الفصل الثاني

الأسلام الشيعي العراقي

 

 عشتار البرزنجي ـ هلسنكي

 

 

يمكن القول بكل يقين ، ان التشيع الحقيقي في التاريخ هو عراقي الهوية . صحيح ان بذور التشيع بمعناه السياسي العمومي والمحدود جدا قد بدأ في المدينة المنورة حول الامام علي(ع) اثناء الجدل حول من هو الأحق بالخلافة .. لكن التشيع بمعناه الشعبي والروحي والفكري والمذهبي والطقوسي قد تأسس في العراق وصنعه العراقيون، لا غيرهم.  لقد بدأ هذا التشيع الحقيقي في اول الأمر كنوع من التعاطف والتشيع حول الامام علي(ع) لأنه اختار العراق (الكوفة) كي يكون مركز الخلافة الاسلامية، بالتضاد من الأمويين الذين قد اختاروا بلاد الشام(دمشق). وقد تعزز هذا التعاطف مع الامام علي(ع) الى نوع من الانتماء الى شخصيته وافكاره، بعد مقتله وقيام الامويين بالانتقام من العراقيين واذلالهم وقمع ثوراتهم، خصوصا على يد الحجاج وغيره من الولاة الأمويين. ثم انتقل هذا التعاطف والتشيع الى مرحلة اعمق حيث اتخذ بعداً طقوسياً شعبياً شبه ديني بعد واقعة كربلاء  ومقتل الامام الحسين(ع) وصحبه الابرار. هنالك من يقول ان العراقيين بحسهم الاسطوري الديني الموروث من ايام بابل وآشور هم الذين أضفوا على واقعة كربلاء هذه القيمة القدسية التاريخية. وقد حل استشهاد الامام الحسين محل استشهاد السيد المسيح وقبله تموز اله الخصب. ثم استمر هذا الاشتغال العراقي على التشيع من خلال تقديس الأئمة وأحفاد علي وفاطمة ( ع ) بصورة طقوسية وسياسية عبر الثورات ضد الدولة الاموية وقيادة كل الفئات والشعوب التي عانت من العنصرية والقمع الاموي. وقد بلغ هذا التمرد العراقي(الشيعي) ذروته بنجاح الحركة العباسية التي كانت شيعية الأساس، لكنها انقلبت عليهم بعد استلام السلطة. ليست صدفة ابداً أن العراقيين بعد انتصارهم على الأمويين اصروا على ان تكون بلادهم مركز الخلافة الاسلامية، فاصبحت بغداد عاصمة الخلافة لخمسة قرون. واستمر اشتغال العراقيون على التشيع حتى نقلوه من مرحلة التعاطف الشخصي والانتماء السياسي والايمان الطقوسي، الى مرحلة متقدمة جدا هي مرحلة صنع الافكار والمذاهب. ففي بغداد نشأت غالبية الافكار والمذاهب الشيعية، مثل الجعفرية والاسماعيلية واخوان الصفا والقرمطية وغيرها. وليس بالصدفة ابدا ان يصر شيعة العراق على ان تكون مرجعية شيعة العالم اجمع في بلادهم وبالذات في النجف وريثة بابل عاصمتهم الابدية .

 

العقيدة

 

يعتمد الشيعة في عقيدتهم على أن النبي محمد(ص) قد نص في حياته حسب ما يفهموه من الأحاديث المتواترة والموثقة في حديث الغدير على أن الإمام والخليفة من بعده هو علي بن أبي طالب(ع) : فقد قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) واعتبروا هذا التعيين نصا وتبليغا من الرسول عليه السلام على خلافة علي بن أبي طالب على جميع المسلمين بعد الرسول مباشرة. ويأخذ الشيعة بالمذهب الفقهي الجعفري الذي ينسب للإمام جعفر الصادق والذي تم الاعتراف به من قبل الجامع الأزهر .

يعتمد الشيعة في علومهم وفي تلقي الدين على ما تم توارثه من أئمة آل البيت، وينكرون الإحتجاج من غيرهم كالصحابة. ولا يؤمن الشيعة بعدالة جميع الصحابة وبذلك فإنهم لا يصححون كثيرا مما صح عند أهل السنة في كتب الحديث السنية من أمثال صحيح البخاري أو صحيح مسلم. إلا أن لهم في ذلك مصادر أخرى متعددة من كتب الحديث أمثال كتاب من لا يحضره الفقيه و كتاب الاستبصار وكتاب الكافي للإمام الكليني وغيره. فالشيعة هم القائلون بوجوب الإمامة والعصمة ، ووجوب النصِّ من الله سبحانه وتعالى على الإمام ( ع ) بواسطة النبي ( ص ) ، حيث نصَّ على ولاية علي بن أبي طالب ( ع ) يوم الغدير .

