العلامة مصطفى
جواد، تركماني خدم اللغة العربية
أوميد كوبرولو
التركمان شريحة مثقفة واعية من الشعب العراقي الأصيل صاحب أقدم
الحضارات الإنسانية على الأرض، حضارة وادي النهرين . قدموا خدمة جليلة للعراق وفي
كافة المجالات الحياتية وخصوصا علوم اللغة والفقه والفلسفة والثقافة والفنون منها.
فكما كان للتركمان علماء وفلاسفة وعباقرة من أمثال الفارابي والبيروني
وغيرهما من القادة العظام الذين دافعوا عن حياض الوطن العراقي الغالي، من أمثال
البطل عمر علي ومصطفى راغب باشا وغازي الداغستاني وعبدالله عبدالرحمن ويالجين عمر
عادل وعصمت صابر. كذلك كان للتركمان أدباء وكتاب ولغويين كثيرين خدموا اللغة
العربية بنتاجاتهم الثقافية الإبداعية ومؤلفاتهم الكتابية واللغوية. فكان للتركمان
شعراء وكتاب كثيرين ألفوا قصائدهم وكتبوا قصصهم وكتاباتهم بالعربية أيضا
إضافة إلى لغتهم الأم التركمانية، وفنانين كبار إحترفوا فن الخط العربي وأبدعوا
فيها أكثر من الخطاطين العرب أنفسهم، وقراء المقامات العراقية المشهورين
والموسيقيين. فهناك المئات من أمثال عماد الدين نسيمي البغدادي وفضولي وهجري ده ده
وخضر لطفي ومحمد صادق وشاكر صابر ضابط
والملا طه كركوكلي ورشيد
كوله رضا وعزالدين نعمت ومحمد عزة الخطاط.
مصطفى جواد واحد من اولئك المثقفين الاصلاء. انه من عمالقة
اللغة العربية البارزين في العراق خدموا اللغة العربية وأسسوا قواعدها. فالمرحوم
مصطفى جواد كان ولازال رمزا تركمانياً خالداً خدم العراق وشعبه طيلة حياته فكان معلما ومربيا
ورائدا وأديبا وفنانا وفيلسوفا وعبقري، وكان رجلا بكل معنى الكلمة وللتركمان حق
بالافتخار به. فبالرغم من كونه تركمانيا علم العرب لغتهم وقال كلمته
المشهورة " جئت لأعلم العرب لغتهم" فرحمه الله كان موضع فخرنا
واعتزازنا. وسيبقى كذلك للأجيال التركمانية القادمة.
عرف العراقيون الذين عاصروا الفقيد مصطفى جواد رحمه الله من خلال برنامجه
الإذاعي المشهور (قل ولا تقل). ذلك البرنامج اللغوي الشيق والذي كان يتابعه الصغار
والكبار. ذلك البرنامج الذي كان فيه
المرحوم يبسط اللغة العربية للمستمع العام وللمختص اللغوي وبحرفة الكتابة في آن
واحد. فكان من أبرز أعلام اللغة
العربية في القرن العشرين. وكان عضوا نشيطا في المجاميع اللغوية والمجالس الثقافية
ومحققا لغويا ومؤرخا ثقة في نتاجاته ودراساته في شتى اختصاصات اللغة العربية
وتاريخها. وكما كان من رافعي مشاعل النهضة الأدبية وموسوعة معارف في اللغة
والبلاغة.
ولد المرحوم مصطفى جواد عام 1904 من أبوين تركمانيين في محلة شعبية في
الجانب الشرقي من بغداد. وتنقل طفولته بين بغداد وقضاء الخالص التابعة لمحافظة
ديالى. وتعلم في الكتاتيب ومن بعد في المدارس قارئا القرآن الكريم وحافظا له. ودرس
في المدرسة الجعفرية ومدرسة باب الشيخ بعد دخول الإنكليز العراق محتلين. وبعد
تخرجه من دار المعلمين
عام 1924 تعين معلما في مدرسة الناصرية ثم البصرة وبعدها في مدرسة الكاظمية
ببغداد. وبعدها سافر إلى فرنسا لإكمال دراساته العليا هناك والعودة عام 1939 بعد
نيل شهادة الدكتوراه مدرسا في معهده الذي تخرج منه وساهم في التدريس فيه وأيضا في
كلية التربية التي ورثت المعهد بعد تأسيس جامعة بغداد. وفي عام 1962 أنتدب للتدريس
في معهد الدراسات الإسلامية العليا وعين عميداً للمعهد المذكور بعد عام. وواصل النشر والكتابة
والبحث في تلك السنوات رغم اشتداد آلام مرض القلب عنده والذي طال به. وتوفي
في بغداد التي ولد فيها تاركا خلفه كنزا ثمينا من آثاره ومؤلفاته المختلفة
في شتى ميادين المعرفة. وبلغت مجموعها 46 أثراً، نصفها مطبوع ونصفها الآخر مازال
مخطوطا. وفضلا على ذلك فكان للمرحوم العديد من المؤلفات المشتركة ومقالات ودراسات
منشورة لم تجمع بعد. وبالإضافة لكونه من عباقرة اللغة العربية وموسوعة معارف في
البلاغة والسير والأخبار والآثار، كان رحمه الله مؤرخا معروفا وله مصادر تاريخية
موثوقة يرجع إليها الباحثين والمهتمين في شؤون التاريخ. فكانت حياته الثقافية
حافلة بالإبداعات في البحث والتنقيب والتخصص في اللغة وتاريخها فألف وحقق ما
يثريها ويعمق من معرفتها والتمعن بها، باذلاً جهوده في الإحاطة بها وتدريسها لأكثر من خمس
وأربعين سنة.
