أحياء كركوك ومعالمها
د. صبحي ساعتجي ـ اسطنبول
ترجمة : نصرت مردان
(اولو جامع)
تكشف الآثار التاريخية في قلعة كركوك، ان
عمرها يمتد الى ثلاثة آلاف سنة ق.
م. وقد اكتسبت أهمية دفاعية لدرء
المخاطر عن المدينة بعد امتداد النفوذ العثماني الى المنطقة في القرن السادس عشر.
حيث اكتسب بذلك طريق بغداد ـ كفري ـ داقوق ـ كركوك ـ أربيل ـ الموصل أهمية جديدة
بدلا من الطريق القديم المحاذي لنهر دجلة.
ويعود أقدم مصدر تاريخي للطابع السكاني للمدينة الى القرن الثالث عشر،والذي
يوضح، أنها منطقة آهلة بالسكان، تقع على ربض يقع بين داقوق (طاووق) وأربيل.
ويعتبر مسجد (اولو جامع) وكما يظهر من آثاره أنه أقيم على أنقاض كنيسة،
لذلك لا يزال يعرف بين العامة بجامع السيدة مريم (مريم آنا جامعي)، وعلى الرغم من عدم معرفة تاريخ بنائها الى
أن القرائن تشير الى أنها تعود الى القرن السادس عشر.
ومن الكنائس الأخرى التي حولت الى جامع هو
جامع النبي دانيال والذي يضم أضرحة قديسين مسيحيين ويهود، وهو لا يزال موضوع
احترام وتبجيل كل سكان مدينة كركوك، الذين يحرصون أثناء زيارة المسجد على قراءة
سورة الفاتحة أمام الأضرحة الثلاث.
ولايعرف تاريخ تشييد تاريخ المرقد وسببه وتاريخ تحويله الى مسجد. الا أن
طرازه المعماري يكشف أن تاريخه يعود الى القرن الرابع عشر. كما تكشف الكتابة
المنحوتة على الرخام فيه، ان الوالي جعفر باشا قام بترميمه في عام 1655 م.
أما الجامع الذي يعرف من قبل العامة بالجامع
الأزرق (كوك كنبد) فقد كان ملاصقا
لقصر عائلة كمال زاده. وهو يشبه في طرازه المعماري، المساجد التي اقيمت في محطات
استراحة القوافل في العهد السلجوقي.
(كوك كنبد)
تظهر القلعة ونهر (خاصه صو) في
منمنة تاريخية تصور حملة السلطان سليمان القانوني على العراق، يعود تاريخها الى
1535، مما يعني بأن كركوك آنذاك كانت عبارة عن القلعة باعتبارها الحي السكاني
الوحيد فيها. وتظهر الوثائق التي
تعود الى 1548 أن المدينة مؤلفة من 145 دارا تقطنها العوائل و23 دارا يقطنها
العزاب، اضافة الى وجود مصبغة وطاحونة وجامع يعود الى جماعة حسن المكي، وقد رمم
الجامع عدة مرات وتم هدمه في 1997، بسبب قدمه. حيث تم على أثره نقل رفات حسن المكي
الى مقبرة (المصلى) التي تعتبر من
أكبر مقابر مدينة كركوك.
كما يرد في منظومة أن السلطان مراد الرابع قد
أستراحة مع قواته في 29 تشرين الأول 1638 على رابية قريبة من كركوك. وفيها اشارة
الى انسياب نهر (خاصه صو) على مقربة
منها. ويرد في نص آخر يعود الى منتصف القرن التاسع عشر، بأن كركوك عبارة عن قلعة
تقع فوق أرض منبسطة، وان المدينة برمتها تقع داخل اسوار القلعة التي يقطنها فيها
باشوات شهرزور.
تعرضت كركوك الى أضرار ودمار بليغين نتيجة
الصراع العثماني ـ الايراني في النصف الثاني من القرن الثامن عشر على اثر المعركة
التي دارت بين القائد العثماني طوبال عثمان باشا وقوات نادر شاه في 2 تموز 1733،
والتي استمرت تسع ساعات، حيث فر على أثرها نادر شاه جريحا، وانسحب القائد العثماني
بقواته الى كركوك لقضاء موسم الشتاء فيها. وقد انتهز نادر شاه هذه الفرصة وألحق
الهزيمة بالجيش العثماني قتل خلالها طوبال عثمان باشا،الذي دفن في الجهة الشمالية
من القلعة والتي تعرف حاليا بمحلة
(امام قاسم) في الزاوية التي يقع فيه المرقد عام 1733.
ضريح طوبال عثمان باشا
على أثر رفض سكان كركوك الاستسلام لقوات
نمادر شاه المرابضة أمام القلعة تم اطلاق مئات القذائف علي القلعة. وقد اشتدت حمى القصف في نهاية أيلول
1743، لم يستطع السكان من الصمود أمامها أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام، الاأنهم
أعلنوا التمرد بعد تمادي القوات الغازية في نهب المدينة، سقط على أثره العديد من
القتلى.
بقيت المدينة معزولة ومهملة طوال استمرار
فترة الصراع العثماني ـ الايراني. يستدل على ذلك في ماذكره الرحالة الفرنسي سينبور
حينما وصف القلعة بأنها عبارة عن بيوت قليلة متناثرة على سفح تل، شديدة القذارة
وبيوتها سيئة للغاية، عند زيارته لها في 10 مايس 1766. كما ذكر ان المدينة ملك
لأحد الباشوات يقطن في الجانب الآخر من ضفة المياه، وأن فيها مطاحن مائية كثيرة،
يتم فيها طحن القمح بكميات كبيرة وترسل بعد طحنه الى بغداد.
في نهايات القرن الثامن عشر ترسخ النفوذ
العثماني نهائيا في كركوك، التي بدأت تعيش حالة من الاستقرار، بعد الفترات العصيبة
التي مرت بها. يذكر الرحالة
البريطاني كلوديس جيمس ريش، انطباعاته عن المدينة التي زارها في 1820 زار خلالها
بلدة (ليلان) الواقعة على بعد 10
كيلومترات عن كركوك، وزار القلعة التي ذكر ان ثمة أحياء سكنية خارج أسوارها. مما
يعني أن ذلك حدث نتجة الاستقرار وانتعاش المدينة اقتصاديا وتحولها الى مركز تجاري
مهم.
كما يظهر من خلال مايذكره الرحالة البريطاني
بوكينغام الذي زار المدينة في 10 تموز 1822، بأن المدينة مؤلفة من ثلاثة أقسام
رئيسية، وان الجزء الرئيسي يقع في الحي القائم في قلعة مثل قلعة أربيل. وأنها
مسورة بأسوار وفيها بيوت كثيرة، وأن منائر جوامعها الثلاثة تبدو للناظر من بعيد،
ويبلغ عدد سكانها 5 أو 6 آلاف نسمة.
وتكشف هذه الملاحظة زيادة عدد السكان الى الضعفين.
يؤيد هذا الرأي رحلة المنشي البغدادي، التي
وصف فيها كركوك، بأنها مدينة جميلة، واقعة على ربض مرتفع، يبلغ عدد بيوتها الآلف
بيتا. وهذا مما يؤكد أن القلعة مع
مرور الزمن فقدت مكانتها كمنطقة جذب سكاني، بدليل بدء انتشار بناء الدور خارج
أسوارها.
أما الرحالة الأوربي ج. ت. نيومن الذي زار
المدينة في 1870 فيصفها بالعبارات التالية :" مدينة أنشئت على أيدي مهرة من
الناس فوق سفح تل. تبدو للناظر في الوهلة الأولى كقلعة عسكرية. يسكنها الميسورون
من المسلمين، فيها ثلاثة مساجد تمتاز بمنائرها العالية. "
بوابة
(طوب قابي) في القلعة
للقلعة أربع بوابات رئيسية البوابة الغربية
التي تسمى بـ (طوب قابي) شيدت في
1822 من قبل وكيل والي الموصل محمد سري بك. وتظهر الوثيقة التي تحمل توقيع سري بك،
أن سبب فتح هذه البوابة هو لتسهيل وصول الأهالي الى أقرب نقطة للجسر، وخاصة في
موسم الشتاء. ويدعم ذلك فتح هذه البوابة على الممر القديم المسمى بـ (صچان يولى ـ درب الجرذي).
وقد تم الانتهاء من فتح البوابة في نفس العام. أما تواريخ انشاء البوابات الأخرى
فلا يمكن تثبيتها.
البوابة الثانية تطل
أيضا على الجهة الغربية، وتصل الى الجسر الحجري عن طريق سلالم مدرجة. أما البوابتين الثالثة والرابعة فاحداهما مدخل يطل على (حلوه جيلر بازاري ـ سوق بائعي الحلاوة)،
والأخرى (يدي قزلار ـ السبع بنات)
على (جوت قحوة ـ المقهى المزدوج).
وهناك بوابة خامسة من الجهة الشمالية ـ الشرقية تمر من صحن تكية سيد نجيب عبر ممر
ضيق.
تتألف القلعة من ثلاثة
أحياء رئيسية : حمام وآغاليق وميدان.
تمت تسمية حي (حمام) لهذا
الاسم نظرا لوجود حمام كبير فيه لا يعرف تاريخ تشييده بالضبط. أما محلة (آغاليق) فقد سميت بهذا الاسم نظرا
لاقامة قادة الجنود الانكشاريين فيها، اضافة الى وجود مقرهم هناك.
من أقدم المباتي في
القلعة مايعرف باسم (يدي قزلار ـ
البنات السبع) الواقع في الجهة اليسرى والمؤلف من خمسة طوابق. وبسبب وجود سجن في
الطابق السفلي فيه، سمي الحي باسمه (زندان ـ السجن). تكشف سعة الغرف الموجودة أنه انشيء كمبنى حكومي. وفي الطابق السفلي منه دهليز يتراوح طوله
بين 100 ـ 150 م، حيث ينقطع الدهليز بعد هذه المسافة بوجود جدار، مما يعيق معرفة
طول الممر والغرض من انشائه. ولربما ستكشف عمليات التنقيب في المستقبل الهدف من
اقامة هذا الدهليز.
وثمة سوق كان يعرف بين
العامة بـ (قاتما بازاري) أو (قلينجيلر بازاري ـ سوق صانعي السيوف)،
مؤلف من دكاكين متجاورة ومتقابلة، ظهرت آثاره واضحة للعيان في المنطقة القريبة من
محلة (ميدان) على مقربة من (طوب قابي) أثناء عمليات هدم أحياء
القلعة، وقد تم الكشف خلالها
عن 17 دكانا مؤلفا من
طابقين ذي سقف منخفض.
أما المسجد المعروف
باسم فضولي (نسبة الى الشاعر فضولي
البغدادي) الذي يقع في جامع الفقية علاف فلا يعرف تاريخه. وقد أطلق عليه هذا الاسم لأن والد
الشاعر، الملا سليمان كان امام وشيخ المسجد المذكور،كما يشاع ان المنزل القريب من
المسجد يعود له أيضا. الا أنه هذا
المسجد فقد قيمته المعمارية بسبب عمليات الترميم
الصوب القديم (أسكي ياخا)
لا يعرف بالضبط تاريخ انشاء هذا الحي، الذي
يقع خارج قلعة كركوك. الا أن
المصادرالمتوفرة لدينا والتي تعود الى1548 م، تشير أن محلة (امام قاسم) تضم 21 دارا سكنية. كما انه ليست هناك مصادر موثوقة حول
تاريخ بناء الجامع المعروف فيه بجامع الامام قاسم، والذي يضم ضريحا له. الا ان ثلاث كتابات منحوتة فيه تشير الى
فترات زمنية مختلفة، اجريت خلالها عمليات الترميم في مبنى الجامع في الأعوام
1614و1691 و1894.
بدأ العمران خارج أسوار القلعة اعتبارا من
القرن السادس عشر،وشكلت نواته بناء تكية الشيخ عبدالرحمن، التي عرفت فيما بعد
بالتكية الطالبانية،والتي تأسست في 1706 للطريقة القادرية. وعلى تلة حمراء ارتفاعها 15 م في الجهة
الشرقية من القلعة على طريق كركوك ـ السليمانية، كانت ثمة كنيسة هي الكنيسة
الحمراء (قرمزى كيلسه). رغم ذلك فان السكن لم يبدأ في الصوب
القديم (أسكي ياخا) الا في النصف
الثاني من القرن الثامن عشر. ، بعد استقرار النفوذ العثماني في المدينة على أثر
هزيمة نادر شاه على يد العثمانيين. حيث يعود تاريخ بناء سوق (حلوه جيلر) وجامع محمد غوث أفندي
ومدرسته الى عام 1780.
بدأت كركوك تتحول بعد هذه الفترة الى مركز
تجاري مهم، وخاصة في المنطقتين الواقعتين شرق وجنوب شرق القلعة. كما ازدهر العمران
فيهما منذ بداية القرن التاسع عشر.
ويعتبر سوق القيصرية (قيصرى) التي شيدت في 1800 معلما عمرانيا هاما
ببواباته السبع واحتوائه على 300 دكان.
كما يعتبر في الوقت الراهن سوقا تجاريا مزدهرا حيث تنشر فيه المحلات الخاصة
بيع الصناعات الفخارية والأقمشة والنسيج والتحفيات. وقد شهد السوق تعديلات
واصلاحات شاملة في 1990.
أما مسجد (ناقشلى منارة ـ المنارة المزخرفة) الذي يتميز بمنارته الزخرفة
والمزركشة،والذي شهد ترميمات مهمة عام 1984 فيعود تاريخ بنائه كما هو مدون في
المسجد الى عام 1818. كما يعود تاريخ محلتي
(بريادي) و (آوجي) وجامع
الحاج نعمان الكائن بنفس المنطقة، الى نفس تاريخ بناء المسجد المذكور.
بدأت المنطقة الواقعة أسفل القلعة تتحول منذ
عام 1822 الى منطقة حيوية، تنتشر فيها الأسواق والمقاهي والخانات وأحياء سكنية
ومقبرة كبيرة. بحيث بلغ مجموع السكان القاطنين فيها ضعفي عدد سكان القلعة.
امتدت هذه المنطقة مع مرور الزمن عام 1870
الى منطقة سهلية فسيحة ومنبسطة أسفل القلعة،باستقامة السوق الكبير (بويوك بازار) والذي يقع فيها الجامع
المعروف باسم جامع قيردار الذي لا يعرف تاريخ انشاءه، الا أن الكتابات الموجودة
على جدرانه، تفصح للزائر انه شهد اصلاحات مهمة في 1885. لقد كان لقيام والي كركوك منير باشا في 1882 بانشاء مصبغة وخان
ومقهيين في المنطقة المطلة على نهر خاصة
(خاصه صو) دوره في ازدهار المنطقة تجاريا. كما قامت بلدية كركوك في تلك الفترة بتشييد خان مؤلف من
طابقين، مما يعكس ان ايراداتها كانت في مستوى جيد. كما يظهر ذلك من الخارطة التي صممتها الفرقة الثانية عشرة
للمشاة بمديرية الأركان الحربية.
يظهر مما تقدم بوضوح، أن أول الأحياء التي
شيدت أسفل القلعة هي : محلة (امام
قاسم) و(بريادي) و(جقور) و(آوجي) و (أخي حسين)، بخط متواز مع المقبرة الكائنة في
هذه المنطقة التي يعود تاريخ انشاؤها الى القرن التاسع عشرحيث ظهرت حيا (مصلى) و (چاي).
كما شهدت منطقة الصوب
القديم (أسكي ياخا) ازدهارا ملحوظا
اعتبارا من 1950، وخاصة بعد بناء الدور الجديدة (ينكي داملار) على خط مواز لنهر (خاصه صو).
أما بالنسبة للجهة
الجنوبية الشرقية، فيمكن اعتبار انشاء محلتي الشورجة والقصبخانه في السبعينيات،
بداية لمرحلة السكن العشوائي في المدينة.
حي (القورية)
ليست هناك من مصادر موثوقة تؤرخ وتحدد متى
تشكلت النواة الأولى للأحياء السكنية في هذه المنطقة. ويعود أقدم مصدر الى عام
1548م. وعلى ضوء مايرد فيه من معلومات، فان هناك 70 دارا في حي القورية، وبأنه كان
بمثابة قرية صغيرة (كما يرد في خاص
همايون). لقد تضررت المنطقة ضررا بالغا على يد نادر شاه.
وحسب المصادر المتوفرة،
فان منطقة القورية، كانت تعتبر أصغر وحدة سكنية في كركوك عام 1822،وان سكانها لم
يتجاوزوا الألف نسمة. الا أن ازدهارها بدأ بعد انتشار المباني والوائر الرسمية
فيها. وخاصة بعد تشييد متصرف كركوك محمد بايراقدار دائرة حكومية بمنطقة (شاطرلو). حيث بدأت حركة البناء والعمران
تتجه وتمتد من الصوب القديم (اسكي
ياخا) صوب القورية.
اطلالة من القلعة على (القورية)
كما ساهم قيام متصرف كركوك
المذكور الذي تم تعيينه من قبل والي بغداد في 1833 بتحويل القصر المعروف بقصر (اينجلي)، الذي يقع اليوم خلف تكية الشيخ
باقي بمنطقة (شاطرلو) الى مبنى حكومي،في أن يسبق حي قورية في التقدم والازدهار
السكاني والعمراني منطقة (أسكي
ياخا). حيث يمكن اعتبار جامع ابراهيم بك النفطجي، الواقع خلف مدرسة المتوسطة
الشرقية المهدمة، والتي كانت تقع بجوار شارع الجمهورية الحالي دليلا على ذلك. وتشير الكتابة الموجودة فيه، انه تعرض
الى التعمير في 1840. اضافة الى اصلاح آخر تم في وقت قريب.
يمكننا القول أن علي باشا
الذي عين متصرفا على مدينة كركوك، ساهم في اعمار المدينة مساهمة كبيرة. ويعتبر انشاء قصر المجيدية (مجيدية سرايي) أول اجراء عمراني هام له. وقد أطلق على القصرالذي ضم 70 غرفة
كبيرة، هذه التسمية تيمنا باسم السلطان عبدالمجيد. وقد ضم المبنى ولسنوات طويلة مبنى المتصرفية والمالية والعدلية
ومديرية الطابو. الا ان عملية الهدم طالته في 5/8/1971. حيث ظهر تحت انقاضه آثار
جامع أمير محمد الذي انشيء في 1854 ـ 1855 ومنها المنحوتة الجدارية التي تحمل
منظومة شعرية للشاعر سليمان وهبي أفندي.
كما قام علي باشا بتشييد حديقة المجيدية (مجيدية باغجه سي) وهي أكبر حديقة عامة في المدينة. وقد ظل اسم الحديقة المنحوتة باقية على
مدخل الحديقة حتى تم ازالته قبل سنوات.
يذكر ان القورية كانت
تمتاز في سنوات 1870 ببنيانها المحكمة، وبسايتنها التي تنتشر فيها اشجار البرتقال
والنخيل والعنب والزيتون. كما يذكر
الذين زاروا الحي بان مساحة المقابر فيه واسعة، بحيث يترأى للمرء، أن عدد القبور
يتساوى مع عدد سكان الحي.
يعود تاريخ انشاء (قشلة كركوك) الى عام 1836، حيث تم بناءه
في زمن والي بغداد محمد نامق باشا، وقد عرفت قديما باسم العزيزية. تبلغ مساحتها 15
ألف متر مربع. وكانت تتوسط المبنى ساحة واسعة. ولم يبق اليوم من هذا المعلم
العمراني الا جهتها الجنوبية وجانبها المطل على الجهة الغربية. حيث تم هدم القسم
الشمالي منه في 1976. وقد ظل المبنى يستغل كمستودع عسكري في 1874لسنوات طويلة،ثم
كمستشفى عسكرية حتى تم ربطها في 1986 بمديرية الآثار العامة. ويتألف مبنى القشلة من عدد كبير من الغرف
وردهة كبيرة من طابقين، ويعتبر من أهم الآثار العمرانية في مدينة كركوك.
ساهم بناء الدوائر الرسمية بمنطقة القورية
الى تواصل الآواصر مع الصوب القديم
(أسكي ياخا)،الا ان فيضان مياه
(خاصه صو) في الشتاء كان يصيب الانتقال بين الصوبين بالشلل لفترة قد تستغرق
أياما عديدة، مما كان يسبب تعطيل الأعمال في الدوائر الرسمية، بسبب تغيب الموظفين
عن وظائفهم بسبب السيول. ولمعالجة هذه الاشكالية، قام متصرف كركوك نافذ باشا، الذي
لعب دورا هاما في اعمار المدينة، ببناء جسر حجري له 16 منفذا على نهر (خاصه
صو)،وبذلك انقذ المدينة من المشكلات التي كانت تسببها الأمطار والسيول في تعطل
المرور بين ضفتي المدينة. وتظهر من
القصائد التي نظمها شعراء كركوك بهذه المناسبة، أن الجسر الحجري (داش كوبرو) قد
بني في 1875 على أقرب نقطتين بين الصوبين فوق أضيق نقطة يصلها (خاصه صو).
ساهم بناء الجسر في تحول القورية الى مركز
جذب سكاني مهم. لكن المؤسف ان الجسر الحجري الذي كان يعتبر معلما مهما من معالم
مدينة كركوك، قد هدم في 2/3/1954. وقد أحدث ذلك تأثرا واسعا في صفوف آهالي
المدينة. تم تشييد جسر اسمنتي في محل قريب من مكان الجسر السابق. كما تم في
الستينات بناء جسر آخر في الجهة الشمالية من نهر خاصه، أعقبه بناء جسر ثالث طويل
في ثمانينات القرن الماضي من الجهة الجنوبية.
شهد بناء الجوامع ازدهارا ملحوظا في منطقة
القورية اعتبارا من نهايات القرن التاسع عشر. ويأتي في مقدمة هذه المساجد، مسجد
ملا قاوون في محلة (بكلر)عام 1876.
ويذكر أن القورية في 1890 كانت تتألف من ثلاثة أحياء رئيسية هي : بكلر
وشاطرلو وصاري كهيه. كانت تمتاز قبل
الحرب العالمية الأولى بوفرة سواقيها التي كانت المياه تنطلق فيها صافية
كالبللور،وانتشار حقول وبساتين مزدانة بأشجار البرتقال والليمون. وقد ظلت السواقي قائمة حتى الستينيات ومن
أهمها : ساقية القورية (قورية
آرخى)، وساقية تسعين (تسن آرخى)،
وساقية زيوة (زيوه آرخى)، وساقية
بلاوه (بلاوه آرخى). وكانت تشكل
مصدرا مائيا مهما للمدينة. اضافة الى انتشار كهاريز مثل كهريز عائلة الهرمزي،
وكهريز عائلة قيردار، وكهريز عائلتي آوجي وصاري كهيه.
ويذكر حسين فكري أفندي قاضي كركوك في 1914،
ان مياه السواقي كانت تمر من وسط دار المتصرف عون الله كاظمي والقصر العائد لعائلة
النفطجي زاده بمنطقة القورية.
أدى بناء الدوائر الرسمية بمنطقة القورية الى
الانتشار والازدهار العمراني فيها، والى امتداد المنطقة نحو الصوب القديم (أسكي ياخا)، حتى وصلت الى أبواب الحديقة
الواقعة على طريق الموصل، التي تزينها تماثيل عدد من الأسود، التي تسمى بين العامة
بـ (آصلان قپلان باغجه سى) أي حديقة
الأسد والنمر.
محطة قطار كركوك
بدأ العمل بانشاء خط للسكك الحديديربط بين
بغداد وكركوك أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث انشئت محطة القطار في منطقة (حمزه
ليلر). تبعه بناء أول فندق وفق المواصفات العصرية باسم Resthouse من قبل قوات الاحتلال البريطاني التي احتلت المدينة في 1918. وقد
عقب ذلك بناء فندق آخر باسم (أحمد
بالاص) في 1925 مكان فندق كركوك الحالي. وتم في عام 1940 بناء أول دار للسينما،
وهو سينما غازي بالقرب من الجسر الحجري.
بعد عدة اعوام تم تشييد جامع الحاج عبدالرزاق بالقرب من سينما غازي، وهو
الجامع الوحيد في كركوك الذي لا منارة له. كما تم بناء مقهى المجيدية ومجموعة من المخازن
والمحلات بجوار حديقة المجيدية في شارع الأوقاف سابقا.
من الممكن القول، أن منطقة القورية قد شهدت
في النصف الثاني من القرن المنصرم
ازدهارا ملحوظا. حيث تم
استعمال الأساليب الحديثة في البناء من استعمال الحديد والأسمنت المسلح. كما بدأ
استعمال الأسفلت لأول مرة في بناء
الجسر الذي أقيم على نهر (خاصه)، والذي ينحدر نحو شارع أطلس، حيث أكسب المدينة
بمحلاته ومخازنه ازدهارا تجاريا ملفتا.
أما تطور منطقة القورية من جهتيه الجنوبية
والشمالية، فقد بدأ في الستينيات، حيث تحولت منطقة (حمزه ليلر) التي تقع فيها محطة
القطار وقرية تسعين (تسن) الى حيين
من أحياء المدينة. ويذكر أن قرية (تسن) كانت تتألف عام 1548 من 93 دارا، نصف
آراضيها أميرية والبقية الباقية منها ملكية شخصية. لقد تحولت قرية (تسن) اليوم الى
حي من أحياء كركوك، بعد ان كانت في الماضي قرية تركمانية تمتاز ببيوتها الطينية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
-
Prof.Dr:Suphi
Saatçi, Kerkük Evleri,kalsik,istanbul 2003.
ـ البروفيسور صبحي ساعتجي، بيوت كركوك، دار
كلاسيك للنشر،استانبول 2003.
هامش : الكتاب هو اطروحة الدكتوراه للكاتب،
وقد اعتمد فيها على 147 مصدرا، ودعم آراءه بمئتين وخمسين صورة فوتوغرافية.