أصول الدين عند الشيعة

أصول الدين لا يجوز فيها التقليد , بل على كل مكلّف أن يعرفها بأدلّته وهي اعتقاد وايمان:

·     التوحيد : وهو ان يعرف الانسان إلها خلقه, واوجده من العدم وبيده كل شئ, فالخلق , والرزق والاعطاء والمنع, والاماته , والاحياء , والصحة , والمرض, كلها تحت ارادته ( انما امره اذا اراد شيئا يقول له كن فيكون) وهو الله جل جلاله .

·     العدل : ان الله جل جلاله عادل لا يظلم احدا ولايفعل ما ينافي الحكمة, فكل خلق أو رزق أو عطاء او منع , صدر عنه هو لمصالح , وان لم نعلم بها ,كما ان الطبيب اذا داوى احد بدواء علمنا ان فيه الصلاح , وان لم نكن نعرف وجه الصلاح في ذلك الدواء.

·     النبوة : وهو الايمان بنبوة نبي آخر الزمان الرسول الكريم محمد ابن عبد الله (ص) واتباعه واجب كما قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم( ومن يتبع غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) صدق الله العلي العظيم

·     الإمامة : تؤمن فرق الشيعة كافة بوجود إمام يرث العلم عن النبي محمد (ص) و هو المسؤول عن قيادة الأمة الإسلامية بتكليف من الله عز و جل , ففي الاعتقاد الشيعي ان الله تعالى لن يترك الأمة الإسلامية بدون قائد مكلف.

·     المعاد : ان الله تعالى يحيي الانسان بعد موته ليجزي المحسن بما احسن و يجزي المسيئ بما اساء فمن امن وعمل الصالحات , يجزيه الله بالجنة, ومن كفر وعمل السيئات , يجزيه بجهنم .

فروع الدين عند الشيعة التي يمكن فيها التقليد :

الصلاة ، الزكاة ،الصوم ،الحج ،الخمس ،الجهاد ،الأمر بالمعروف ،النهي عن المنكر ،الولاء لأولياء الله ، البراء من أعداء الله

مناطق الانتشار

يتركز تواجد الشيعة الإثنا عشرية بنسبة كبيرة في العراق، كذلك في  ايران وأذربيجان والبحرين, وبنسبة مهمة في كل من الكويت ولبنان وفي مناطق عدة كالقطيف والأحساء والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية وفي مسقط و الباطنة في سلطنة عمان، وباقي دول الخليج الفارسي و باكستان وافغانستان والهند وفي دول آسيا الوسطى .ويتواجد الشيعة الإسماعيلية في نجران في المملكة العربية السعودية والهند , أما الشيعة الزيدية فيتركز تواجدهم في اليمن. ويتواجد العلويون في منطقتي تركيا و سوريا .

 

الشيخ شلتوت امام الازهر في مصر، من اكبر دعاة التقارب

بين السنة والشيعة، وكان يردد ( انا سني واحب الشيعة)

 

الخلاف السني الشيعي

يعود تاريخ الخلاف الذي يعرف اليوم بالخلاف السني-الشيعي في أصوله إلى خلاف سياسي ظهر مع عصر الخلفاء الأربعة المعروفين عند السنة بالخلفاء الراشدين، وهو يدور اليوم بشكل رئيسي حول إمامة علي بن أبي طالب و أحقيته بالخلافة والنزاع الذي دار بين علي و معاوية من جهة و علي و أصحاب الجمل من جهة أخرى بعد فتنة مقتل عثمان . إلا أن هذا الخلاف ما لبث ان تعمق بعد ذلك وخاصة بعد ما لقي الشيعة على يد الحكام الأمويين والعباسيين والذين بذلوا كل ما يستطيعون لتضييق الخناق على أئمة الشيعة وأتباعهم مما زاد من الهوة بين الحكم و الشيعة و زاد من احساس الفرق الشيعية بالظلم .

 

 

 و رغم أن الخلاف بدأ سياسيا وعقائديا يتناول مسألة الإمامة وأحقية الخلافة إلا أنه تحول بعد ذلك الى خلاف عقائدي و فقهي أعمق عندما ترسخت نظرية الإمامة الشيعية والتي تعتقد أن الإيمان بإمامة آل البيت من أصول الدين وظهور المذاهب الفقهية الأخرى المخالفة . و كان الشيعة يخطئون أبو بكر و عمر و ليس معاوية وحده (كان الكثير من أئمة أهل السنة يؤيدون نظرة الشيعة في تخطئة معاوية في خروجه على علي بن أبي طالب ).

كما إن بعض الفكر الشيعي كالإسماعيلي تطور فيما بعد بتبني مجموعة الأفكار العرفانية مما أبعده أكثر عن طرق الفقهاء المسلمين إلى أن تشكلت فرق الصوفية ضمن أهل السنة و التي نافست الشيعة الإسماعيلية على تبني الأفكار العرفانية .