الكتاب الذي يذكر بالبرنامج الاذاعي الشهير في اعوام
الستينات(قل ولا تقل) والذي كان يقدمه مصطفى جواد
من كتب
الأستاذ العلامة المرحوم مصطفى جواد والتي أعادت دار المدى بدمشق نشرها
كتاب (الضائع في معجم الأدباء). وبتقديم تلميذه الوفي له الدكتور عناد غزوان. حيث
كتب الدكتور بحق المرحوم مصطفى جواد قائلا " يقف مصطفى جواد علماً بارزاً من أعلام
النهضة العربية في ثقافتنا وحضارتنا وفكرنا وتاريخنا الإنساني. فقد كان -
رحمه الله - عاشقا طبيعيا للحقيقة، مخلصا لها، مترصدا إخلاصه فيها،
عائما بها ولذاتها. تلك الحقيقة هي حبه العميق للغة العربية لغة الحضارة والفكر
الإنسانيين. كان موسوعة معارف، في النحو والخطط والبلدان والآثار، (أعانه على ذلك
حافظة قوية وذاكرة حادة، ومتابعة دائمة، حتى غدا في ذلك مرجعا للسائلين والمستفتين،
فنهض بما لا ينهض به العصبة أولو القوة. فكان أمة كاملة في رجل. وعالما في عالم،
ومدرسة متكاملة قائمة بنفسها). وخدم اللغة العربية أكثر من لغة أمه التركمانية وقضى
عمره في كتابة قواعدها الصحيحة وكتابة التاريخ العراقي والعربي. حيث ألف كتب
ومصادر مهمة وموثوقة يستند الباحثون والكتاب وذوي الفكر عليها. فكان عالماً، عبقرياً، لغوياً، كاتباً،
شاعراً ومؤرخاً عظيماً رفع رؤوسنا عالياً بين أشقائنا العرب واستحق
فخرنا واعتزازنا الكبير به فرحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
(اضافة صحفية)
ـــــــــــــــ
العلامة مصطفى جواد والضائع من معجم الأدباء
في حارات بغداد القديمة امضى مصطفى جواد طفولته
العلامة
العراقي الفقيد مصطفى جواد اشهر من ان يعرف بعد ان كان على لسان كل من سمع برنامجه
الاذاعي الناجح (قل ولا تقل) والذي بسط فيه اللغة العربية للمستمع العام وللمختص
بحرفة الكتابة واللغة. ولا يختلف عليه اليوم احد من انه احد ابرز اعلام اللغة
العربية في القرن الماضي.
ومن كتبه التي اعادت دار المدى بدمشق نشرها كتاب: الضائع من
معجم الادباء. بتقديم الدكتور عناد غزوان. تلميذه الوفي له ولدراسة الادب واللغة
والنقد الادبي، بحثا وتدريسا واهتماما وسهرا على ما غرسه العلامة الراحل بنفوس
محبي لغتهم وتراثها الانساني من خصال يتحسر المرء عليها اليوم.
كتب الدكتور غزوان: يقف مصطفى جواد علما
بارزا من اعلام النهضة العربية في ثقافتنا وحضارتنا وفكرنا وتاريخنا الانساني. فقد
كان - رحمه الله - عاشقا طبيعيا للحقيقة، مخلصا لها، مترصدا اخلاصه فيها، عائما
بها ولذاتها. تلك الحقيقة هي حبه العميق للغة العربية لغة الحضارة والفكر
الانسانيين. كان موسوعة معارف، في النحو والخطط والبلدان والاثار، (اعانه على ذلك
حافظة قوية وذاكرة حادة، ومتابعة دائمة، حتى غدا في ذلك مرجعا للسائلين
والمستفتين، فنهض بما لا ينهض به العصبة اولو القوة. فكان رجالا في رجل. وعالما في
عالم، ومدرسة قائمة بنفسها). واشار الدكتور غزوان (الى ان استاذه جواد كان قد استمد قدرته الفائقة في الدرس
والبحث والاجتهاد الفردي من بيئته واساتذته ومجالس العلماء الذين التقاهم واطلع
على مكتباتهم العامرة بمصادر اللغة والادب العربي والتاريخ الاسلامي فضلا عن
موهبته النادرة في الاستقراء واستنباط الاحكام واستقراء الرأي، تلك الموهبة التي
صيرها اجتهاده الذاتي وجده المتواصل موسوعة علمية ليس من السهل مضاهاتها، موسوعة
يفخر بها البحث العلمي اصالة وابتكارا وابداعا).
