مذاهب العراقيين
عادل
باقر البغدادي ـ الموصل
جامع ساحة الفردوس في
بغداد
هنالك مذهبان ينتشران بين المسلمين السنة في العراق، هما المذهب الحنفي،
والمذهب الشافعي. اما المذهب الحنبلي، فرغم ان مؤسسه عراقي بغدادي، الا انه لم
يتمكن من الاستمرار بين العراقيين، لانه يرفض الاجتهاد وفيه الكثير من التقيد
والتصعب في التطبيق. وقد تحدد انتشاره خصوصا في المملكة العربية السعودية،حسب
المعتقد الوهابي. اما المذهب المالكي، فهو اقل تزمتا واكثر انفتاحا، ولكنه يبقى
رافضاً للاجتهاد. وهو ينتشر خصوصا في بلدان المغرب
وعموم افريقيا.
ان انتشار المذهبين الحنفي والشافعي بين العراقيين، يعود الى كونهما الاكثر
انفتاحا واجتهادا وميلا الى القياس والرأي. لهذا فأننا نلقي نظرة مفصلة على هذين
المذهبين ..
من المعلوم ان (الامام ابوحنيفة النعمان) قد قتل على يد الخليفة العباسي
(المنصور) لانه رفض التعاون معه. بل يقال ان الامام ابو حنيفة قد افـتى بوجوب نصرة زيد بن علي بن الحسين (ع)
وحمل المال اليه والخروج معه على اللص المتغلب المسمى بالامام والخليفة. الاان الدولة العباسية بعد موت مؤسس المذهب،
احست بحاجتها الى استخدام المذاهب السنية لمواجهة المذاهب الشيعية الآخذة
بالانتشار وتهديد الدولة. بما ان
الدولة العباسية اخذت
تعتمد على العراقيين وتقربهم وبنفس الوقت تشجع انتشار المذهب الحنفي حتى التف حوله العراقيين من غير الشيعة،
واصبح المذهب الرسمي للدولة العباسية.
اخذت الدولة العباسية تغدق بالعطاء والهدايا على اهل الرأي فحاول بعض علماء هذا الاتجاه تأييد وجهة نظر الدولة ودعمها في بروز هذا التيار (الحنفية) ونشوئه.
قام العباسيون
بتقريب علماء الحنفية وجعلوا القضاء بيد أهل الرأي من أهل العراق حتى ولي (ابو
يوسف القضاء ) وهو تلميذ أبي
حنيفة فكانت للمذهب
الحنفي حظوة واسعة في الشهرة والانتشار.
ان وجود رجالات حملوا على عاتقهم نشر المذهب أمثال ابي يوسف قاضي القضاة في زمن الرشيد ساعد على انتشار هذا المذهب انتشاراً واسعاً،
حيث تولى القضاء لثلاثة من الخلفاء العباسيـين منذ أيام
المهدي ثم الهادي ثم الرشيد.
حِظيَ الفقه الحنفي
بمحمد بن الحسن الشيباني الذي دوّن فقه هذا المذهب
وسجله، وكذلك محمد بن شجاع الثلجي الذي كان يحتج بفقه الحنفية واظهر علله وقواه بالحديث، فساعد هذان الامران على انتشار هذا المذهب على صعيد العالم الاسلامي .
انتشر المذهب الحنفي في العراق وفي اغلب
الاقطار الاسلامية بشكل
متفاوت، فتركيا والبانيا
وسكان بلاد البلقان وتركستان (بخارى) هم على المذهب الحنفي بصورة غالبة، وفي افغانستان يؤلفون نصف أهل السنة بل هذا المذهب هو اوسع
المذاهب الاسلامية انتشاراً على الاطلاق .
معتقدات المذهب
اعتمد هذا المذهب افكاراً ومعتقدات من أهمها :
ـ الاصول عند
الحنفية هي : « الكتاب والسنة واجماع الصحابة والقياس والاستحسان والعرف ».
ـ اهم مصادر التشريع عندهم هو الاخذ بالقياس
حتى عرفوا به وتميزوا عن بقية المذاهب.
