فئات عراقية
من تاريخ
الاسلام بين تركمان كركوك ..
د. محمد سعيد كتانة
كان انتشار الاسلام في العهد الاموي بطيئاً في بلاد
ماوراء النهر تركستان وكثيراً ما كان الولاة الامويين يستعملون القسوة وسوء
المعاملة في ادارتهم واثناء قيامهم بنشر الدين وكانوا يسمون غير العرب بالموالي
ويعاملونه كمسلم من الدرجة الثانية واستمر الوضع حتى قيام الدعوة العباسية ونجاحها
عام ٧٤٩ على اكتاف جيش ابا مسلم والذي كانت اكثريته من الفرس والترك في خراسان.
اول دولة تركية قبلت الاسلام طوعاً كانت دولة قره خان
في نالاس تحت زعامة بغرا ساتوق خان. وباهتمام الخلافة العباسية بالترك واستخدامهم
في جيشها ازداد الانتساب للأسلام حتى ان اعتمد المعتصم كلياً على جيشه من الترك وأسس
لهم مدينة سامراء لكي لايختلطوا بغيرهم من القوميات ولكي لايفقدوا صفاتهم العسكرية
وولائهم للخلافة.
صادف ان كان جميع رجال الدين العرب والمبشرين في بلاد
الترك من اهل السنة ولم يعلموا شيئاً عن ظهور وأوضاع الفتنة الكبرى في عهد الخليفة
الراشدي عثمان ومقتله عام (٦٤٦) ولاشك انهم كانوا يعلمون بمقام الخليفة علي (رض)
لدى خاتم الانبياء وانه كان إبن عمه وأول فتى أسلم على يديه وأنه صهره وزوج إبنته
السيدة فاطمة الزهراء ام الحسن والحسين (ع) كما كانوا يعلمون بخدماته في الاسلام
وشجاعته وزهده... ألخ.
لم يعلم الترك المسلمون تطورات الفتة الكبرى وكيف
سيطر الامويون ومعاوية على الخلافة بغير حق ومن بعدها شهادة الحسين (ع) وجميع
افراد عائلته في كربلاء وسوء معاملة آل البيت فيما بعد.
بعد انتشار الاسلام في تركستان انتقل معظم رجالاتها
من اصحاب الحرب والحضارة والعلم إلى مركز الخلافة ومدنها وساعدوا اخوانهم المسلمين
في الجهاد ودعما الحضارة الاسلامية وتركوا لغتهم واهتموا بالعربية باعتبارها لغة
القران والاسلام وكذا اهتموا بالفارسية باعتبارها لغة الحضارة في حينه وبعد ان
اصبح للترك شأن في الاسلام وقفوا بشدة ضد التفرقة الدينية بأصل حماية وحدة الاسلام
وفي نفس الفتات كانت هناك مشاكل دينية وسياسية ومذهبية بين المسلمين ووجدوا انفسهم
قد دخلوا معارك الاختلافات لأسباب قبلية او شخصية أو قومية. وهكذا وجد السلاطين
السلاجقة منذ عام (١٠٥٠) انفسهم في الصراع مع الدولة البويهية الشيعية في ايران
والعراق وانقذوا الخلافة العباسية ثم نجحوا في صراعهم مع دولة قره قويون الشيعية
ايضاً واخيراً مع الدولة الصفوية منذ عام (١٥١٤) حيث دحر السلطان سليم عدوه الشاه
اسماعيل الصفوي (١٩١٤) في معركة جالديران قرب تبريز واستولى على العاصمة تبريز.
وخلال فترة حكم اسماعيل شاه ومن جاء من بعده تمكن جيشه القزيل باش نشر التشيع
بالقوة بين العشائر التركمانية في الأناضول وحصلت ثورات كثيرة ومنها البابائية كما
ظهرت شخصيات تركية كثيرة كانت ترشد الناس بلغتهم بعد ان كانت ترشد بالعربية التي
لايفهموها. مثل الشيخ أحمد اليسوي والحاج بكتاش الذي رحل من خراسان إلى الأناضول
والشاعر يونس عمره وغيره اللذين ارشدوا الناس وعلموهم حب محمد (ص) وآل بيته بشكل
صحيح. بالرغم من هذا كله حاول الصفويون في صراعهم مع العثمانين استغلال الدعاية
المغرضة وخاصة في الدين وقالوا ان العثمانين كفرة وروم إلى غيرها والعكس صحيح
للصفويين. واستمرت هذه الادعاءات حتى يومنا هذا بين الترك السنة والدولة من جهة
والعلويين الشيعة من جهة اخرى وكلهم من الترك.
كانت الدولة العثمانية تعتمد على الفقهاء ورجال الدين
العرب المتعصبين للسنة وجيش الدوشرمة غير الترك وكانت اصولهم مسيحية واصبحت
العداوة والبغضاء بين الشيعة والسنة الترك متأصلة بين الترك في الأناضول بشكل خاص
( اوزداع ١٩٩٨ . (
بالنسبة لوضع تركمان العراق وتشيعهم لاتوجد لدينا
وثائق معينة تشير لتأريخ تنظيم تشيعهم وكيفيته، ومن خلال تحرياتنا عن الاحوال
التاريخية وهجرات التركمان إلى العراق وبشكل خاص خلال العهد السلجوقي (١٠٥٥ اوما
بعد) لم تكن اي من القبائل المهاجرة شيعية المذهب، والاحتمال الكبير انه بعد وفاة
(شاه روح) حفيد تيمور سيطرت دولة قره قويونلو بقيادة جهان شاه على بغداد وخاصة
الانحاء الشمالية التي تتواجد فيها القبائل التركمانية عام (١٤٤٧) ووسع هذا اراضيه
حتى شط العرب وكانت هذه قبائل شيعية عملت على نشر التشيع في العراق وخاصة بين
قبائل بني قومهم في كركوك وحواليها وخلال عام ١٤٩٩ ظهر الصفويون في تبريز وتشيعوا
وبدؤا نشر التشيع بالقوة والارهاب بواسطة جيشه (القزيل باش) ذوي العمائم الحمراء
وفي عام (١٥٠٨) دخل بغداد واستولى على العتبات الشيعية المقدسة واصبح اسماعيل شاه
سيد ايران والعراق وبدء بنشر مذهبه في الاناضول بين التركمان بالشدة والارهاب وهذا
ما استرعى انتباه السلطان سليم منذ استلامه للحكم عام (١٥٠٢) وقرر التخلص من الشاه
اسماعيل ودحره في معركة جالديران قرب تبريز عام (١٥١٤) وهرب الشاه إلى داخل ايران
ونظم صفوفه وجيشه ورجع إلى عاصمته في تبريز واستمر في حروبه مع من تبعوه من
الشاهات ضد سلاطين آل عثمان حتى عام (١٦٣٧) حيث عقدت اتفاقية قصر شيرين بين
السلطان مراد ونادر شاه وعينت الحدود العراقية الايرانية إلى ماهو عليه الآن. تكررت
الحروب هذه عام (١٥٣٤) ودخل السلطان سليمان القانوني بغداد وأصلح المراقد الدينية
السنية (ابو حنيفة والشيخ عبد القادر الكيلاني وغيرها) بعد ان خربها الصفويون كما
اهتم بمراقد الشيعة وتنظيم زيارة الشيعة الايرانين إلى العراق، واعاد الصفويون غزو
العراق وبغداد عام ١٦٢٣ و ١٦٣٨ حيث دخل بغداد وأصلح مراقد كلا الطرفين ثانية وكانت
في كل حرب تحل مجازر كبيرة وكانت ضحيتها الالاف من المسلمين من كلا الطرفين.
لاشك ان يكون الشاه اسماعيل ومن جاء من بعده قد اهتم
بمنطقة كركوك والمدينة بالذات ودعم القبائل والقرى الشيعية حولها وان يكون قد نقل
قبائل تركمانية شيعية اخرى لدعم وتقوية نفوذه في المنطقة.
معظم التركمان في العراق بغض النظر عن مذهبهم يحبون
ويقدرون أهل البيت كثيراً جداً وبالطبع كان الشيعة التركمان اكثرهم حباً وتقديراً،
وكان للشيعة التركمان مذاهب مختلفة دون ان تكون بينهم فروقات اساسية وكلهم يؤمنون
بأمامة علي (ع) وأولاده وكانوا يسمون بتسميات مختلفة مثل العلوية والبكتاشية
والصارالية والرافضة وغيرها ويلاحظ انه لم تكن لهم علاقات قوية مع النجف وكربلاء
حتى ما بعد الانتداب الانكليزي بعد الحرب العالمية الاولى، بعدها حصل التقارب بين علماء
النجف وكربلاء ورجال الدين الشيعة في أطراف كركوك والمدن المجاورة لها طوز خورماتو
وقره تبه ويلاحظ تحول التركمان إلى الشيعة الاثنى عشرية وارتبطوا بكربلاء والنجف
ارتباطاً وثيقاً، وحتى انه في الدور القومي البعثي يلاحظ مشاركة التركمان الشيعة
في التنظيمات المختلفة وعلى اثر ذلك نفي وقتل منهم الكثيرين بأعتبارهم مؤيدين أو أعضاء
في حزب (الدعوة إلى الاسلام) الشيعي. ولحد الان تنكل بهم الدولة البعثية بشدة اسوة
بأخوتهم التركمان الاخرين والكرد والعرب وغيرهم من المعارضين وهكذا يستمر اعدام
الكثير وهجرتهم واستملاك اراضيهم وقراهم.
وهناك امر مهم لابد من الاشارة اليه وهو عدم وجود
فروقات بين التركمان السنة والشيعة وكلهم يعيشون مع بعضهم في اخوة ووئام وهناك
احتفالات ومناسبات مشتركة بين سكان مدينة كركوك وقرية تسعين الشيعية. نفس الوضع
موجود في المدن والقرى الاخرى على طول خط تواجد التركمان من تلعفر إلى خانقين.
ويلاحظ قلة وازدياد نفوس التركمان من كلا الطائفتين على طول خط التركمان، ففي
اطراف الموصل يلاحظ ازدياد التركمان والشبك الشيعة وفي تلعفر وحواليه يحصل العكس
ويزداد عدد الشيعة في داقوق وتازه خورماتو وقره تبة ومناطق ديالى وخانقين ومندلي.
حالياً يمكن القول بأن سكان كركوك الشيعة والسنة
متساوون في المناطق التركمانية ولاتوجد احصائيات لحد الآن يمكن الاعتماد عليها في
تحديد السكان التركمان بشكل عام وتحديد المذهب بشكل خاص.