لمدينة السليمانية منزلة إستثنائية في نفوس العراقيين،بما يكتنفها من أمل و
منظورا للتحاب والتواصل والإنفتاح بين اطياف الشعب العراقي الجميلة،فالسليمانية
مصيف العراقيين وعاصمة شمالهم الحبيب.
من أمهات مدن شمال العراق وأجملها وأكثرها انفتاحا إجتماعياً. وتعود قلعتها
ومحيطها الى حقب سابقة ونجد في محيطها آثار قديمة منها آثار مايطلق عليها (قلعة
بازيان) وهي في تحليلنا الأولي العماري لها تبدوا وكأنها دير وتحتضن في كنفها
كنيسة تحاكي كنيسة المدائن التي تعتبر من أوائل ما شيد في العراق بما يجب ان نسميه
(العماره المسيحية العراقية). وتعود
بواكير تمصير مدينة السليمانية الى الأمارة البابانية في شمالي العراق في القرن
الثامن عشر للميلاد.
لقد كانت قد عمت في حينها حمى إنشاء الإمارات في إطار الدولة العثمانية
"العلية"، فكان الدايات في الجزائر و البايات في تونس والقرمنيلية في
طرابلس وليبيا والمماليك في مصر والشهابيه في لبنان والكرجية المماليك في العراق
إبتداءا من سليمان ابو ليلى عام1750، حتى داود باشا عام 1831. ونشأت الإمارة
البابانية في طرف العراق الشمالي الشرقي و أتخذت (قلعة جوالان) مركزاً لها. وفي
سنة 1778 م تقلد شؤونها محمود باشا بابان واعتزم توطيد نفوذه وتقوية مركزه فأنشا
قلعة حصينة في قرية (ملكندي) عام 1781م والتي هي اليوم اسم إحدى المحلات المعروفة
في مدينة السليمانية.
وتقع "السليمانية" وسط سلسلة من الجبال متصل بعضها ببعض فتجعلها
كالفردوس الزاخر بمناظرها الطبيعية فإذا جاء الربيع كساها حلة من العشب الأخضر، و
إذا كان الشتاء البسها من الثلج ناصعة فتبدو تحت وهج الشمس كملائكة تسبح بحمده .
أما في الصيف فالهواء معتدل، والمياه عذبة تجري دافقة من الجبال والعيون فتمر في
اكثر البيوت . وتهب فيها تيارات هواء شرقية في أوقات مختلفة يسمونها "ره
شبا" اي " الهواء الاسود" فتعطل الحركة احيانا فيها.
وكانت القلعة أول عمارة رسمية تشاد هناك، فلما آلت الامارة الى ابراهيم
باشا ابن احمد باشا بابان بعد عامين، طمح الى تعزيز شؤون ملكه والسير على منهج
سلفه، لانه عاش في بغداد مدة طويلة وتذوق خلالها طعم المدنية و"تبغدد"،
فانشأ حول القلعة المذكورة عام 1784 م دورا عديدة، وحوانيت،ومسجدا جامعا، وحماما،
ثم نقل اليها مركز الحكم من (قلعة جوالان) فتحول اليها جموع من طبقات الشعب
المختلفة، وكتب الى صديقه سليمان باشا الكبير الوالي المملوكي الشيشاني المعروف،
والي بغداد يومئذ، يخبره بذلك، وانه سمى هذه المدينة الجديدة بـ (السليمانية) تيمنا
باسمه – على رواية دائرة المعارف الإسلامية – وعلى اسم جده سليمان باشا – على
رواية بعض المؤرخين –.