ـ اعتقدوا ان الايمان هو المعرفة بالله ورسوله والاقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير.
ـ قالوا : بجواز قبول الجزية من عبدة
الاصنام مستثنين العرب
منهم.
ـ أغلقوا باب الاجتهاد مكتفين باجتهاد
الائمة السابقين وصار عصرهم عصر تقليد واختيار من
كتب السابقين .
ـ قالوا بعدم جواز الحجر على السفيه ولا على
ذي الغفلة لانهم يرون ان الشخص ببلوغه عاقلاً
سواء كان سفيهاً ام غير سفيه فإنه قد بلغ حد الانسانية المستقلة .
ـ ذهب فقهاؤهم الى انه لايجوز للجنب مس
التوراة وهو محدث .
ـ قالوا : بجواز الصلاة خلف الفاسق وغيره .
ـ قالوا في الكفر والشرك هما اسمان واقعان
على معنيين وان كل شرك
كفر وليس كل كفر شركاً،
وقالوا : لاشرك الا من جعل لله شريكا، واما اليهود والنصارى فكفار لامشركون وسائر الملل كفار مشركون .
ـ كان من مبدئهم اعمال
عقولهم فيما اذا روي في المسألة قولان أوأكثر في الصحابة فيختارون منها أعدلها أو اقربها الى الاصول العامة وعدم الاعتداد بأقوال التابعين الا ان
يوافقوا اجتهادهم .
ـ جاهروا في العراق بوجوب نصرة ابراهيم اخي
ذي النفس الزكية بل ان الامر وصل بهم الى ان
ثبطوا بعض قواد المنصور عن الخروج لحرب ابراهيم
.
ـ قالوا : ان للمرأة الولاية الكاملة في
الزواج فكما ان الولاية المالية تثبت لها كاملة
فكذلك ولاية الزواج، ثم انهم قرروا المساواة
بين الرجل والمرأة، فكما ان له الولاية الكاملة في شأن الزواج فلها ايضا الولاية على نفسها في شأن الزواج .
ـ قالوا انه لايكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد او فتيا، وان كل من اجتهد في شيء من ذلك
فدان بما رأى انه الحق، فهو مأجور على كل حال، ان
اصاب الحق فله اجران وان أخطأ فأجر واحد .
ـ كان لهم في الحديث مسلك خاص وهو التشديد
في قبول الحديث والتحري عنه وعن رجاله حتى يصح،
وكانوا لايقبلون الخبر عن رسول الله الا اذا رواه
جماعة عن جماعة .
ـ من الامور الظاهرة في فقه مذهب الحنفية (الحيل الشرعية)، وقد اصبحت باباً واسعاً من ابواب هذا الفقه في
مذهبهم حتى وضعوا فيما بعد حيلاً للهروب من كل
الالتزامات .
من تاريخ الأمام
ابو حنيفة
ـ كان للحنفية موقف عداء معروف من الأمويين حتى ان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري امير العراقَيْنِ قد استقدم
ابا حنيفة لكي يلي القضاء بالكوفة ايام مروان بن
محمد آخر ملوك بني امية فأبى عليه فضربه
مئة سوط وعشرة، كل يوم عشرة سياط، وهو على الامتناع فلما رأى ذلك خلى سبيله .
ـ يروى انه لما خرج زيد بن علي بالكوفة على
هشام بن عبد الملك قال ابو حنيفة : « ظاهى خروجه
خروج رسول الله يوم بدر » فقيل له : لم تخلفت
عنه ؟ قال : حبسني عنه ودائع الناس، عرضتها على ابن ابي ليلى فلم يقبل فخفت ان اموت مجهلاً .
ـ في العصر العباسي استدعى المنصور ابا حنيفة من الكوفة لانه اتهم بالتشيع لابراهيم اخي محمد ذي النفس الزكية
فحبسه خمسة عشر يوماً ثم سمه فمات.
من افكار الامام ابو
حنيفة
ـ قال الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) لأبي
حنيفة : يانعمان ما الذي تعتمد عليه فيما لم تجد فيه نصا من
كتاب الله ولا خبراً عن رسول الله (ص) ؟ فقال :
أقيسه على ماوجدت من ذلك، قال الامام الصادق (ع) : ان اول من قاس ابليس فأخطأ اذ أمره الله بالسجود لآدم (ع) فقال : « انا خير منه خلقتني من نار
وخلقته من طين »، فرأى النار اشرف من الطين فخلده ذلك
في العذاب المهين، أي نعمان أيهما أطهر البول ام
المني ؟ قال : البول ، قال قد جعل الله في البول الوضوء وفي المني الغسل ولو كان يحمل على القياس لكان الغسل في البول .
وإيهما اعظم
عند الله، الزنى أم قتل النفس ؟ قال قتل النفس، قال الامام الصادق (ع) : قد جعل الله في قتل النفس شاهدين وفي الزنى اربعة ولو كان على القياس لكان
الاربعة شهداء في القتل لانه اعظم، وأيهما أعظم عند
الله الصلاة أم الصوم ؟ قال الصلاة، قال الامام
: فقد أمر رسول الله (ص) الحائض أن تقضي الصوم ولاتقضي الصلاة ولو كان على القياس لكن الواجب ان تقضي الصلاة، فاتق الله يانعمان ولاتقس .
جاء جماعة من اهل المدينة ابا حنيفة
ليناظروه في القراءة خلف
الامام (وابو حنيفة
يقول بعدم قراءة المأموم)، فقال لهم لايمكنني مناظرة الجميع، فولوا الكلام اعلمكم فأشاروا الى واحد، فقال : هذا أعلمكم ؟ والمناظرة معه كالمناظرة معكم ؟ قالوا : نعم، قال : والحجة عليه كالحجة عليكم ؟ قالوا
نعم، قال : ان ناظرته لزمتكم الحجة لانكم اخترتموه
فجعلتم كلامه كلامكم، وكذا نحن اخترنا الامام
فقراءته قراءتنا.
المصادر
1-
الامين، شريف يحيى، معجم الفرق الاسلامية، (بيروت ـ لبنان، دار الاضواء، ط1، 1406 هـ. ق ـ 1986 م) .
2- اسد حيدر، الامام
الصادق (ع) والمذاهب الاربعة (بيروت ـ لبنان، دار الكتاب العربي، ط 2، 1390 هـ. ق
ـ 1969 م) .
3- الشنتناوي،
خورشيد، دائرة المعارف الاسلامية، (بيروت ـ لبنان، دار المعرفة
) .
4- وجدي، محمد فريد،
دائرة معارف القرن العشرين، (بيروت ـ لبنان، دار
المعرفة ط3 1971 م) .
5- القرشي، باقر
شريف، حياة الامام الصادق (ع) (بيروت ـ
لبنان، دار الاضواء، ط1، 1992 م) .
6- احمد امين، ظهر
الاسلام (بيروت ـ لبنان،
دار الكتاب العربي، ط
5، 1373 هـ. ق ـ 1953 م) .
7- الاشعري، علي بن
اسماعيل، مقالات الاسلاميين (دار النشر فرانزشتاينر
بفسبادن، ط3، 1400 هـ ـ 1980 م) .
8- مقدمة في دراسة الفقه
الاسلامي .
9- محمد ابو زهرة،
تاريخ المذاهب الاسلامية، ( بيروت ـ لبنان، دار الفكر العربي ) .
10- ابن كثير، البداية والنهاية، (القاهرة ـ مصر، دار الحديث، 1992 م، ط1) .
11- ابن حزم
الظاهري، الفصل في الملل والاهواء والنحل
(بيروت ـ لبنان، دار الجيل، 1405 هـ ـ 1985 م) .
12- ابن البزازي، المناقب .
