بناء البيوت
في تلسقف
القس قـرياقـوس حنـا
رغم اختلاف الطبيعية بين
شمال العراق وجنوبه، من حيث اختلاف الجبال عن السهول، الا ان هنالك تشابها كبيرا
بين مكونات الحياة والثقافة بينهما. هنا لمحة عن كيفية تحضير المواد الخاصة ببناء
بيوت في قرية(تللسقف) وهي احدى قرى شمال الوطن(نينوى). . (ميزوبوتاميا)
ـــــــــــــــــــــ
كلمة تلسقف هي كلمة سريانية
أي تلازقيبا، فمعنى الكلمة الأولى (الـتـل) ومعنى الثانية (الصليب أو المرتفع أو
المنتصب) فبعضهم يقول إن في جنوبها ثلاث تلال ترمز إلى الصليب فيكون معناها تل
الصليب، والأخر يقول إن احد التلال مرتفع وعال فترمز إلى معنى التل المرتفع أو
المنتصب، وهناك رأي أخر يقول إن كلمة تللسقف كلمة عربية بمعنى (تل أسقف أي تل
الاسقف) وهذا ما ذهب إليه ياقوت الحموي كما سنلاحظه فيما بعد.
تلسقف قرية كبيرة تسكنها
حاليا نحو ستمائة عائلة تتبع قضاء تلكيف التابع لمحافظة نينوى و تتصل بمركز
المحافظة بشارع معبد يمر بقرية باقوفة وباطنايا حتى يصل إلى تلكيف ومنها يسير حتى
يتصل بالشارع الذي يربط الموصل بدهوك وتبعـد عن المحافظة نحو سبعة وعشرين
كيلومتراً .
طراز البناء(العمارة الشعبية القديمة)
كانت الدور التي يسكنها
إباؤنا وأجدادنا دور ضيقة وغير صحية تشغل مساحة قليلة من الأرض خاصة في القرى
والأرياف وكانت محصنة خوفا من اللصوص الذي يزعجون راحة سكانها بسرقة الحيوانات وما
تصل إليه يدهم، وهذه الدار التي سأصفها فيما يلي هي أحدى الدور التي تتشابه مع
الدور الأخرى مع فارق بسيط وهي الدار التي ولد فيها والدي وأجدادي وكان الطابق
السفلي يعلو قليلا عن الأرض نحو متر تقريبا ولهذا كانت لا تسقط لسنين طويلة لتقارب
الغرف مع بعضها ولتماسكها مع الدور المجاورة وقد كانت عمتي التي توفيت قبل خمسة
وعشرين سنة عن عمر ينيف عن التسعين سنة تقول إن جدها لا يتذكر متى بنيت هذه
الدار ولازالت صالحة للسكنى إلى
يومنا هذا إذا أجريت فيها بعض الترميمات البسيطة. المواد المستعملة في البناء
هي:الجص، الحجر، الأجر، الحلان، المرمر، الطين.
1 ـ الجـص: كان الجص سابقا ينقل بواسطة الحيوانات بما يسمى(سولا) وهو عبارة
عن عدة خشبات مثبتة مع بعضها ومتفارقة بحيث تشكل صندوقا قاعدته اصغر من الأسفل
بوضع كل واحد منها في طرف الحيوان ويربطان معا بحبل، يستخرج هذا الجص من الكند وهي
مرتفعات بين تللسقف والقوش على بعد سبعة كيلومترات تقريبا بواسطة البارود حيث
ترتفع بذلك قطعة كبيرة ثم تكسر إلى قطع منا سبة او بواسطة رفع قطعة كبيرة بواسطة
موخل من حديد وما يسمى عندنا(مجباي) ثم ينقل إلى خارج القرية حيث يبنى الكور من
الطين واللبن فوق حفرة عميقة بشكل قبة دائرية فيها كوى عديدة وكبيرة ولها ممر طويل
من الجانبين لإسناد الجص ولرمي التبن عند حرقه فإذا أصبح الكور والجص جاهزين اخبر
الشخص الذي يرغب أن يباشر بالبناء جيرانه وأقاربه وأصدقائه بان يجتمعوا عصرا عند
الكور لمساعدته فيجتمعون ويحملون الجص الى رجل جلس فوق الكور ليعقد عقدا فوق كوى
الكور وبعد أن ينتهي من ذلك يضعون قطع الجص فوقها الى أن ينتهي ما عنده من الجص
وتجتمع النساء وتهلهل حتى تقوي همم الرجال ويبدون الغيرة والشجاعة ويغني احدهم
ويردد الباقي عليه، وفي اليوم الثاني يأتي أهل الدار ومن يساعدهم من الأصدقاء
ويجمعوا القطع الصغيرة بواسطة زمبيل يشترى من قرية باطنايا ويضعونها فوق الكور
وفوقها الخرشان التي جلبت من الدار بعد هدم غرفة أو قسم منها واذا ليس له ما يكفي
لذلك اشترى من احد له زيادة عن حاجته حتى يبقى الكور كمخروط قاعدته الى الأسفل، ثم
ينقل التبن من البيادر بواسطة(خرارة) وهي عبارة عن كيس كبير ينسج في القرية من
الصوف وشعر الماعز تسع نحو أربع كواني كبيرة تستعمل لنقل التبن ويكفي للكور الواحد
نحو 100-150 خرارة تقريبا. ثم يأتي رجل له خبرة بحرق الكور ويبدأ عمله عصرا فيستمر
في رمي التبن مدة يومين أو ثلاثة حتى يعلم إن الجص قد استوى تماما. فيترك نحو
أسبوع ليبرد ويأتي أهل ومن يساعدهم وينشرون الخرشان والجص ويضعونها على ما
يسمى(مختر) وهو عبارة عن محل دائري ثم يؤتى بدابتين تربط معا بنير فوق رقبتيهما
لتجر ما يسمى(ميدرون) لدق الجص وهي عبارة عن قطعة حجرية بشكل متوازي المستطيلات
طولها نحو ثمانين سنتمترا وطول ضلع قاعدتها خمسة وعشرين سنتمترا ولها أربع أوجه
فإذا صار الجص ناعما يسردونه بسراد وما يبقى فوقه يوضع ثانية ليدق حتى يصبح جميع
الجص ناعما.
2- الأحجار: وتنقل من الكنود وبواسطة الدواب وسولا أيضا وتستخرج بالبارود
والموخل وتكون كمية الأحجار اللازمة قليلة لان صاحب الدار يكون له مقدار منها اذ
قد تهدمت له غرفة اواكثر فيأخذ أحجارها ويبني بها فإذا احتاج الى كمية قليلة نقلها
لان البناء كان سابقا بنفس الدار فلا يوجد بناء دور جديدة إلا ما ندر فكل رجل يكون
له ولد أو ولدين وما قل ثلاثة أولاد فإذا تقاسموا اشتروا دار رجل مات ولم يترك
أولادا أما الزيادة التي حصلت في القرية فقد حدثت منذ أربعين سنة تقريبا ثم أخيرا
استعمل الناس لنقل الجص والحجر العربة التي تجرها الحيوانات وبعدها السيارات.
3- الآجر: ويسمى الواحد منها في اللغة المحلية (كورتا والجمع كورياثا)
ويصنع في القرية على شكل مربع طول ضلعها نحو خمسة وعشرون سنتمتر وبسمك ثلاث
سنتمترات ويعمل من الطين والتبن بواسطة قوالب خشبية وبعد أن تجف توضع في كور يشبه
الاكوار القديمة التي يصنع فيها الطابوق في بعض القرى المجاورة لمدينة بغداد ويشعل
التبن لحرقها، ولم أرى عملية صنع الآجر في صغري ولكني رأيت بعض الاكوار المتهدمة
وكان الآجر يستعمل للسقوف لخفتها.
4- الحلان: ولونه احمر فاتح يفنى بسرعة خاصة إذا لامسته مياه الأمطار
ويتناثر كالتراب وخاصة أن جميع دور القرية كانت بدون تكحيل من الداخل والخارج وكان
يستعمل لعقد الباورسيق وأحيانا للبناء وخاصة في الأساس لأنه يقال إن الجرذ
والفئران لا تتمكن من حفره لأنه ينزل مثل التراب على عيونها ويعميها ويستعمل لرخصه
ولسهولة استخراجه وقرب المحل الذي يوجد فيه فيكون على سطح الأرض في بعض المحلات
ولم أر في أحدى القرى المجاورة من يستعمله.
5- المرمر: كان يجلب من تلكيف اوالموصل ويستعمل في الأبواب والشبابيك
ويحفره النقار.
6- الطين: كان بعضهم ممن لا تساعده حالته المادية يبني داره أو قسما منها
بواسطة الطين واللبن.
