق خفيف للتنقل بين تلك الجبايش تطور مع
الزمن الى ما نجده اليوم يما يسمى البلم والمشحوف وغيرها من طبقات وسائط التنقل
المائي الذي هو وسيلة المواصلات الوحيدة في تلك الأجمة الخضراء.
يمكن أن يكون للكلمة مصدر أرامينبما ميز ثقافة المنطقة
وتسمياتها، لكن يذهب البعض الى ان كلمة جبيشة هي محرفة من كلمة (كبيسة) العربية
بسبب فعل كبس طبقات الطين والقصب والبردي الذي يكتنف صنعها. ويطلق على الجبيشة
كذلك أسم (الدبون) وأما اسمها الآرامي فهو(طهيثا) ومعناها القرية التائهة لوجودها
وسط تلك الأهوار. وقد ورد في تاريخ الطبري عند وصفه لإحداث ثورة الزنج التي بدأت
هنا عام 680 م ورد اسم (طهيثا) أي منطقة الجبايش.
وكانت تلك الأطراف معمورة في ايام بني العباس، زاهية
بحضارتها، مشهورة بحاصلاتها،. حتى كتب عنها عالمنا الجليل علي الوردي بان أهل
الهور هؤلاء هم أكثر سكان العراق تأصلا وأمتدادا لسكان العراق خلال الحقب
التاريخية السابقة للفتح الإسلامي. وقد عانت تلك المناطق من الإهمال التام خلال
الحقب التاريخية المتأخرة ولاسيما خلال الحقب التركية لأسباب طائفية معروفة. وكانت
ملاذا لكل من عارض السلطات المتعاقبة التي حكمت العراق ويمكن ان يكون هذا مبرر
الاهتمام بهذا المركز الوسطي الذي اهتمت به الدولة العراقية بعد تأسيسها عام 1921
وجعلتها مركز ناحية وابتنت فيها دار للحكومة، وكذلك مدارس، ومنازل للموظفين التي
عينتهم هناك،وأهتم بجلب اسباب العيش المتحضر لهؤلاء الموظفين. ويعتمد سكان الجبايش
في الجزء الأكبر من موارد حياتهم على الصيد المائي وجمع القصب وحياكة الحصر التي
تسمى (البواري) وتصديرهـا الى سائر الأنحاء حتى الخليج وإيران.
لقد انتهت السلطة في العراق من شق ما يطلقون عليه النهر
الثالث الذي كان مبرر عمله المعلن هو بزل الأملاح من التربة العراقية ولكنه
بالحقيقة ليس الا عمل خبيث لتجفيف أهوار العراق والذي أثبت فشله بعد سبعة أعوام
حيث زادت فيه ملوحة الأرض ولم يكسب فيها أرض زراعية جديدة غير تشريد أهل تلك
المناطق وقطع رزقهم بغرض السيطرة على معارضتهم للمتسلطين. وزيادة على هذا العامل
الإنساني الذي يحز في النفوس فأن التغييرات البيئية التي تبعت ذلك المشروع هو
اختلال في ورود المطر وارتفاع حاد في درجات الحرارة. وما الجفاف الذي يعاني منه
العراق منذ عدة أعوام فهو نتيجة منطقية لذلك التجفيف الذي أصبح بدون شك عامل طارد
لورود السحب الماطرة الى المنطقة مثله مثل الصحارى والمناطق الخالية من الغطاء
النباتي. أملنا بجذور القصب والبردي أن تنمو وتزهو وترجع لنا الخضرة التي لا تموت
مثلما هو العراق ورهافة قلوب أهله وحضاراته السبع المتوالية.