لم تزل تلك الحاضرة في تقدم وتوسع حتى غدت مدينة كبيرة، ولكنها عادت بعد
سنوات فانحطت بسبب الثورات والحروب الخارجية والداخلية التي توالت عليها، حيث ظلت
السليمانية في حالة صراع دائم مع اربيل وبالذات مع امارة راوندوز. فهنالك اختلافات
لغوية ومذهبية بين الطريفين. وهي محكومة الآن من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني
بزعامة السيد الطلباني(الناطق باللغة السورانية ومن عائلة متزعمة للطريقة
القادرية)، وهو منافس تاريخي لزعيم اربيل ودهوك السيد البرزاني(الناطق باللغة
البهدنانية ومن عائلة متزعمة للطريقة النقشبندية).
ولم تجد السليمانية فرصة للتجدد والنهوض من كبوتها إلا بعد أن آل أمرها الى
الحكومة العراقية سنة 1924 م فأنطلقت وتوسعت وأخذت قيمتها الحقيقية. حيث فتحت فيها
الشوارع الفسيحة، و أقيمت العمارات وشيدت الانزال والقيساربات والمخازن والحدائق
العامة،والمباني الرسمية الضخمة كالسراي والمستشفيات والبنية التحتية ومخازن
التبوغ والمدارس المختلفة، فاستردت منزلتها القديمة وفاقتها و أصبحت من المدن
العراقية المشهورة بحسن تخطيطها. ومن الغريب أنها لم ترد كثيرا في ذكر الرحالة
الغربيين في تلك الأزمنة لإنعزالها عن طرق القوافل العابرة للعراق، وقد أختفت
تماما من خارطة تداولها الرحالة السويدي (سفين هودين sven Hudin) عندما زار العراق
عام 1916 وكتب عنها موسوعته (بابل وبغداد ونينوى)، ونشره عام 1917.
وفي عام 1956 شيدت في مدينة السليمانية مجموعة من المدن العصرية فزاد
توسعها ومكانتها. ومن أقدم معالمها اليوم " المسجد الكبير " الذي أسس في
زمن إبراهيم باشا بابان.
وتبعد السليمانية عن كركوك
شرقا 140 كيلومترا. والتي تتوسطها منطقة دربند الجبلية التي ليس في شمال العراق
بكثرة ثمارها و حاصلاتها، وسعة التجارة وخاصة القادمة من إيران. وفي مدخلها – لمن
يأتيها من كركوك – مصيف جميل جدا يسمى "سرجنار" يقصده العراقيون لقضاء
أوقات راحتهم فينعمون بخرير مائه وكثرة أطياره ومناظره و أشجاره. وبجوار هذا
المصيف معمل للاسمنت انشىء في عام 1956م وأخر للسكر انشىء عام 1958 م وثالث
للسكاير وبالقرب منه مزرعة نموذجية فيها كل ما لذ وطاب من أشجار الزينة والفواكه
وغيرها.
وعلى مسافة ستين كيلومتراً من شمالي غربي مدينة السليمانية يقع (سد دوكان)
وهو سد خرساني طوله (325) مترا وارتفاعه مائة وثمانية أمتار على نهر الزاب الصغير
في مضيق دوكان، ويستوعب زهاء سبعة مليارات مكعبة من المياه، و يستعمل لتوليد
الكهرباء،. أما أهم أهداف هذا المشروع فكان حينئذ حجز مياه الزاب الصغير من
الانسياب في دجلة فيخفف وطأة الفيضان فيه. وقد كان بدأ العمل به عام 1954 م.
والغابات هنا دانية بمختلف الأثمار، أما العسل الذي يجنى في هذه المدينة
وفي القرى المجاورة لها، فلا نظير له في الجودة، وسكانها يعملون للنحل خلايا يأوي
إليها فإذا صار الخريف باشر الناس جمعه، باساليب بدائية. وترى الآهلين يتداركون
الأخشاب والاحطاب التي جادت بها الطبيعة بكثرة ليصطلوا بنارها وليدفئوا من قر
شتائها.
وسكانها يصنعون من الاخشاب الجبلية المتينة أدوات منزلية فولكلورية.
