الاسلام السني العراقي
د. ميسون كاظم الدليمي ـ البصرة
مثلما كان العراق اساس
الاسلام الشيعي، كذلك كان اساس الاسلام السني. يكفي القول ان اثنان من مؤسسي المذاهب الفقهية السنية الاربعة،
هم عراقيان: (الامام أبو حنيفة الكوفي) مؤسس المذهب الفقهي الحنفي، و(الامام أحمد بن محمد بن حنبل أبي عبدالله الشيباني
البغدادي) مؤسس المذهب الفقهي الحنبلي.المذهبان الآخران، أولهما مؤسسه (الامام الشافعي) وهو
فلسطيني من (غزة)، و(ألامام أنس بن مالك) وهو حجازي، ولكن أيضا لعب (العراق) و(بغداد) خصوصا دورا كبيرا في
نشأة وتعميق هذين المذهبين. ثم لا يمكن تغافل
شخصية عظيمة قدمها العراقيون في هذا المجال، الا وهو (الامام الاشعري البصري) مبدع
(المذهب الفكري الاشعري) الذي لعب دورا حاسما بتكوين الاساس الفكري للمذاهب
الفقهية السنية وانتشارها في العالم الاسلامي .
يمكن القول ان طبيعة العراقيين الابداعية وروحهم الحضارية العريقة الموروثة من
اسلافهم في سومر وبابل وآشور، قد كانت السبب الاول للعبهم هذا الدور الحاسم في
تأسيس المذاهب الاسلامية السنية والشيعية. ثم لا ننسى ان العراقيين، لم
يبدعوا فقط في صنع المذاهب، بل
ابدعو في صناعة الجزء الاكبر من الحضارة العربية الاسلامية. فهم الذين منحو اللغة العربية خطها
وتنقيطها وحركاتها ونحوها، من خلال مدرستي الكوفة والبصرة، وهم الذين جعلوا من عاصمة بلادهم (بغداد) عاصمة للحضارة العربية
الاسلامية في جميع مجالات المعرفة والثقافة .
اما بالنسبة للمذاهب الفقهية السنية، يمكن اضافة سببا خاصاً مكملاً للسبب الحضاري الطبيعي، الا وهو
العامل السياسي.. كيف؟ يلاحظ، رغم ان تأسيس المذاهب الفقهية السنية الاربعة تم
خلال القرن الثاني والثالث الهجريين( القرنين الثامن والتاسع م)، الا ان تقبلهما
وانتشارهما لم يتم الا في نهاية القرن العاشر الميلادي، اي بعد حوالي قرنين من
نشأتهما!؟ فالمقدسي وهو في أواخر القرن العاشر م، رغم ذكره جميع الفرق والمذاهب المنتشرة في زمانه، الا انه لم يتحدث ابدا
عن وجود مذاهب سنية، بل يذكر المذاهب الاربعة التالية: ( الشيعة والخوارج والمرجئة
والمعتزلة)..وجعل اصل افتراقهم قتل الخليفة عثمان(رض) الذي وحد المسلمين في قرآن
واحد ( د. وليم الخازن ـ الحضارة العباسية ـ دار المشرق ـ 1992 بيروت ـ ص 149).
وسبب انتشار المذاهب الفقهية
السنية فيما بعد، يعود أساسا الى ضعف الخلافة
العباسية واشتداد الخطر العلوي(الشيعي)، وخصوصا بعد تأسيس الدولة
الفاطمية(الاسماعيلية الشيعية) في المغرب ومصر، وثورة القرامطة في جنوب العراق
والخليج العربي، مما دفع الخلفاء العباسيين الى تشجيع المذاهب السنية كي تكون
بديلا للمذاهب الشيعية المتنامية. وأفضل دليل على ان هذه السياسة العباسية لتشجيع المذاهب
السنية، قد اتت متأخرة، يمكن الاستشهاد بالمصير المأساوي الذي تعرض له (الامام ابو
حنيفة الكوفي)، الذي سجن بأمر الخليفة المنصور وظل يتعرض للتعذيب اليومي حتى توفى
في السجن. يقال ان السبب المعلن هو رفضه منصب القضاء، لكن السبب الحقيقي يعود الى
(( ميله الى العباسيين ايام الدولة الاموية، وميله الى العلويين ايام الدولة
العباسية)) ( المصدر السابق ـ ص 150) . يعني هذا ان المذهب الفقهي السني الحنفي،
لم ينشأ في الاساس كمخالف للمذاهب الشيعية، بل تم استخدامه بهذا المعنى فيما بعد من قبل الخلفاء ويمكن الاستشهاد مثلا بدور الخلفاء
العباسيين المعروف في دعم المذهب الحنبلي: (( تأييداً للحنابلة، كتب صاحب
المخزن إلى الخليفة المستضيء بأمر الله (ت575هـ) السنة 571هـ أن يطلق يد ابن
الجوزي الحنبلي في الوعظ وتصدر مواجهة الشيعة، قال ابن الجوزي في هذا التكليف:
«كتب أمير المؤمنين بتقوية يدي، فأخبرت الناس بذلك على المنبر، وقلت: إن أمير
المؤمنين قد بلغه كثرة الرفض، وقد خرج توقيعه بتقوية يدي في إزالة البدع، فمنْ
سمعتموه من العوام ينتقص الصحابة فأخبروني حتى أنقض داره، وأخلده الحبس، وإن كان
من الوعاظ حدرته المشان. فانكف الناس، ثم تقدم في يوم الخميس عاشر شوال بمنع
الوعاظ كلهم إلا ثلاثة كل واحد من مذهب: أنا من الحنابلة، والقزويني من الشافعية،
وصهر العبادي من الحنفية» .
