دول شيعية

الدولة المشعشعية في الاحواز وجنوب العراق

 

نادية عمر جاسم ـ بغداد

 

كانت اهوار الاحواز وجنوب العراق مركز الدولة المشعشعية..

 

عرف التاريخ الاسلامي قيام ابرز دولة شيعية(اسماعيلية) هي الدولة الفاطمية في المغرب ثم مصر التي دامت حوالي ثلاثة قرون بين العاشر والثاني عشر الميلاديين. كذلك قيام الدولة البويهية في شمال ايران بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين ودامت اكثر من قرن، وفرضت نفسها كذلك على الدولة العباسية في العراق .

أما في العراق، فلم تقم دولة شيعية كبيرة رغم ان العراق ظل مركز التشيع منذ تأسيسه ايام الامام علي (ع) حتى الآن، وهذه خاصية مهمة جدا للتشيع العراقي لم يتم منحها التركيز الذي تستحقه عند دراسة التشيع العراقي . لكن تاريخ العراق شهد قيام دولتين شيعيتين على ارضه، هي الدولة الحمدانية في شمال العراق(الموصل كذلك حلب)، تقريبا طيلة القرن العاشر الميلادي. كذلك قامت دولة شيعية في جنوب العراق والاحواز هي (الدولة المشعشعية)  ومركزها في مدينة (الحويزة) الاحوازية، بين القرن الثالث عشر ميلادي الى القرن الثامن عشر ميلادي، أي حوالي خمسة قرون. قد أسس هذه الدولة السيد محمد بن فلاح الحويزي الملقب بـ (المهدي المشعشعي) ، ويعود نسله الى الامام علي(ع). استمرت دولته في أعقابه حتى تاريخ 1117 هـ ، وكان مؤسس هذه الدولة على جانب من التصوف ، وكان أيضا على علاقة بالشيخ احمد بن فهد الحلي ( - 841) الذي كان يسكن مدينة كربلاء في العراق . ولكن نظرية الدولة (الملكية) لم تقم على أساس (نيابة الفقيه العامة) بالرغم من قول الشيخ الحلي في (المهذب البارع) .

 وكان فقيه كبير آخر هو الشيخ جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلي ( - 826) المعاصر لهذه الدولة (المشعشعية) قد التزم أيضا بنظرية (الانتظار) في معظم أبواب الفقه ، ما عدا الحدود التي قال بصورة ضعيفة : بإمكانية إقامة الفقهاء لها في (عصر الغيبة) حيث قال: قيل يقيم الفقهاء الحدود في زمان الغيبة ... و صلاة الجمعة التي قال : ان الفقيه المأمون يجوز الإقتداء به في الجمعة كما ينفذ أحكامه حال الغيبة . وبالرغم من مشاركة عدد من الفقهاء في السلطة وادارة الدولة المشعشعية كالسيد نور الله بن محمد شاه المرعشي التستري والقاضي عبد الله بن الخواجة حسين التستري ، إلا انه لا يوجد لدينا أي دليل على ارتباط الدولة أو قيامها على أتساس نظرية (النيابة العامة) التي لم تكن قد تحولت بعد إلى نظرية سياسية .

  ما لبثت ان اتسعت هذه الدولة حتى شملت مناطق واسعة من ارض العراق ، حتى بغداد . وكانت النقود تضرب باسم المشعشعين في مدينة (( تستر )) و (( دسبول - قنطرة القلعة )) وهما مدينتان احوازيتان عام 914 هـ / 1516 م . استكملت دولة المشعشعين سيادتها على الاحواز كلها وعلى المناطق المجاورة لها ، في الوقت الذي لم يكن فيه للفرس اي وجود سياسي ، وبقيت فارس طيلة العصور الوسطى مجرد تعبير جغرافي . ولكن في عام 1501 م أنشأ اسماعيل الصفوي الدولة الصفوية ، وذلك أيام حكم المشعشعين في عربستان ، فبدأت عندئذ مرحلة متميزة من مراحل تاريخ المنطقة ، اذ ظهر الصفويون كقوة جديدة مقابل قوة العثمانيين ، وبدأ بينهما صراع حاد أصبحت فيه عربستان احدى ساحاته . فقد تعرضت عربستان لهجوم فارسي صفوي وتم احتلال مدينتي دزفول وتستر الشماليتين لفترة وجيزة ، وعندئذ ظهر مبارك بن عبد المطلب بن بدران الأمير المشعشعي الذي حكم من عام 1588 م الى عام 1616 م ويعتبر حكمه عصرا ذهبيا لأمارته حيث استطاع فرض سيطرته على أنحاء عربستان كلها ، وطرد الفرس الغزاة واسترد مدنه الشمالية منهم .