ويتعاطى بعضهم الصناعة وحياكة البسط والسجاد لحاجتهم. وجل الناس هنا من الكرد
المسلمين مع أقلية من النصارى بين ظهرانيهم ، وتنتشر في "السليمانية"
طريقتان من الطرق الصوفية المعروفة، تدعى الأولى الطريقة النقشبندية نسبة الى
الشيخ محمد النقشبندي المتوفى عام 1388 م. وتسمى الثانية الطريقة القادرية نسبة
الى الشيخ عبد القادر الجيلي (الكيلاني)المتوفى عام 1165م وقد نشر الطريقة الاولى
في هاتيك الاطراف الشيخ خالد النقشبندي الملقب بضياء الدين المتوفى سنة 1835 م.
ونشر الطريقة الثانية فيه الشيخ محمد النودهي المشهور باسم الشيخ معروف المتوفى
عام 1834 م وما الزعيم المعروف
الشيخ محمود المتوفى عام 1957 م انما هو حفيد الشيخ معروف المذكور. وهو مدفون في
الجامع الكبير الى جوار جده الشيخ كاكا احمد. . ولهاتين الطريقتين آداب وطقوس
يتوارثها الأحفاد عن الأجداد.
وتسود في السليمانية، اللغة السورانية الكردية، التي تختلف عن اللغة
البهدنانية(الكرمنجة) الكردية السائدة في اربيل ودهوك.
ويرتبط بمركز قضاء السليمانية اربع نواح وهي تانجرو،قره داغ، سورداش
وبازيان.
"ناحية تانجرو "
مركز قرية جميلة تقع فى الجنوب الشرقي لمدينة السليمانية، وتبعد عنها 24
كيلومترا،، ومناخها جبلي ، وأهلها أهل ورع ، وحاصلاتها وفيرة والطريق اليها سهل
منبسط.
" ناحية قره طاغ " : مركزها القرية المسماة باسمها، وهي قرية
جميلة ، غزيرة المياه مشهورة بهوائها العليل، وهي على مسافه 48 كيلومترا من مركز
السليمانية جنوبا، وربما اعتبرت من المصايف المهمة هناك.
" ناحية سورداش " : تبعد عن السليمانية 51 كيلومترا الشمال
الغربي، وهي قرية جميلة ذات مناظر حسنة، وسكان هده الناحية معروفون بصلابة عودهم،
وقوة شكيمتهم وخشونة طباعهم.
" ناحية بازيان " : مركز هذه الناحية قرية " تايرنال "
الواقو" على مسافة 48 كيلومترا عن غربي السليمانية، وتحيط بها رياض وغياض
تجعل لها منظرا جميلا وموقعا ممتازأ ويقال انه كان في هذه المنطقة عشيرة اسمها
"باسيان " فانقرضت وبقي هذا الاسم المحرف لها،وفيها الدير كما نوهنا.
وللسليمانية ملحقات منها (قضاء شهر بازار) (أي مدينة السوق) بالفارسية
والكردية،و مركز هذا القضاء قرية جوارتا - بالجيم الفارسية المضمومة حيث تجثم على
سفح جبل " سرسير " في موضع يبعد 38 كيلو مترا من السليمانية شمالا بشرق.
وفيها بعض المعالم المعمارية منذ ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين للإدارات
العراقية. لكنها تتصف بأجواء قروية. ولأهل "جوارتا" ولع خاص بتربية الماشية،
لكثرة ما يحيط بقريتهم من المراعي والمروج أما ماؤها فعذب لانه ينبع من عيون
غزيرة، واما هواؤها فصحي مفيد،وتقرب منها " قلعة جوالان" القرية
التاريخية التي كانت مركز الحكم الباباني قبل ان يهاجر منها ابرهيم باشا بابان الى
" السليمانية " عام 1784 م وتتبع هذه المنطقة قرى ناحيتين وهما :ناحية
ماوت و ناحية سروجك. " ناحية ماوت " : مركز هذه الناحية القرية المساة
باسمها. وهي قرية واسعة العمران، كثيرة السكان بالقياس الى عمران مر كز القضاء
جوارتا وعدد سكانها. تبعد عن المركز المذكور 30 كيلومترا. أما فهي" ناحية
سروجك " : مركز هذه الناحية قرية " برزنجه " التي تبعد عن
السليمانية 57 كيلرمترا وعن " جوارتا " 16 كيلو مترا وهي قرية معروفة
بتدين أهلها.