اذا نـحـن
فـضـلـنا علياً فإننا * روافض بالتفضيل عند ذوي
الجهل
وفضـل ابي بكر اذا ما
ذكــرته * رميت بنصب عند ذكراي للفـضل
فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما * أدين به حتى أوسّـد في الرمــل
اتهم الشافعي مع تسعة من العلويين في اليمن
بالخروج على الدولة العباسية فألقي القبض
عليهم جميعاً، وكان إذ ذاك يتولى عملاً بنجران، فأرسلوا الى بغداد وضربت رقاب العلويين وجاء دور الشافعي فقال : مهلاً يا أمير المؤمنين فإنك الداعي وانا
المدعو، وانت القادر على ما تريد مني ولست القادر
على ما أريده منك، يا أمير المؤمنين ما تقول
في رجلين يراني احدهما اخاه والآخر يراني عبده أيّهما أحبّ اليّ ؟ قال : الذي يراك أخاه. قال : فذاك أنت يا أمير المؤمنين، انكم ولد العباس وهم ولد علي
ونحن بنو المطلب، فأنتم ولد العباس تروننا اخوتكم وهم
يروننا عبيدهم .
قال الشافعي يوماً : كان في عليّ اربع خصال
لا تكون خصلة واحدة لأنسان الا يحق له ان لا يبالي بأحد : كان
زاهداً والزاهد لا يبالي بالدنيا واهلها، وكان
عالماً والعالم لا يبالي بأحد، وكان شجاعاً والشجاع لا يبالي بأحد، وكان شريفاً والشريف لا يبالي بأحد.
المصادر
1- الشنتناوي،
خورشيد، دائرة المعارف الاسلامية، (بيروت ـ لبنان،
دار المعرفة). احمد امين، ضحى الاسلام (بيروت ـ لبنان، دار الكتاب العربي، 1343 هـ . ق ـ 1935 م) .
2- د ـ علي محمد
جعفر، تاريخ القوانين ومراحل التشريع الاسلامي
.
3- اسد حيدر، الامام
الصادق (ع) والمذاهب الاربعة (بيروت ـ لبنان، دار
الكتاب العربي، ط 2، 1390 هـ. ق ـ 1969 م) .
4- احمد بن علي
الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد (بيروت ـ لبنان، دار
الكتب العلمية، ط 1، 1417 هـ ـ 1997 م) .
5- بوجينا غيانه،
تاريخ التشريع الاسلامي، (بيروت ـ لبنان، دار الآفاق الجديدة،
ط1، 1980 م) .
6- الخضري، تاريخ
التشريع الاسلامي (بيروت ـ لبنان، دار الكتب
العلمية ط9، 1390 هـ. ق ـ 1970م) .
7- السبكي، طبقات
الشافعية (القاهرة ـ مصر، مطبعة عيسى البابي، ط 1، 1383 هـ.ق ـ
1964 م) .
8- د ـ علي محمد
جعفر، تاريخ القوانين ومراحل التشريع الاسلامي .
9- الزلمي، مصطفى
ابراهيم، اسباب اختلاف الفقهاء، (بغداد ـ العراق، ط2، مط
شفيق، 1986 م) .
10- الغزالي، محمد بن محمد ،
المهذب في فقه الشافعي (القاهرة ـ مصر، دار احياء الكتب العربية الكبرى، ط2 ، 1959 م) .
11- الامين، شريف
يحيى، معجم الفرق الاسلامية، (بيروت ـ لبنان، دار الاضواء،
ط1، 1406 هـ. ق ـ 1986 م) .
12- الجندي، عبد
الحليم، الإمام جعفر الصادق (ع) (القاهرة ـ مصر، دار المعارف،
1986 م) .
13- النديم،
الفهرست، (القاهرة ـ مصر، 1393 هـ. ق ـ 1973) .
14- ياقوت الحموي
البغدادي، معجم الادباء،
(بيروت ـ لبنان، دار الفكر، ط3، 1400 هـ. ق ـ 1980 م) .
15- محمد ابو زهرة، تاريخ المذاهب الاسلامية، (بيروت ـ لبنان، دار الفكر العربي) .