الثقافة التعددية وانعكاساتها
على مسميات
الاحياء القديمة لمدينة كركوك
توفيق آلتونجي/ السويد
صورة نادرة
لمدينة كركوك تعود الى عام
1941
تحت قبة سماء هذه المدينة القرمزية والنابعة من خضاب دمها الذي يجري في
عروق المصانع والمعامل منيرا دجى الظلام وتاركا الياس والقنوط وراءه لانسان كركوك المعذب، الذي جرى في
ازقة المدينة وحاراتها صبيا ثم تكسع شابا في عرفة وجرى مراسيم رحيله في (عبعولك)
في مصلى في مدينة تفوح من احيائها
عبير الماضي وتنام تحت سقوف بيوتاتها ارواح هائمة وتمتزج في سمائها اصوات هدير محركات
الطائرات الحربية ممزوجة بصوت اجراس الكنائس ومكبرات الصوت يصدح من خلالها مؤذني
الجوامع والمساجد والحسينيات".
تلك هي المدينة "المكان" التي جمعت ملاعب صبانا معا وجلسنا على
المقاعد الخشبية الطويلة في مدارسها وشربنا الحليب الحار في صباحات ايام الشتاء
الباردة وتجولنا في احيائها وازقتها وباتت معبودتنا و وطننا الصغير في المنفى لا
تبرح مخدعنا تنام معنا وتحتظننا كل مساء واعني بها طبعا مدينة "كركوك".
الطيف التعددي والحوار الحظاري :
تتكون تركيبة المجتمع وتوزيعاتهم في المدينة على احيائها عراقا مصغرا
يضم من الطوائف والاعراق والمعتقدات في بوتقة حظارية عريقة تمتد في التاريخ
العراقي الى الاف السنين منذ اليوم الذي ارسيت فيها دعائم ابنية المدينة
التاريخية" أرباخا "
مدينة النار المقدسة في" بابا كركر" وعلى انقاضها تم بناء
المدينة الحالية واقصد مدينة كركوك.
هنا تختلط اقوام الامة العراقية بكل اطيافها ومشاربها وعقائدها في مزيج
ثقافي نادر كنتيجة لحالة انسانية في
حوار حضاري دام الاف السنين رغم ان الافكار القومية التعصبية العنصرية وحملتها ومن كافة القوميات تطفو بين الحين والاخر
حاصدة روح انسانها المعذب حيث ان
وطئتها ونتائجها تكون ماساوية على الجميع حين يكون الفكر الحاكم للسلطة
فاشيا.
مدينة ولد فيها الفنانون والعباقرة وخلدوا في انتاجهم الادبي وابداعهم روح
انسانها واماله وعبير احيائها وازقتها , تحية لارواح الراحلون منهم
واللاحقون. مدينة اراد لها الحكام
وجلاوزتهم ان تتحول الى منفى للعراقيين اصحاب الفكر والمبدء فهلوا سهلا بين ابناء
مجتمع تعددي يرجع تاريخه الاستيطاني الى ايام العراق القديم فانفجروا كالبركان
يقذفوا حممهم الابداعية في دجى الظلام. هذا التعدد الثقافي سمة تنعكس على الانتاج الادبي العام فنرى
انعكاساته في كتابات ادباء امثال:
حمزة حمامجي،
عمر قزانجي، نصرت مردان، جليل القيسي، فاضل العزاوي، مؤيد الراوي، سركون بولص،
أنور الغساني، فلك الدين كاكئي، هجري ده ده، عبد اللطيف بندراوغلو، اسماعيل سرت
توركمان، لطيف هلمت،عبد الله
كركوكلي، د. عبد الله ابراهيم، محمد
بيات، صلاح نورس، حسين علي مبارك، حسام حسرت، فائق كوبرلي، فهمي كاكئي، حسن كوره،
فاروق فائق كوبرلو، عمر اغا ترجيللي، الدكتور جوبان حيدر، الدكتور ابراهيم
الداقوقي، قاسم صاري كهية، خير الله كاظم، نوزاد عبد الكريم، رمزي جاوش، سنان
سعيد، عواد علي، محمد عزت خطاط،
توفيق جلال اورخان، محمد خورشيد داقوقي، عطا ترزي باشي، اسعد نائب، حبيب هرمزلي،
أرشد هرمزلي، شاكر صابر ضابط، حقي اسماعيل بياتلي، خضر لطفي، قحطان هرمزلي،
اسماعيل ابراهيم العبيدي، عبد السلام حلمي، عواد علي، محي الدين زنكنه وكاتب
المقال واخرون لا يمكن عدهم وحصرهم
وقد اكون نسيت بعض الاسماء من رواد الحركة الادبية في المدينة فاليهم جميعا
اقدم اعتذاري.
هؤلاء الجمهرة الطيبة اللذين
جمعوا في اروحهم جنون حورية النار الازلية على اعتاب مدينة النور كركوك في كلماتهم
وعاشوا مراحل حياتهم بين ظهراني اقوامها واحيائها فانعكس كل ذلك على انتاجهم
وابداعهم ونادرا تجد احدهم ممن لم يتغنى بتلك الغانية المعبودة المستلقية على بساط
من الذهب الاسود مداعبا جدائلها الذهبية. . . . تلك هي ملاعب
طفولته الشاعر والكاتب والمثقف عند اقطاف تلك التله التي بنيت عليها قلعة
كركوك والتي تتوسطها احزان مياه نهرها الجاف "خاصه صويو".
حديقة ام الربيعين والطريق المؤدي الى مدينة اربيل
اسماء تفوح منها عبير التاريخ:
قد اكون لا احيد عن الصواب اذا ادعيت بان قلما تجد في المدن العراقية
تسميات مشابه لتك المسميات للاحياء كركوك وخاصة التنوع الثقافي في تلك التسميات
انظر مثلا اسماء مثل : بكلر , قلعة محله سي، بولاغ محله سي , جوقر محله سي، عرصة ,
قيصري، ام الربيعين، كاور باغي، دمير باش، امام قاسم , تعليم تبة، بغداد يولي،
شاطورلو، الماز، قورية، اخر حسين، مصلا، تسن، ينكي تسن، بريادي، حمام علي , عرب
محله سي، حديديلار، كاور باغي، برتكيه، ملا
ملا عبد الله تبه سي، رحيم اوا , قصابخانه، ازادي , حمزلي، صاري كهية،
عرفة، ينكي عرفة، اسكان، شورجة. . .
واسماء اخرى.
التسميات حصيلة التنوع الثقافي لابناء المدينة من التركمان , الكرد ,
الكلدو اشوريين، العرب والارمن كما نجد محلات لليهود ومتاجر كانت خاصة بهم قبل
نزوحهم الجماعي الى فلسطين عام 1948 خاصة على عطوف القلعة حيث محلة بريادي واسواق
القيصرية القديمة. كما نرى مقابر
ابناء المدينة من الراحلين من الديانات السماوية الثلاث والعقائد الدينية الاخرى
على اطراف المدينة وقرب قلعتها القديمة.
وهناك احياء اطلق اسم احد الوجهاء من ساكنيها عليها ولحد يومنا هذا وربما تجد هناك قبرا لاحد
التقات او الدارويش او السادة في وسط الحي "دمير باش" ,"
عبعولك" , " تكيي شيخ جميل"
"مقام دانيال" ومن الملاحظ ان بعضها تسميات احياء حديثة
كـ"عرفة " التي تعود الى العهد الملكي، وحي الاسكان الذي انشأ بعد ثورة
الرابع عشر من تموز حيث البرنامج الاسكاني الطموح الذي باشر بتنفيذه المغفور له
الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم لانشاء دور لذوي الدخل المحدود والفقراء والنازحين
من فلاحي القرى والارياف اللذين
قدموا من اجل العمل والكسب. اما
التسميات الاخري فيبدو ان المهنة احيانا تطغي على تسمية الحي كحي العمال او
المعلمين ودور الضباط وتسميات اخرى حديثة ظهرت في السنوات الاخيرة وبصورة خاصة بعد
عام 1968 اثر السيطرة الشمولية للبعث على السلطة في العراق طغى التعريب
على مسميات الاحياء كالقادسية والواسطي
والسابع من نيسان والعروبة والبعث وهذه التسميات الاخيرة سمة عامة من سمات
اسماء الاحياء الجديدة ليس فقط في مدينة كركوك بل في كافة المدن العراقية وربما
تعود اسماء حظارية وتاريخية واسماء ابناء المدينة الى الظهور اثر التغيرات الجذرية
التي تمت مع زوال الحكم الشمولي وجهود بناء المجتمع المدني الديمقراطي التعددي في
عراق المستقبل.
افرازات تطور وتوسع المدينة العشوائي :
ان دراسة توسع المدينة تعطي صورة حقيقية على التركيبة العرقية لها
فالمدينة القديمة لا ريب بنيت على التلة والتي تسمى محلة القلعة كان لغتهم
الثقافية التركمانية حيث كنا نرى الكنيسة والجامع ومقام القديسين والشعراء جنبا
الى جنب قبل ان تدخل الجرافات
الحكومية ابان العهد البعثي الفاشي وتحولها الى انقاض ويؤسف لهذا التأريخ الجميل
وتلك الدور التى كانت تعط بعبير التاريخ والاقوام ان تكون مصيرها ما آلت اليه محلة
القلعة وقد وجدت الكثير من الاثار تحت انقاظ البيوت التي هدمت ومن فترات تأريخية
مختلفة من حظارات العراق القديم كالاشوريين والسومريين والكوتيين والسلجوقيين واثار من فترة الحكم الاسلامي
والعثماني للعراق.
قلعة كركوك قبل ان يطالها الهدم
أما الاحياء الحديثة التي ظهرت ابتداء من بداية السبعينيات فغالبيتها
ذو تسميات عربية قومية المضمون وكما
اسلفت ومعظم سكانها من الاسر
العربية التي استقدمت اما كموظفين
في البدايات حيث ان الكثير
منهم اختلطوا بابناء المدينة
الاصليين ووجدوا انفسهم وعوائلهم
كجزء من ابنائها وهناك عدد كبير من المبعدين من مدنهم الاصليه كجزاء او
عقاب سياسي استوطنوا المدينة واحبوا اهلها وامتزجوا في البوتقة الحضارية. اما العشائرالعربية التي استوطنت في
اطراف المدينة و سكنت تلك الانحاء في فترات تاريخية متاخرة وخاصة بعد البدء بانشاء
مشروع دبس الاروائي الذي بدا العمل فيه ابان الحكم الملكي وهناك العديد من العوائل العربية التي
استقدمت ابان حملة التطهير العرقي للمدينة من القرى والارياف العراقية الجنوبية
حيث دفعت الدولة لهم المكافآت
النقدية ووزعت عليهم الدور وقد يكونون في انتشارهم العشوائي على اطراف
المدينة طوقا عربيا للمدينة و اكثرية الاحياء تشاهد في منافذ المدينة الجنوبية
والغربية حيث الطريقان الرئيسيان المؤديان الى بغداد وتكريت وتلك ستبقى من الامور المتنازع عليها وارثا
ثقيلا من النظام السابق ذو انعكاسات سلبية على مستقبل المدينة واهلها. اما العشائر العربية في الحويجة ورياض
فاختاروا العيش خارج المدينة وقد يعود ذلك الى حب العرب للبادية والصحراء وعزوفهم
عن حياة المدن واغلب تلك العشائر من الجبور
والحمدانين وآل عبيد تزاوجوا مع ابناء اهل المدينة حتى بات بعضهم يتكلم
ويكتب بالتركمانية او الكردية بطلاقة كلغة ثقافية.
أما الطريق المؤدي الى ناحية
دبس الذي يسلك الطريق المحاذي لمناطق ابار النفط والمصافي في
"كيوان" و" بابا كركر" فقد شيدت وفي فترات متباينة فيها احياء
ومنشاة عسكرية حيث مقر الفرقة الثانية للجيش العراقي انشات مبانيها خلال اوائل
الستينات قرب المستشفى العسكري والملعب الرياضي العسكري الذي شاهد العديد من رؤساء
الجمهورية العراقية وهم يلقون الخطابات من على منصاته في الستينيات من القرن
الماضي اذكر المرحوم عبد السلام عارف واخيه عبد الرحمن عارف اطال الله في عمره وقد
قامت الدولة انذاك ببناء وحدة سكنية حديثة للضباط "حي دور الضباط" ذو
طابع معماري جميل يذكر المرء ببيوتات المغرب العربي واليونان ذي اللون الابيض
والمساحات البيظاء الواسعة وعلى اثر ذلك صودرت جميع دور السكن لعمال شركة النفط في
الحي الملاصق لتكون ثكنة عسكرية للجنود.
"القشلة" الثكنة العسكرية وسط كركوك
المسيحين من اهالي المدينة تمركزوا في حي عرفة حيث التسمية تاتي
تيمنا بالمدينة الاشورية القديمة "اربخا" والتي يعتقد ان كركوك بنيت على
انقاضها، والذي مر ذكرة في بداية المقال ,"عرفة" احد الاحياء الحديثة مقارنة الى الاحياء
القديمة بنيت ابان الاحتلال البريطاني للعراق وبطابع معماري انكليزي شمل كل من
البيوت والمرافق الخدمية كالحانوت وبناية مقر الشركة والابنية الملحقة بها
للعاملين ولموظفي شركة النفط العراقية، وقد تجد المسيحين
متفرقين هنا وهناك في وسط المدينة كما تنتشر الكنائس في محلة الماز وشاطورلو ومحلة
قلعة القديمة. كان يسكنها مسيحيو
القلعة. وقد كتب شاعر كركوك الكبير" سركيس عيواز" المسيحي الكلداني باللغة التركمانية احد
اجمل الملاحم الشعرية" سفيل يونان" عام 1799 وتدور احداث الملحمة
حول شاب مسيحي اسلم ليتزوج من مسلمة
ادعى الرعاع لاحقا ردته وعودته الى دينه الاصلى فبتروا رقبته امام الجموع.
"ها أنذا في سبيلي إلى ممارسة إنسانيتي"
لنردد
جميعا ما تمناه شاعر كركوك ولنمارس معه انسانيتنا. . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . .
اشارات :
* يعتبر الشاعر الفقيد
"جان دمو" احد رواد
"جماعة كركوك " الادبية المعروفة والكثير من ادباء المجموعة لا
يزالون يبدعون منتشرون من كوستاريكا الى مقاهي برلين وكركوك. بدات كتجربة بين عام 1955 و 1957 واستمرت بعد ذلك كظاهرة
ثقافية انارت الحياة الثقافية للمدينة واظافت الى الثقافة العراقية والانسانية
اسماء خالدة : انور الغساني، فاضل العزاوي، مؤيد الراوي، سركون بولص، جليل القيسي،
الاب يوسف سعيد، صلاح فائق ويوسف الحيدري. . . فاليهم جميعا تحياتي.
* قصيدة الشاعر محمد مردان ترجمها
شاعر واديب كركوك
المجدد نصرت مردان من التركمانية