فرق الشيعة : أنقسم الشيعة الى عدة مذاهب فرعية و فرق أساسية من اهمها واكبرها (الجعفرية، اي الاثنى عشرية) في العراق وايران وباكستان ولبنان والسعودية والخليج العربي ، كذلك(النصيرية أو العلوية) في سوريا وتركيا،، ثم(السبعية الإسماعيلية) في وسوريا وباكستان ، ثم (الزيدية) في اليمن ..
تعتبر الشيعة الامامية او الاثنى عشرية المذهب السائد لدى شيعة العراق
. هو أكبر المذاهب الشيعية، يسمى ايضا بالجعفرية نسبة الى الإمام جعفر بن محمد الصادق سادس أئمة الشيعة ، يؤمن الإثني عشرية بوجود اثني عشر إماما معصوما ومنصوصا على كل واحد منهم بالامامة من سابقه. هؤلاء الأئمة يبدأون بعلي بن ابي طالب وينتهون بـ محمد بن الحسن العسكري (المهدي المنتظر) الذي ولد في اواسط القرن الثالث الهجري ، ويعتقدون انه غاب وما زال حيا وسيخرج "ليملأ الدنيا عدلا وقسطا".

وأنقسمت مدارس الإثني عشرية إلى: الأصولية ، الإخبارية ،الشيخية

هذا وتعد المدرسة الشيعية الأصولية من أكبر تلك المدارس وينتسب لها أكثر علماء الشيعة المعاصرين وأهم حوزات تلك المدرسة حوزتي النجف في العراق  ثم تليها  قم في ايران . و من ابرز مراجع الطائفة الشيعية المعاصرين آية الله العظمى محمد حسين فضل الله و اية الله السيد علي السيستاني و آية الله السيد علي الخامنئي وآية الله السيد الشيرازي وآية الله الميرزا جواد التبريزي راجع رجال الدين الشيعة .

الشيعة الاصولية و الشيعة الاخبارية
الامامية الاصوليون وهم معظم شيعة العالم و مراجعهم معروفين منهم السيد الخامنئي السيد فضل الله والسيد الس
يستاني والشيخ الفاضل لنكراني والشيخ مكارم الشيرازي ...الخ. الشيعة الامامية الاصولية تقول بالاجتهاد والتقليد وان مصادر التشريع عندهم اربعة 1- القرآن 2- السنة 3- الاجماع 4- العقل.

أما الامامية الاخباريون يقولون بالاجتهاد والتقليد ولكن يجوزون تقليد الميت من البداية وهي مسألة خلافية بين الفقهاء ومن مراجعهم الشيخ امين زين الدين المتوفى حديثاً في النجف الاشرف رحمة الله عليه وان مصادر التشريع عندهم 1- القرآن 2- السنة، وعندهم ان الايات والاحاديث كافية لاستنباط الاحكام وهذا ما يتفق عليه جميع الشيعة الاصولية والاخبارية والنتيجة ان الاخباريون والاصوليون في طريقة استنباط الاحكام واحدة وهي الاجتهاد . ان الاصولية والاخبارية متفقان في اصول الدين (لا غلو) وفروعه .

 

 

أئمة الإثـني عشرية ( المعصومين )

الإمام المعصوم عند الشيعة هو أحد الأئمة الإثني عشر من نسل الإمام الأول علي بن أبي طالب الذين توارثوا العلم والحكمة عن النبي محمد (ص) و علي بن أبي طالب (ع) , و هم أئمة معصومين في التبليغ عصمة الأنبياء , و كلامهم تشريعي يعتبر بمثابة الحديث النبوي في تفسير الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية . و بهذا يشمل كتب الحديث عند الشيعة : حديث النبي (ص) الذي قد يكون منقولا من ألسنة الأئمة أو أحاديث الأئمة أنفسهم أيضا :

علي بن أبي طالب (المرتضى) مدة إمامته 30 سنة ( 632 – 661 ) ( مرقده في العراق ـ النجف)

الحسن بن علي (المجتبي) مدة إمامته 10 سنوات (661–669) ( مرقده في سوريا )

الحسين بن علي (الشهيد) مدة إمامته 11 سنة ( 669–680 )( مرقده في العراق ـ كربلاء)

علي بن الحسين (السجاد) مدة إمامته 35 سنة ( 680 – 713 ) ( مرقده في العراق )

محمد الباقر مدة إمامته 19 سنة ( 713–743 )

  جعفر الصادق مدة إمامته 34 سنة ( 743–765 )

موسى الكاظم مدة إمامته 35 سنة ( 765–799 ) (مرقده في العراق ـ بغداد)

علي الرضا مدة إمامته 20 سنة ( 799–818 )

محمد الجواد مدة إمامته 17 سنة ( 818–835 )

10ـ علي الهادي مدة إمامته 33 عاماً ( 835–868 )  ( مرقده في العراق – سامراء )

11ـ الحسن العسكري مدة إمامته 6 سنوات ( 868–874 )(مرقده في العراق ـ سامراء)

12ـ محمد المهدي مدة إمامته ممتدة، وهو حي ومرتقب الظهور( 874 – ... )(مولده وغيبته في العراق ـ سامراء)

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة