دروس التجربة المسيحية
الغربية
من المعروف ان اوروبا المسيحية اقرب المناطق الحضارية الى
الشرق الاسلامي، حيث يتقاسم الطرفان ضفتي البحر المتوسط. كذلك لأن المسيحية في
اصلها، دين شرقي فلسطيني، وتحمل الكثير من الخواص الثقافية والروحية الشرقية، بالاضافة
الى انها دين سماوي يجتمع مع الاسلام في امور روحية وتاريخية وثقافية كثيرة. تبقى
النقطة المهمة التي تجمع الطرفان، الاوروبي والشرقي، ان الدين لم يكن منفصلا عن
الدولة والسياسة، طيلة تاريخ شعوب البحر المتوسط حتى في اوروبا الحالية. ورغم كل
الادعاءات بالعلمانية وفصل الدين عن السياسة، الا ان تاريخ روما المسيحية وأنظمة
القرون الوسطى لا زال كامنا في الوعي الجمعي ويؤثر بمختلف الصور. يكفي ملاحظة دور
الاحزاب المسيحية والفاتيكان وباقي المؤسسات الدينية والفكر الديني. ان تسييس
الدين خاصية(بحر متوسطية) يشترك فيها المسيحيون والمسلمون(وكذلك اليهود)، بصورة
متمايزة مثلاً عن أهل آسيا. أما المجتمعات التي تنتشر فيها الهندوسية والبوذية
والتاوية، حيث الدين ممارسة فردية حرة تكاد ان تكون منفصلة عن الدولة والسياسة.
حتى الكونفوشوسية الصينية، رغم انها تعاليم دينية موجهة أساساً لادارة الدولة
والحكم، الا انها لم تستعمل أبدا في الصراع السياسي الصيني.
لهذا يحق للمسلمين أن يعاينوا تجارب اخوتهم المسيحيين في
اوروبا، الذين عانوا من الانقسامات والحروب الطائفية بصورة تتجاوز بأضعاف معانات
المسلمين. ان الصراعات الطائفية التي حدثت بين المسلمين، وآخرها التي حصلت في
العراق تكاد أن تكون بوحشيتها وعدد ضحاياها، مجرد فصل عابر مقارنة بالذي حصل في
التاريخ الاوروبي المسيحي.
مع هذا تمكن المسيحيون في الغرب ان يخلقوا تجاربا ايجابية
تستحق ان تكون نموذجا ناجحا للمسلمين في العالم وللعراقيين منهم خصوصا. وها نحن نحاول
تقديم عرضا للجانبين السلبي والايجابي في قصة الانقسام المسيحي الغربي/
ميزوبوتاميا