وفي عهد الرشيد حصر
الإفتاء بيد مالك بن أنس .
ومجاملة للحنابلة و بغية استخدامهم ضد الشيعة
أيضاً، أمر المستضيء سنة 574هـ بعمل لوح على قبر إمامهم، وبنى سترة القبر
بآجر جديد، وكتب عليه: «هذا قبر تاج السنِّة، وحيد الأمة، العالي الهمة، العالم
العابد الفقيه الزاهد، الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني» . صاحب تجديد
القبر أن «تقدم أمير المؤمنين بعمل دكة بجامع القصر (جامع الخلفاء اليوم) للشيخ
ابن المنى الفقيه الحنبلي»، قال ابن الجوزي مزهواً بما ناله الحنابلة من حظوة:
«فأتوا أهل المذاهب من عمل مواضع للحنابلة، وما كانت العادة قد جرت بذلك، وجعل
الناس يقولون: هذا بسببك، فشكرت الله تعالى على ذلك» .( راجع د. رشيد خيون ـ
الاديان والمذاهب في العراق).
المدرسة المستنصرية في بغداد، وكان مركزا لتدريس المذاهب السنية زمن الدولة
العباسية ..
تعريف
أهل السنة و الجماعة أو المذهب السني هو مذهب عدد كبير من المسلمين أطلقت على نفسها اسم أهل السنة والجماعة. يتبعون القرآن وسنة الرسول ( ص ) نصاً قولاً و فعلاً . ويقرون بالخلافة الراشدية لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي. أهل السنة يعتبرون أن مذهبهم هو الإسلام
الصافي .
أهل السنة والجماعة مصطلح واسع يستخدم بشكل خاص للدلالة على المذهب الإسلامي
السني الذين يعتمدون عليه لتمييز انفسهم عن الشيعة . هذا المصطلح يختزن مفهوما عقيديا
دينيا في كلمة السنة بأن أهل
هذا
المذهب هم متبعو السنة النبوية (أقوال و أفعال و تقارير رسول الإسلام محمد بن عبد
الله ) ومفهوما سياسيا يتبدى من خلال تأكيد فقهاء هذه الجماعة دوما على وحدة
الجماعة ومنع الفتنة , وهو موقف بدأت
بوادره في موقف الكثير من الصحابة عندما اعتزلوا الفتنة (الصراع بين معاوية وعلي )
من ثم قبلوا بحكم معاوية بعد أن استتب له الأمر خوفا من الفتنة .
مؤخرا تحاول الكثير من الجماعات الإسلامية جعل هذا المصطلح اسما للفرقة
الناجية ( المذكورة في أحد الأحاديث النبوية و الذي يقول أن الاسلام يفترق على
احدى و سبعين فرقة لا تنجو منهم الا فرقة واحدة ) و بالتالي تحاول الكثير من هذه الجماعات
احتكار هذا الاسم لها كالوهابية و الكثير من الجماعات الاسلامية , رغم ان المفهوم
التاريخي لهذا المصطلح كان يشمل جميع المذاهب السنية المتبعة لسنة الرسول محمد بن عبد الله (ص) .
