الكردية لغة ابي، والتركمانية لغة امي، والعربية لغة
بلادي.. اما انغام قيثارة سومر فهي لغة قلبي وروحي..
امل بورترـ
بريطانيا
تحتل القيثارة
السومرية حيزا اثيرا في الوجدان
الفني والتراثي العراقي، وتستخدم مدلولاتها للتعريف بالعراق في مجالات كثيرة.
للقيثارة في المتحف العراقي اهمية كبيرة بالنسبة للمتلقي من مكان عرضها وتوسطها لقاعة كبيرة نسبيا
له وقع رومانسي مثير بالاضافة الى جماليتها الفنيةالمتعددة من اختيار للقيم
التزويقية الى هندسة بنائها وتصميم رأس الحيوان ولحيته المعتنى بها كثيرا بالاضافة
الى وسع العيون، وهي الخاصية السومرية الواضحة والترف والبذخ في استعمال الصدف
والذهب والالوان الجذابة. كل هذه المقومات جعلت للقيثارة هيبة واستولت واستحوذت على مخيلة الانسان العراقي
الفنية المرهفة.
الآثار التي تم الكشف عنها
تشير الى وجود رسم لقيثارة على جرة فخارية وجدت في معبد بابلي شكلها يختلف عن
القيثارة السومرية ولها 12-15 وتر وشكلها يعتمد المثلث القائم الزاوية. وهذا يدل
على تطور القيثارة من شكل القوس المنحني الى شكل اكثر استقرارا واسهل حملا. ولابد
ان تطور القيثارة يصحبه تطور حسابي للسلم الموسيقى رغم اننا لم نكتشف ما يثبت ذلك
لحد الان، الا ان المنطق يستوجب وجوده، كما وانه في المناطق المتاخمة للعراق من
سوريا وايران ولبنان وحتى مصر والجزر اليونانية وجدت في اثارها ما يشبه القيثارة
السومرية او البابلية او حتى تلك من فترات شبه الكتابية والتي تشير الاختام
الاسطوانية اليها.
ان من المثير حقا ان يكتشف رسم محفور
لقيثارةعلى الحجر في منطقة من فرنسا يعود تاريخة الى قبل خمسة عشر الف سنة. هذا
الاكتشاف يعزز فكرة وجود هذه الآلة الموسيقية الحيوية في وادي النهرين بشكلها
المسبط بفترة طويلة جدا، وما القيثارة الحالية بهندستها المحكمة الا تطور عضوي
طبيعيى لتلك القيثارة المفترضة.
ا لبعد
الزماني والمكاني للقيثارة السومرية اهمية خاصة اذ ان اكتشافها في مقبرة ملكية في
اور اضاف ابعاد مهمة عليها واسبغ صفات قد تقترن بالقدسية والسماوية. أن علو المكانة الاجتماعية لمن عزف
وغنىعلى القيثارة و استمع اليها واستمتع بها له دلالاته التي بقيت حيه وفاعلة في
التراث الفني العراقي المعاصر بكل ابعاده، ناهيك عن تمسك الفرد العراقي بها كمدلول
حضاري واختيارها كرمز لنشاطاته ولنتاجاته التجارية او الصناعية والسياحية.
القيثارة السومرية، تعد واحدة من اجمع الاعمال الفنية في تاريخ البشرية..
تارا والقيثارة
لم تجري محاولة العزف على القيثارة
السومرية ولم يعرف لها صوت ولكن ذلك لم يمنع الخيال من ان يتصور لها وقعا موسيقا
رومانسا خاصا. علما بان للقيثارة المعاصرة ومكانتها في الفرق الموسيقية المتعددة
في الدول المتقدمة فنيا، ما زال يحتويه الكثير من السحر والجاذبية والغموض.
تستخدم
القيثارة عبر نغماتها للتعبير عن نغمات حسية فوق
واقعية يكتنفها الجلال والمهابة والروعة تخاطب الروح قبل العقل وتتغلغل في خبايا
النفس وتجول بحرية خالقة عوالم يعجز الفرد عن فهمها ولكنه يحلق عاليا في متعة
صوفية متفردة مستروحا انسيابها وتجانسها.
تقول تارا الجاف عازفة القيثارة:
((في رحلة
مدرسية الى المتحف العراقي، فجأة التصقت عيناي وتسمرت وانا صبية صغيرة، بالقيثارة إذ
سحرتني واستولت على مخليتي. رحت ادور خلف قاعدة عرضها وكانني ادور في عوالم سحرية
لم افهمها. كنت اعرف الموسيقى اذ تربيت على حب الموسيقى الكلاسيكية الغربية بحكم
عمل ابي في الخارجية العراقية وتجواله بين عواصم موسيقية اوربية حيث الفن متاح
ومباح واصرار امي وابي على ان نتعلم الموسيقى كجزء
اساسي من ثقافتنا العامة. منذ تلك اللحظة ظلت القيثارة في اعماق قلبي مختزنة في
كياني...
تصمت تارا
ويشع وجهها بنور التأمل وكأنها تعود الى ذكريات حبها الاول مع تلك القيثارة
العجيبة. ثم تضيف قائلة:
((القيثارة
ولدت من رحم آلة الحرب والقنص والصيد من القوس والنشاب. لنتصور ان انسانا مرهفا
عاش تقاليد الصيد والقنص والحروب وفي اعماقه حبا للهرب من سفك الدماء والقتل، فلم
يجد امامه وهو المحبط غير ان يشد ويرخي وتر القوس، وحينها ولدت نغمات ممزوجة بمتعة
صوفية، وتكررت المحاولة لتشذيب وشد وارخاء الوتر، فخرجت نغمات انيقة لبقة تتحدث عن
الهامات روحه)).
الآثار العراقية تشهد على ان العراقي ظل دائما متعلقا بالفنون وبالموسيقى خصوصا..
امضت تار
حياتها وهي تسبح في بحيرة البجع وموسيقى جايكوفسكي، وتهيم مع شهرزاد وريمسكي
كورساكوف، منذ إن كانت ابنة الخامسة. تستولى الموسيقى على كيانها كليا. ان اتقانها
للتركمانية(والتركية) لغة امها، والكردية لغة والدها، والعربية لغة بلادها،
بالاضافة الى الانجليزية اللغة التي يتخاطب بها افراد العائلة في كثير من الاحيان
بحكم اقامتهم في الخارج، كل ذلك هيأ لتارا الجاف جوا ثقافيا تتتزاوج فيه لغات و
ثقافات حضارات متنوعة. كانت دائمة الاستماع الى موسيقى متعددة الاصول ومختلفة
الايقاعات ولكنها تجزي الالهامات وتغذيها. كذلك استمرت بالتدريب على العزف على
البيانو والتدريب الموسيقى المتواصل والجاد منذ الطفولة، كل ذلك عزز الالتصاق
بالحس الموسيقى.
مدرسة
الموسيقى في بغداد تعتبر بداية نشأتها الفنية،حيث تعددت الاصول الثقافية واللغوية
والدينية للطلبة المتسبين اليها. هذا الغنى الثقافي العراقي اتاح لتارا التواصل مع
التراث المحلي العراقي بمختلف تنوعاته، فكان الطلاب من ارمن واشوريين وعرب واكراد
وتركمان وغيرهم، في جو يتجانس ويتناغم مع الخلفية العائلية. لكن للأسف الشديد لم
يقدر لهذه الغنى الثقافي الوطني ان ينمو بصورة صحية، بل تغلب عليه اسلوب ساد
العراق في خنق وقتل كل البذرات الطيبة. وكانت مدرسة الموسيقى من اول ضحايا هذه
الوضعية الشاذة، اذ تحولت الى مدرسة تغذي افكار الطلاب بسموم البعث. فأضطرت تارا ان
تهجر المدرسة التي كانت بيتها الثاني وتنسل الموسيقى من ثنايا روح تارا بعيدا جدا
وتختفي في اعماق المجهول.
هكذا التحقت تارا
بمدرسة اعتيادية، حيث تختفي من مناهجها ودروسها كل رقة الروح الفنية الموسيقية
وتظهر بقسوة وخشونة متطلبات بعيدة عن رهافة الفن والموسيقى. الدروس تمجد افكار
بعيدة عن السمو والحياة والفن، واللغة العربية التي تتقنها تارا محدوة الافق. هكذا
اصيبت تارا بخيبات من كيفية تعامل الطالبات معها وتاكيدهم على القصور اللغوي
وجهلهم للأبعاد الفنية والملكة المرهفة التي تتملكها. انزوت تارا مع آلاتها
الموسيقية في البيت حيث اقيم جدار سميك بين الموسيقى والمدرسة التقليدية التي تهتم
بحشو مواد بعيدة عن الثقافة وسمو الفنون. الا ان تارا ظلت تواصل تعلقها بالموسيقى حيث
تهرب اليها تخلصا من التعسف والاحباط المدرسي. مع الاعوام اصبحت اول فتاة تعلم
نفسها كيفية العزف على الة ( الجيتار الغربي)، وتنتج شريط موسيقى من تأليفها
وتوزعه على الأهل والمعارف. تتيقن تارا ان الموسيقى هي ما ترغبه حقا وما تسعى اليه،
وعليها تذليل كل العقبات لتسمو بروحها في عوالم النغمات المبدعة. تبقى القيثارة
السومرية في البال تتيه ضائعة بين الممكن والمتوفر.
في اول الشباب
تهجر تارا بلادها وبغدادها العزيزة، لترحل الى اوربا حيث التنوع الموسيقى وموسيقى
الشباب. هناك تنغمر في الموجات الشبابية حيث تستمع الى بوب ديلون وغيره وتعزف مع
فرق من حضارات متعددة. بجهد فردي تتابع تدريباتها الموسيقية على آلات جديدة لتزداد
معرفتها الموسيقية غنا وتألقا.