7 ـ البناء: بعد أن أصبح كل
شيء جاهزا وقد حفر الأساس الذي يكون عمقه متر الى مترين تحت أرضية الغرفة المراد
بنائها ويدك بالحجارة لمدة يومين اوثلاثة بعد رشه بالماء في كل مرة حتى يكون قويا
ولا ينزل تحت البناء لان الأرض في داخل القرية ترابها اسود ولا يوجد فيها ما يسمى
(حري) مما يدل إنها قد بنيت منذ زمن قديم اذ يجدون دائما عند الحفر أساسات قديمة
تخالف المحلات التي يحفرون فيها الأساس لغرفة قد تهدمت وأحيانا يجدون قطعا من
العملة الذهبية أو الفضية في جرار أو شربات اذ يقال إن الأوبئة كانت تنتشر سابقا
في القرية وما جاورها فيترك أهلها دورهم بعد أن يحفروا في الأرض ويضعون ما يملكونه
من الحلي والنقود بعد أن يأخذوا قسما منها لنفقتهم فإذا توفوا في المحل الذي ذهبوا
إليه بقي هذا المال في محله أو كانوا يأتون الى القرية غزاة فيقتلون الرجال
وينهبون النساء والأموال فيضطر الأهالي الى الفرار للنجاة بأرواحهم، وعندما كنت
صغيرا كنت اسمع أن الأم إذا أرادت إن تسكت طفلها الذي يبكي تقول له (ثيلي مخاي
بسيبا) جاءوا من يضربون بالسيف أو(ثيلا نجدة) جاء نهب مما يدل إن القرية قد شاهدت
من الويلات والمصائب وان البنت قد تعلمت من أمها هذا القول وصارت تستعمله حتى
وإنها لم ترى هذه العملية بعينها. وقد سمعت من شخص قال إن جده روى له إن وباء قد
حصل في القرية ومات فيه عدد كبير فلما ولى جاء الرجال الى القرية فعدهم احدهم
فكانوا اثنين وسبعين رجلا فقط.
يذهب الرجل الى مدينة
الموصل ومعه دابة ليركب عليها البنـّاء ويؤجر أهل الدار عصرا للعمال، والبنّاء
لاينام عادة في الدار التي يبني فيها بل في دار صديق له إلا إذا خرج للمرة الأولى
الى القرية فينام عند هذا الرجل، وفي الصباح وقبل شروق الشمس يحضر العمال ويفطرون
مع أهل الدار باقلاء وحمص وقد وضعت في زير (مـركن) في التنور وبعد شرب السيكارة أو
الغليون يجلس الجبالان متقابلين بينهما جص ينقله شخص بغارة تصنع من البردي على
دابة وبجانب كل منهما اناء فيه ماء يسمى (قحفة) وهو اناء من طين مفخور يشبه نصف
برميل نفط كبير والماء تنقله امرأة بجرة فوق كتفها حيث يسحبه رجل من بئر داخل
القرية بدلو من جلد بواسطة حبل خاص يجذل في القرية من البردي وقد نصبت خشبتان
بينهما بكرة يمر فوقها الحبل فيدوسه برجله عدة مرات حتى يخرج الدلو ويفرغه في حفرة
بجانب البئر حتى اذا جاءت المرأة غطست فيها جرتها حتى تمتليء وذهبت وافرغتها امام
الجبالين وهؤلاء يعطون الجص الى البناء فياخذه ويرميه في الاساس بكفه وبجانبه رجل
يسمى مروّج يعطي له الاحجار وقبل إن ينتهي الجبـّال الاول يبدا الثاني وهكذا
يتناوبان بالعمل واذا انتهى البناء من ملىء الاساس بالحجر والجص ووصل الى مستوى
ارض الغرفة ذهب الى زاوية منها ووضع بضعة احجار فوق بعضها وبيده مسطرة طويلة
وشاقول ليتاكد إن الحائط عمودي ومستقيم ذهب الى الزاوية الاخرى وبنى عدة احجار
بارتفاع الزاوية الاولى ومد بينهما خيط وبدأ بالبناء وتسمى هذه(خراز) وبعد
الانتهاء من البناء في هذه الجهة يذهب ويبني في الجهة الاخرى حتى يكمل بناء
الجدران الاربعة ثم يطبقها من الداخل اذ يضع احجار اصغر من السابق وفي الوسط احجار
صغيرة ولايترك فراغا بل يملؤه بالجص فاذا انتهى بنى خرازا اخرى فوقها حتى يصل الى
المحل الذي يرغب إن يعقد العقدة. وفي العاشرة تقريبا يجلسون للاستراحة ويقدم لهم
(بثخاثة) أقراص مع الجبن والبطيخ والشمزي اذا وجد مع حفنة من زبيب لكل منهم وتسمى
هذه الاستراحة(بثختا) أي قرصة نسبة الى ما يعطى لهم وفي الساعة الواحدة بعد الظهر
يجلسون ثانية للغداء حيث يقدم لهم (بثخاثا) قرص مع الجبن أو البيض المسلوق
والمخضرات وبعد الأكل والاستراحة الطويلة نحو ساعة من الزمن أو أكثر يقومون للعمل
حتى غروب الشمس لان العمال كانوا يشتغلون من شروق الشمس حتى غروبها وفي العشاء
يقدم لهم العدس أو(كركر كروسة) البرغل الخشن أو مذيرة (سوف يأتي شرحها فيما بعد
عند الكلام عن الأكلات الشعبية.