يعد المذهب السني أكثر المذاهب الإسلامية أتباعا وسعة انتشار, حيث يبلغ عدد
متبعيه حوالي 90% من مسلمي العالم. كما يعد المذهب الرسمي لمعظم الدول الإسلامية
اليوم وقديما كان المذهب الرسمي للعديد من دول الإسلام السابقة شرقا
وغربا,
فعلى سبيل المثال اعتمدت الدولة العثمانية المذهب الماتريدي السني كمذهب
رسمي كما اعتمدت المدرسة الحنفية كمصدر لأحكام وتشريعات الدولة,
مع الاعتراف بالمذاهب الأخرى وتعيين قضاة ومدرسين لها.
الفقه السني
تعود نشأة المذاهب الفقهية السنية الى بداية الإسلام، و خاصة بعد وفاة رسول الإسلام محمد (ص) ، حيث اجتهد
صحابته وأتباعه و المسلمين عامة في تطبيق أقواله وأفعاله. مع انتشار الإسلام
وتوسعه وتعرضه للكثير من القضايا الجديدة
الدينية والتشريعية كانت هناك حاجة ملحة للخروج باجتهادات لهذه القضايا الفقهية
المستجدة وتلبية حاجات الناس والإجابة عن تساؤلاتهم ومن هنا نشأت جماعة من
المتفقهين (العالمين) في الدين تعلم الناس في كل إقليم شؤون دينهم و دنياهم .
إن التوسع الجغرافي للإسلام وتنوع البيئات التي انتشر بها , وأيضا قابلية
الكثير من النصوص الشرعية الإسلامية للاجتهاد فيها حسب الظروف والحالات أديا إلى
نشوء مدارس فقهية منتشرة في الأمصار الإسلامية , وأصبح لكل عالم فقيه أتباع يعملون
على نشر فتاواه وحتى العمل ضمن القواعد التي يضعها لإصدار
فتاوى جديدة .
المذاهب السنية الاربعة
المذهب الحنفي: ينسب هذا المذهب
لأبي حنيفة النعمان بن ثابت (80هـ - 150هـ)
وهو عراقي من اهل الكوفة من تابعي التابعين وهو امام أهل الرأي وفقيه أهل العراق.
واعتمد في مذهبه على الكتاب
والسنة
والاجماع والقياس والاستحسان والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا وله في علم العقيدة كتاب
الفقه الأكبر .
المذهب الشافعي: ظهر هذا الاصطلاح منذ البدايات المبكرة لنشوء المدارس الفقهية
السنية المختلفة، لكنه بالتأكيد ظهر في حياة الإمام/ محمد بن إدريس الشافعي (150-204هـ) الذي ولد
في غزة في فلسطين، وينتسب إليه الشافعية. يعتمد المذهب الشافعي في استنباطاته
وطرائق استدلاله على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي بشكل عام، لكن ليس بالضرورة
أن تتوافق آراء المذهب الشافعي مع آراء محمد الشافعي نفسه، بل قد يكون المذهب
استقر ورجح خلاف ما رجحه الشافعي، لكن الأصول وطرائق الاستدلال واحدة. ومما يذكر
أن الإمام الشافعي يعد أول من دون كتاباً متكاملاً في العلم المعروف بأصول الفقه
وذلك من خلال كتابه الشهير (الرسالة)، كما دون كتباً أخرى منها:(الحجة) وهو الكتاب
الفقهي الذي دونه أولاً في العراق
ثم أعاد تأليفه وغير مذهبه في بضع عشرة مسألة فقهية فيه عندما سكن القاهرة
وسماه(الأم).
المذهب الحنبلي: ينسب للامام أحمد بن محمد بن حنبل أبي عبدالله الشيباني(164هـ
-241هـ) ولد ببغداد ونشأ بها ورحل الى
المدن الأخرى لطلب العلم و تفقه على الشافعي حين قدم ببغداد وصار مجتهدا مستقلا
واهتم بجمع السنة وحفظها حتى صار امام المحدثين في عصره ، ولذلك يعده البعض (مثل الطبري) محدثا فقط ، لا فقيها،وأصول مذهبه قريبة من أصول الشافعي
حيث يعتمد على الكتاب والسنة والاجماع وفتوى الصحابي والقياس وعرف عنه انه يقدم
الحديث على ما سواه وإذا وجد فتوى لصحابي يقدمها على أي رأي
أو قياس. ولم يؤلف الامام أحمد
كتاب في الفقه وانما أخذ أصحابه مذهبه من أقواله وأفعاله وأجوبته لكنه صنف في
الحديث كتابه الكبير (المسند) .