وعلى العموم فأن سكان السليمانية ينتمون الى ثلاث تجمعات عشائرية رئيسية
وهم الجاف والهماوند وبشدر. ولقبيلة
بشدر تاريخ حافل في البطولة، فان الحكومة العثمانية بعد ان تمكنت من الامارة
البابانية ابقت منطقة بشدر على وضعها دون سيطرة حكومية فكانت شبه مستقلة، وكان
يسودها رؤساؤها وذوو النفوذ فيها حتى اذا حان الوقت المناسب جهزت عليها قوات كبيرة
قاد زمامها والي الموصل بنفسه وبعد قتال دام مدة طويلة تمكنت هذه القوات الحكومية
من إخضاع هذه المنطقة والسيطرة عليها، واتخذت منها قضاء تابعا للسليمانيه اسمته
"قضاء معمورة العزيز" وجعلت قرية " ميركة " مر كزا لهذا
القضاء، ثم نقلت هذا المركز الى " قلعة ده زي ". وقد دخلت إلمنطقة عام
1938م، أول مظاهر الحضارة،على يد الدولة العراقية، اذ جعلتها كبقية الأقضية تخضع
الى القوانين والأنظمة والتعليمات وترتع بالخدمات العصرية.
ويقع مركز القضاء " قلعة ده زي " في اراض منبسطة وسط واد فسيح
ينتهي في انحداره الى نهر الزاب الصغير،ويعتدل فيه المناخ ويطيب الهواء، وهو يبعد
24 كيلومترا عن السليمانية، وتدل سجلات عام 1947 على ان نفوس القضاء (103، 36)
نسمات. لقضاء بشدر ناحيتان وهما قلعة ده زي وميركة " ناحية قلعة ده زي "
: هذه ناحية داخلية يقيم مديرها في مركز القضاء " اي في قلعة ده زي "
ويتولى الفصل في قضايا القباثل التابعة الى ناحيته. " ناحية ميركة " :
مركز هذه الناحية " قرية بنكرد " التي كانت مركز قضاء بشدرعند اول
تأليفه سنة 1893م. وهي قرية متوسطة تبعد عن مركز القضاء زهاء 135 كيلومترا وليس فيها
ما يميزها عن سا ئر القرى العراقية ولاسيما في الشمال
وترفل السليمانية اليوم بأجواء الحرية التي شملت كل العراق وتنتظر عودة
المياه لمجاريها وبداية مواسم التصيف والتبضع وحركة الناس التي سوف يفتح لهذه
المنطقة أفاقا من الرخاء وفك العزلة ورجوع إلى حالة التكامل مع وسط وجنوب البلاد
ويعود نصاب الحياة النابضة بالرفاه والعمران و الآمان .
تم صباح اليوم بمدينة السليمانية تدشين ساحة القائد معمر القذافي في المدخل
الرئيسي للمدينة، والمهداة من قبل أكراد العراق، و قد تم ذلك في إحتفال رسمي وشعبي
كبير حضره إلى جانب وفد مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية، السيد حاكم قادر
محافظ السليمانية، وأعضاء المحافظة و عدد من أساتذة و طلبة جامعة السليمانية و
لفيف من أهالي المحافظة حيث قدمت كلمات بالمناسبة، و قد حضر مراسم التدشين عدد من
الصحفيين و رجال الإعلام بمن فيهم القناة الفضائية الكردية " Kurd Sat ". /طرابلس في
08-09-2004