أما البناء فلا ياكل
مع العمال بل يقدم له صباحا بيضتين مع حليب أو قشفة فوق لبن، وفي الساعة العاشرة
يقدم له بيض مقلي فوق عسل اودبس أو ما يسمى(بصل مكور مش)بصل مع لحم مفرومين معا.
أو برغل فوقه لحم، وفي الغداء يقدم له برغل فوقه لحم أو كشكاء وفي العشاء يقدم له
ديك مشوي مزة مع ربع عرق فيشرب ثم يقدم له البرغل مع المرقة بدونها، والمروج عادة
يأكل مع البناء، وكان أكثر الناس لا يؤجرون من العمال غير الجبالين والمروج أما
بقية الأعمال من كسر الاحجار الكبيرة وتقديمها امام المروج وتقديم الجص امام
الجبالين فيقوم بها أهل الدار ومن يساعدهم من الجيران والاصدقاء والأقارب وهؤلاء
المساعدين يبقون ويشربون مع البناء وأهل الدار. فأذا صار الجداران بعلو مناسب يبدا
البناء بالعقدة فاذا كانت الغرفة مستطيلة كانت العقدة جمالية فيضع الشبثة على
الحائطين المتقابلين الطويلين ويسمى هذان الحائطان (خاسر) ثم يعمل شبثة من جص
فوقها ويسمى الحائطان الاخران(مرا) اما اذا كانت الغرفة مربعة اوتقرب من ذلك عمل
الشبثة على الحيطان الاربعة وتسمى العقدة بكداشية ثم يعقد بالخرشان او بالاجر حيث
يصعد بعضهم الى فوق فكلما وضع البناء اجرا مسكها احدهم حتى يتماسك الجص ويتركها
ليمسك غيرها وهنا يجب إن يكون الجص شدادا حتى يجف بسرعة،اما في البناء فلا يرغب
البناء إن يكون شدادا واذا كان كذلك طلب من أهل الدار إن يضعوا جزة صوف في حفرة المياه
حتى تنحل قوته. وهنا يطلب البناء من صاحب الدار إن يرتقي البناء وله ليمسك الاجر
وقبل إن ينتهي من العقد يمسك يده من الداخل ويضع فوقها الجص والاجر ويقول لوالده
تعهد بالحلاوية والا تركت يد ولدك بين الجص والحجارة فيقول له بانه سيدفع له ما
يرغب واذا لم يصعد ولد يترك دائرة صغيرة في وسط العقدة ويقول بانه لايكملها اذا لم
يدفع له الحلاوية فيقول له عين عيونك ماتطلبه فهو حاضر فيتم العقد ويترك كوة صغيرة
في وسط العقدة لدخول الشمس والهواء ولخروج دخان المواقد في الشتاء لانه لايوجد في
الغرفة شبابيك بل يعملون بعض كوى صغيرة في الحائط اذا كان هناك حائط غير ملاصق
لبنايةاخرى لهم او لجيرانهم، ثم يصعد الى السطح ويضع حبوب او جرار مكسورة او حمراء
لاتباع او عتيقة في البواسيق ويثبتها بالجص اويعقدها عقدا صغيرة خاصة اذا كانت
العقدة بكداشية حتى يتساوى السطح تماما. او يعقد عقدة واحدة طويلة من كل جانب تسمى
(خشيما) شخيم يوضع فيها الحنطة او الشعير بعد تسييعه بالجص من الداخل،ثم يسطحه
بطبقة من الجص بواسطة الكف فيضعون فوقه الحجارة الناعمة والخرشان ويضع فوقه طبقة
من الجص فيه ماء اكثر من الجص المستعمل للبناء ليدخل بين الخرشان والاحجار ويتماسك
معها بقوة ثم ينقل الجص بصحون ويمسك بيده المالج حتى يصبح السطح املس لاتدخل فيه
المياه ثم ينزل ليسسيع ارض الغرفة، وكان الجص الذي يحرق بالتبن ويدق بالميدرون
يقاوم الامطار الغزيرة المتساقطة في منطقتنا وردلازالت بعض البيوت التي بنيت قبل
خمسين سنة وقد سيعيت به لايتخلل المياه في سقوفها الى الان بينما الجص المحروق
بالنفط والذي دق بالماكنة لايقاوم الامطار ابدا ولهذا قام الناس بتسييع السطوح
بالاسمنت غير المسلح حتى اذا كانت العقدة بشلمان او عقدة قديمة.