المذهب المالكي: ينسب للإمام مالك بن أنس الأصبحي الحجازي(93 هـ - 179 هـ) . ويعتمد في مذهبه على الكتاب والسنة والاجماع والقياس
وعمل أهل المدينة وقول الصحابي والاستحسان وسد الذرائع والمصالح المرسلة . ينتشر المذهب المالكي على الأغلب في البحرين ، وقطر ، والكويت ، والسودان ، وبلاد المغرب العربي ، ويبلغ عدد أتباعه في العالم (45) مليوناً تقريباً.
أصول الفقه
أصول الفقه لأهل السنة تقوم على القرآن الكريم والسنة النبوية (حديث نبوي) المطهرة والإجماع والقياس. السنة
النبوية مجموعة في كتب السنة العشرة ومنها صحيحي البخاري ومسلم
وكتب السنن الأربعة كسنن أبي داود وسنن النسائي والمسانيد كمسند أحمد بن حنبل وغيرها كمصدر للاعتقاد والتشريع .
الخلاف السني الشيعي
يفترق المذهب
الشيعي عن أهل السنة والجماعة في أنها لاتقر بأحقية خلافة الخلفاء الراشدين الثلاث
الأوائل: أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان. و يرى (الشيعة) أن الإمامة منصوص
عليها ومحددة من قبل الله سبحانه وتعالى، بينما يرى أهل السنة أن الإمامة لم يتم
تحديدها من قبل الرب جل وعلا
. والأمامة فضل من الله يتفضل به
على من يشاء من عباده و ليست خاصة لأحد ورد ذلك في القرآن الكريم و خاصة في أواخر سورة الفرقان .
تعود جذور الخلاف الرئيسي بين السنة والشيعة إلى اكبر وأول أزمة مر بها
التاريخ الإسلامي ألا و هي الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان , هذه الفتنة وما خلفته وراءها من نزاعات
عنيفة سيما بين معاوية وعلي بن أبي طالب الخليفة الراشدي الرابع (الذي رآه علي
نزوع من معاوية للسلطة و رآه معاوية مطالبة للثأر لدم عثمان) كانت السبب الرئيسي
وراء تفتت المسلمين . فالانقسام بدا أنه سياسي تطور ليتعمق عقائديا و فقهيا .
الموقف الأساسي لمعظم الصحابة الذي شكل أساس الفكر السني فيما بعد هو محاولة
اعتزال هذه الفتنة و محاولة أخذ موقف حيادي من النزاع و لعل أكبر ممثل لهذا
الاتجاه : عبد الله بن عمر الذي صرح بهذا الموقف مرات عديدة
. هذه الحيادية و إن كانت تميل في الكثير من الأحيان لإعطاء الأحقية في النزاع
لعلي (رض) دون معاوية إلا انها في
النهاية تنحو نحو تعديل كافة الصحابة وعدم الخوض في تخطئة أحد أخذا بالقول أن
(المجتهد اذا أخطأ فله أجر وإذا أصاب فله أجران) , بهذا يعتبر السنة ان هذه
الخلافات التاريخية هي مجرد اجتهادات لصحابة عدول و لا يجوز لنا الحكم عليها (و
هذا يثير الحيرة أحيانا عندما نفكر في النتائج الكبيرة على تاريخ الإسلام اللاحق)
, لكن مراجعة المصادر تشير إلى ان التشدد في هذه الحيادية حدث بعد نزوع معظم
الجماعات الشيعية الى الإجهار بتخطئة بعض الصحابة , بل ان تأسيس عقيدة شيعية لاحقا لتأسيس مفهومي الولاية و
الوصاية عند الشيعة استند على نقد أبو بكر وعمر وعثمان (رض) , فكان الرد من قبل أئمة السنة عن طريق طرح نظرية
مضادة هي عدالة الصحابة تطلق صفة العدالة على كافة صحابة رسول الله (ص) بما فيهم معاوية بن أبي سفيان
(وهذا هو السبب الذي يجعل انتقادات معاوية تخف في المصادر المتاخرة لأهل ألسنة مع ان أئمة ألسنة الأوائل وأهمهم الحسن البصري كان يهاجم معاوية في عهده وخاصة
ترويجه لعقيدة الجبر وقيل أن هذا الخبر ليس عنه.
من اهم الشخصيات التي يستند اليها أهل السنة: بعد القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد(ص)، الخلفاء الراشدون / الصحابة
/ التابعين / أبو حنيفة النعمان الكوفي، مالك بن أنَس،
الشافعي، أحمد بن حنبل، محمد بن اسماعيل بن إبراهيم البخاري مصنف كتاب صحيح البخاري ، مسلم بن الحجاج مصنف كتاب صحيح مسلم .