ترك الاستاذ الدكتور مصطفى
جواد اثارا ثقافية مختلفة في ميادين المعرفة التي احبها وافنى عمره فيها تقدر
باكثر من 46 اثرا نصفها مطبوع ونصفها الاخر مازال مخطوطا، فضلا عن المؤلفات
المشتركة ومقالات ودراسات منشورة لم تجمع بعد، تشير كلها الى طول باعه وجليل علمه
وحجة لغته وثبت تاريخه ومرجعية ما نشره وابدع او اجتهد فيه.
وقيم الدكتور غزوان هذا
الجهد العلمي لأستاذه الفقيد بانه جهد علمي رصين يوضح بجلاء الدقة في استقراء
الخبر وتثبيت الحقائق وايراد الرواية واثبات الوفيات وذكر التصانيف والتأكد من صحة
الاخبار والانساب، توضيحا يظهر مصطفى جواد عالما ثبتا ومؤرخا اديبا امينا ومحققا
صادقا في ضوء ما عثر عليه من ترجمات جديدة اهتدى اليها من خلال مطالعاته وتصفحاته
البارعة والذكية فتكون لديه هذا البحث الذي نلحظ فيه اهتمام مصطفى جواد بالادباء
وحب العلم والطلب مشغوفا باخبارهم متطلعا الى انبائهم واحوالهم ومصنفاتهم واقوالهم
واشعارهم، كل ذلك بروح العالم المدقق والمحقق المنصف الامين..
وفي تقديمه للكتاب المخطوط
قبل ان يتولى الاستاذ غزوان تقديمه كتب الاستاذ مصطفى جواد صورة عن عمله ومصدرها،
تعريفا وتقديرا وتوضيحا لعمله ودوره فيما قام فيه، مبيناً ان ارشاد الاريب الى معرفة الاديب المعروف ايضا بمعجم
الادباء كان قد شرع في طبع ماوجده المستشرق المشهور (د.س مرغليوث) سنة 1907 وهو
يومئذ استاذ الادب العربي في جامعة اوكسفورد بانجلترا. وكان الطبع في مطبعة هندية
بشارع المهدي بالازبكية من القاهرة. وقد اخرج الجزء الاول سنة 1907 ايضا، ثم اخرج
الجزء الثاني سنة 1910 وكان ناقصا. وفي بحثه فيه اكتشف نقصه وما لم يكمله المحقق
او الناشر واضاف له ما هو اصح واقرب الى الحقيقة منه. وبيّن انه عثر عليه في
مطالعاته وقراءاته الكثيرة والمتفحصة لكتب التراث واللغة واضاف له ما يكمله واحرى
به حسب منهجه الذي ثبته في تقديمه: وقد فات ياقوتا ذكر فريق من الادباء، فمنهم من
لم يطلع على تراجمهم، كما يدل عليه كتاب (بغية الوعاة) للسيوطي، ومنهم من لم يجدهم
حريين بان يذكروا في معجمه مع انه نبه على ادبهم في معجم البلدان بحسب مواضع
بلدانهم، فالمهملون استخمالا منه او غفلة منه عنهم ليسوا في عداد الذين عقدت هذا
البحث في ذكرهم، وانما عقدته فيما ضاع من التراجم من معجم الادباء حسب، وعثرت عليه
في مطالعاتي وتصفحاتي، واضفت اليه اشياء اخرى للافادة، وهو تراجم لـ (ست واربعين) علماً جديداً فاتت على ياقوت الحموي، الذي كان من اعظم
الجغرافيين العرب المسلمين في عصره بين القرنين السادس والسابع للهجرة، في ذلك
العصر الذي كادت فيه المادة العربية والاسلامية توشك ان تضيع في طوفان الفتن
المتلاحقة والمصائب المتتابعة، وهو اديب موسوعي في ترجماته واسفاره آثر الاختصار
والاعجاز في نهاية الاجاز على حد تعبيره في تأليفاته الموسوعية، والتي اضاف لها
مصطفى جواد ما اعتبره ضائعا من معجم الادباء ارشاداً للأجيال الجديدة وحفاظاً على
موروث ثمين لابد من التواصل معه واستمرار ما يغني الأمة ويتابع المهمة.