صناعة التنور العراقي في تلسقف
كان التنور سابقا يصنع في القرية فبعض النساء لهن خبرة في صنعه واذا
لاتتمكن من ذلك دعت احدى جاراتها لتساعدها وتعلمها كيفية عمله ن وهو يعمل من الطين
الحر والتبن ويصقل من الداخل والخارج بخشبة تسمى(مسرقتا) أي مشط وبعد إن يجف يؤتى
بحجر صغير يشبه حجر الجاروش ويصقل به ثانية من الداخل ثم يوضع في المحل المراد ثم
يسجر نحو اربع اوخمس ساعات متقطعة بواسطة البعر والتبن ثم يسجر بزمبيل من عظام
جمعت لهذه الغاية ويؤتى بدم ويوضع فوقه من الداخل وبذلك يصبح جاهزا للخبز وقد
اشتهرت قريتنا بخبز الرقاق المسمى(رقا) رغيف كما اشتهرت بذلك القرى المجاورة لها
ومدينة الموصل، فتجتمع نساء الدار ومن يساعدهن من الجارات بعد إن تكون قد عجنت
كمية من العجين فيما يسمى(ساتا) سابقا وهي اناء من الخشب حفر بحيث اصبح رقيقا مثل
الطشت يسع نحو وزنه من الطحين (الوزنة 13 وثلث كيلو غرام) ثم ترك استعمالها بعد
انتشار النحاس اخيرا او التوتيا مؤخرا بعد إن تضع فيه كمية من عجين مخمر وضع فيه
مايسمى (بخمير) أي بيت الخمير وهي عبارة عن اناء من الفخار له قاعدة من الاسفل
ويدان يوضع فيهما الخيط وتعلق بخشبة دقت في جدار لحين الحاجة، واذا لم يكن
للمراةعجين خميرة طلبته من جاراته على إن تملا هذا الاناء الذي اخذته وترجعه الى
صاحبه وتجلس النساء وامام كل منهن (خوانا) فرشة خبز وتاخذ قطعة من عجين تقطعه
بسكين وتدعكه ثم تقطعه قطعا صغيرة الواحدة لتكفي لعمل رغيف تسمى(دعكثا) وتعطيه
لامراة اخرى بيدها (كروما) شوبك وهذه تكبر هذه القطعة لتصبح بقدر القرصة التي تباع
في اسواق المدينة ثم تدفعه لامراة اخرى بيدها(كيرا) نشاب وهي تلفه عليها وتفتحه
حتى يصبح رغيفا وتطويه وتضعه على مايسمى(منزق) ملزق حتى يجتمع عندها نحو خمسين
رغيفا وهناك امرأة اخرى قد سجرت التنور فتاخذ ماتجمع وتفرشه على الملزق وتلصقه على
التنور وتاخذ غيره وتضعه بجانبه حتى يمتليء التنور وكلما استوى رغيق اخذته ووضعت
غيره محله حتى لايبقى شيئا فوق الملزق وتسجل التنور مرة ثانية وتاخذ ماتجمع لديهم
حتى ينتهي العجين فتسجر نحو خمسة او ستة مرات وذلك حسب عدد النساء اللواتي يشتغلن،
واذا لايوجد هذا العدد من النساء تقوم واحدة بعملتين او اكثر من هذه الاعمال
واحيانا امراة واحدة تقوم بجميع العمليات ويخبز في التنور انواع مختلفة من القرص.