وقد خاضت الدولة المشعشعية عدة معارك ضد الفرس كان الانتصار حليفهم فيها . كما انها ضمت البصرة والقرنة اليها فترة من الزمن . وبصورة عامة فانها استطاعت ان تحافظ على استقلال الأحـواز بعيدا عن الفرس والعثمانيين . وقد انتهى حكم الدولة المشعشعية سنة 1724 م ، حيث قامت دولة احوازية ثانية هي (إمارة بني كعب) حتى احتلال الاحواز من قبل الايرانيين في اوائل القرن العشرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدولة الحمدانية في الموصل وحلب

 

خارطة الدولة الحمدانية الشيعية في الموصل وحلب

 

ان البداية الحقيقية لظهور الحمدانيين على مسرح الأحداث ترجع إلى مؤسس هذه الأسرة "حمدان بن حمدون التغلبي" صاحب قلعة "ماردين" القريبة من "الموصل"، وذلك عندما خاض حمدون على رأس جنوده عدة معارك قوية ضد الروم، إلا أن بداية علاقتهم الفعلية بالعباسيين لم تتحدد إلا بعد عام (272هـ =885 م)، عندما تحالف مع "هارون الشاري" الخارجي، واستطاعا غزو الموصل والاستيلاء عليها، وقد أدى ذلك إلى ثورة الخليفة العباسي المعتضد وغضبه عليه، فقبض عليه وحبسه.

ومع استفحال أمر "الشاري" ظلّ الخليفة يفكر في وسيلة للقضاء عليه، ووجدها "الحسين بن حمدان" فرصة لإظهار قدراته واكتساب ثقة الخليفة وإطلاق سراح أبيه من الحبس، واستطاع الحسين هزيمة الشاري بعد معركة قوية، وأسره وقدّمه إلى الخليفة يرسف في أغلاله؛ فسر الخليفة بذلك، وأطلق سراح أبيه، وبدأ مرحلة جديدة من التعاون مع بني حمدان؛ فاستعان بهم في محاربة القرامطة والتصدي لخطرهم، كما وجههم إلى العديد من الفتوحات في فارس ومصر والمغرب.

وهكذا استطاع الحمدانيون الوصول إلى أخطر المراكز، وتقلدوا أعلى المناصب، وشاركوا مشاركة فعلية في الحياة السياسية في بغداد لفترة غير قصيرة، واستطاعت الأسرة الحمدانية أن توثق صلاتها بالعباسيين، وأخذ نفوذهم يزداد، وتوغلوا في جميع مرافق الدولة، بالرغم من الدسائس والمؤامرات المستمرة التي ظلت تحاك ضدهم من بعض العناصر غير العربية في بلاط العباسيين، وبرز عدد كبير من أبناء هذه الأسرة كان في مقدمتهم الأمير "سيف الدولة الحمداني".

نهضة شاملة

وبالرغم من الطابع العسكري والحربي لدولة الحمدانيين بصفة عامة، وإمارة سيف الدولة على نحو خاص، فإن ذلك لم يصرف الأمير "سيف الدولة" عن الاهتمام بالجوانب الحضارية والعمرانية. فقد شيّد سيف الدولة قصره الشهير بـ"قصر الحلبة" على سفح جبل الجوشن، وتميز بروعة بنائه وفخامته وجمال نقوشه وزخارفه، وكان آية من آيات الفن المعماري البديع، كما شيّد العديد من المساجد، واهتم ببناء الحصون المنيعة والقلاع القوية.

وشهدت الحياة الاقتصادية ازدهارا ملحوظا في العديد من المجالات؛ فمن ناحية الزراعة كثرت المزروعات، وتنوعت المحاصيل من الحبوب والفاكهة والثمار والأزهار، فظهر البُرّ والشعير والذرة والأرز والبسلة وغيرها. كما ظهرت أنواع عديدة من الفاكهة كالتين والعنب والرمان والبرقوق والمشمش والخوخ والتوت والتفاح والجوز والبندق والحمضيات. ومن الرياحين والأزهار والورد والآس والنرجس والبنفسج والياسمين . كما جادت زراعة الأقطان والزيتون والنخيل . وظهرت صناعات عديدة على تلك المزروعات، مثل: الزيتون، والزبيب، كما ظهرت صناعات أخرى كالحديد والرخام والصابون والكبريت والزجاج والسيوف والميناء .

ونشطت التجارة، وظهر العديد من المراكز التجارية المهمة في حلب والموصل والرقة وحران وغيرها. وشهدت الحياة الفكرية والثقافية نهضة كبيرة ونشاطا ملحوظا في ظل الحمدانيين؛ فظهر الكثير من العلماء والأطباء والفقهاء والفلاسفة والأدباء والشعراء.

وكان سيف الدولة يهتم كثيرا بالجوانب العلمية والحضارية في دولته، وظهر في عصره عدد من الأطباء المشهورين، مثل "عيسى الرَّقي" المعروف بالتفليسي، و"أبو الحسين بن كشكرايا"، كما ظهر "أبو بكر محمد بن زكريا الرازي" الذي كان أعظم أطباء الإسلام وأكثرهم شهرة وإنتاجا.

ومن أبرز الفلكيين والرياضيين الذين ظهروا في عصر الحمدانيين في بلاد الشام "أبو القاسم الرَّقي"، و"المجتبى الإنطاكي" و"ديونيسيوس" و"قيس الماروني"، كما عُني الحمدانيون بالعلوم العقلية كالفلسفة والمنطق، فلَمع نجم عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين الإسلاميين في بلاط الحمدانيين، مثل: "الفارابي"، و"ابن سينا".

أما في مجال العلوم العربية؛ فقد ظهر عدد من علماء اللغة المعروفين، مثل "ابن خالويه"، و"أبو الفتح بن جني"، و"أبو على الحسين بن أحمد الفارسي"، و"عبد الواحد بن علي الحلبي" المعروف بأبي الطيب اللغوي. كما لمع عدد من الشعراء المعروفين، مثل "المتنبي"، و"أبو فراس الحمداني"، و"الخالديان: أبو بكر، وأبو عثمان"، و"السرى الرفاء" و"الصنوبري"، و"الوأواء الدمشقي"، و"السلامي" و"النامي".  وظهر كذلك عدد كبير من الأدباء المشهورين، وفي طليعتهم "أبو الفرج الأصفهاني" صاحب كتاب "الأغاني" الذي أهداه إلى سيف الدولة؛ فكافأه بألف دينار، و"ابن نباتة"، وظهر أيضا بعض الجغرافيين، مثل: "ابن حوقل الموصلي" صاحب كتاب "المسالك والممالك"…

وقد انتهت الدولة الحمدانية في اواسط القرن الحادي عشر ميلادي، ودامت حوالي القرن، ومن اشهر شخصياتها الامير (سيف الدولة الحمداني) الفارس والاديب، كذلك الشاعر الكبير (ابو فراس الحمداني)..

مصادر الدراسة:

·     البداية والنهاية: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير - تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي - دار هجر – القاهرة – (1419هـ = 1998م).

·     تاريخ بغداد: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي – دار الكتب العلمية – بيروت - (د.ت).

·     زبدة الحلب من تاريخ حلب: ابن العديم كمال الدين عمر بن أحمد هبة الله - تحقيق د. سامي الدهان - المعهد الفرنسي بدمشق - دمشق - (1370هـ = 1951م).

·     شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ابن العماد الحنبلي – دار إحياء التراث العربي – بيروت - (د.ت).

·     صُبح الأعشى في صناعة الإنشا: أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي - تحقيق: محمد حسين شمس الدين - دار الكتب العلمية - بيروت - (1407هـ = 1987م).

·      فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين: د. مصطفى الشكعة – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة – (1378هـ = 1958م).

·     القائد سيف الدولة الحمداني : د. حمدان عبد المجيد الكبيسي – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – (1409هـ = 1989م ) .

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة