انقسام المسيحيين في امريكا
بيسان عدوان
bissanedwan@hotmail.com
عرفت الولايات
المتحدة الامريكية منذ نشأتها فصلا بين الدين والدولة، وقد أقر الدستور الامريكي
عام 1789 هذا المبدأ بحيث تقف الدولة على الحياد في العلاقات ما بين الانسان
والدين " لم يصدر الكونجرس أي قانون بصدد ترسيخ الدين أو منع ممارسته"
وهذا يعني انه يحظر على الكونجرس سن قوانين تؤسس دينا أو تمنع حرية التعبير الحر
الديني أو تجبر أحدا على إتباع دين معين بأي وسيلة أو أن تساعد الدولة على ذلك
ماديا أومعنويا.
رغم الاعتراف
بمبدأ فصل الدين عن الدولة، فإن هذا الفصل لم يؤد إلى فصل الدين عن السياسة، كما
ان تأثير الدين في الحياة الأمريكية بدأ بالمجتمع المدني وانتهى الى العمل السياسي
من خلال الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.
لعبت الكنيسة
طوال التاريخ الأمريكي دوراً في
السياسة الأمريكية وأعطت طريقة للحياة في الولايات المتحدة ولنظامها صفات مقدسة،
ومنذ ستينيات القرن العشرين زرعت الكنيسة الأمريكية افكاراً كثيرة منها فكرة
" الشعب المختار" واضفاء الطابع القدسي على نصوص أمريكا التأسيسية مثل
الدستور وإعلان الاستقلال في العقل الشعبي وفي فلسفة المجتمع الأمريكي.
في أواخر
القرن التاسع عشر استعاد الكثير من الدينيين في أمريكا نوعا من الاحترام لحكمة
الاقدمين، وأهتموا بالحفاظ على ثبات الحقائق الدينية في وجه التغييرات وانشغل
العديد منهم خاصة المحافظين بالدفاع عن سلطة الكتاب المقدس وصحته، واستدع تعلق
الأمريكيين بالكتاب المقدس وتراث بلادهم الديني على اعطاء أولادهم ومدنهم أسماء
كتابية من العهد القديم وحركت مشاعرهم قصص الخروج من مصر والوصول إلى أرض الميعاد (فلسطين)
التي يسمونها (إسرائيل) .
تشير دراسة
أجريت عام 1998 أن هناك 40% من الامريكيين يقولون أنهم يرتادون الكنيسة اسبوعياً،
ويعتبر 82% من الأمريكيين أنفسهم متدينون بشكل أو بأخر، وهناك 90% منهم يؤكدون على
انهم يؤمنون بالله، وهناك 95% يعتقدون في وجود الله، وفي استطلاع للرأي عام 2002
قال ثلاثة من خمسة أمريكيين أن الدين " مهم جدا " في حياتهم، وأربعة من
خمسة يعتقدون بالحياة الآخرة، وفي استطلاع آخر أجري في العام نفسه فقد أجاب 58% أن
أمريكا تستند في قوتها على الإيمان الديني، وذكر 48% أن الولايات المتحدة تتمتع
بحماية إلهية خاصة.
تعتبر الطوائف
البروتستانتية التي تشكل غالبية الحركة المسيحية في أمريكا من أهم الكنائس الامريكية
تاثيرا على السياسة العامة الأمريكية، ومنها تتفرع كنائس ومذاهب متعددة منها
المتشدد ومنها الليبرالي ومنها المتصهين، وقد حرصت العديد منها منذ منتصف القرن
العشرين على بذل مزيد من النشاط للانخراط في العمل السياسي.
البروتستانت " الخط الرئيسي ":
تشمل
البروتستانتية " الخط الرئيسي " سبع مذاهب هي ( المشيخيون – الجمهوريون – الاسقفيون – الميثودسيون – اللوثريون ،
المعمدانيون ) ولهذه المذاهب قاعدة اجتماعية عريضة راسخة في الطبقات الوسطى
والعليا ذات نفوذ اقتصادي وسياسي وثقافي، ويتوزع ابناؤها على الولايات المتحدة
الأمريكية المختلفة، وتعتنق اغلبها افكار دينية ليبرالية منفتحة على قيم الحداثة،
وهي ذات حس اجتماعي قوي، ويتميز موقفها من القضايا العامة على فصل الدين عن الدولة
ويبلغ عددهم ما يقارب 40 مليون أمريكي، ويمكن تصنيف التنوع داخلها كالآتي :
• ليبراليون ( المشيخية – الاسقفيون – كنيسة المسيح المتحدة - الجمهوريون ).
• معتدلون ( اللوثرية – الميثوديسية – المعمدانيون الامريكان الشماليون – تلامذة
المسيح ).
• المحافظون على التراث اللاهوتي " الليتورجية "( الاسقفة – اللوثريون
).
• المتحررون من البنى اللاهوتية التقليدية ( الكنيسة الخمسية وآخرون ).
شهدت المواقف
البروتستانتية الأمريكية تغييرا تدريجيا خلال العقود الثلاثة الاخيرة في العلاقة
مع إسرائيل باتجاه عكسي وباتوا ينتقدون السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين،
رغم كونهم سباقين في الحوار مع اليهود وتبنيهم للتراث اليهودي في بداية التاريخ
الاميركي وعملوا علي مراجعة نصوصهم التعليمية وحذفت منها كل إشارة تدل على ذم اليهود
الجماعي وعقاب الله لهم واي إشارة تحمل معنى الكراهية والعداء لهم .
تيار الانجيليين
المحافظين:
لا تعترف هذه
الفئة من البروتستانتية بالفواصل المذهبية وليس لها حدود مؤسسة واضحة، تعتبر
بمثابة تيار اعتراضي فحسب على البروتستانتية التاريخية الليبرالية، وتسعى إلى
اختراقها، وهي تيار احيائي يستلهم الماضي ويستعير لغته ويطلق عليهم "
المولودون من جديد "؛ والاصوليون؛ والمحافظون، وهم فئة ناشطة وغاضبة، وتؤمن
بان المؤمن يخوض نوعا من الحرب الدينية وعليه القيام بمواجهة معسكر الشر أوالظلمة،
وهم يتصدرون بحماسة كبيرة للتفاسير الحديثة للكتاب المقدس ويدافعوا عن حرفية
الكتاب المقدس وبلغوا ما يقرب من 40 مليون امريكي، ويبدو للوهلة الأولى أن تيار
الانجيليين المحافظيين متماسكا، إلا أنه يتميز بتنوعه الشديد حتى في الاصول
ويتوزعوا كالاتي :
• أنجيليون لا يقبلون كل القراءات الحرفية للكتاب المقدس ( الحقباتيون أو الألفيون
) الذين يبدون تعلقا قويا بإسرائيل باعتبارها تمثل الحقبة الاخيرة من مجئ المسيح
ثانية كما ورد في سفر الرؤية.
• الخميسيون وهم جماعة حديثة انتشرت في الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين
ويركزوا على مواهب الروح القدس ويتمتعون بجاذبية لافتة في الأوساط الشعبية وهم على
الطرف النقيض من الانجيليين المسيسيين .
• المؤتمر المعمداني الجنوبي: وهو أكبر المذاهب الإنجيلية في الولايات المتحدة
الاميركية وكان لهم دور بارز في ترشيح ريغان بانتخابات 1980 .
• وهناك كنائس محلية إلتفت حول وعاظ مشاهير الذين استخدوا الاعلام لخدمة رسالتهم
ما سمي بالكنائس المرئية ومنهم جيري فولويل وبات روبرتسون .
المسيحية الكاثوليكية في أمريكا :
منذ أواخر
القرن التاسع عشر ظهرت بين الكاثوليك في الولايات المتحدة تيارات ثلاث تمايزت بحسب
الموقف من المجتمع الامريكي، انشغل أهل التيار الأول بأهمية المحافظة على استقامة
الإيمان الكاثوليكي وعلى الهوية الخاصة ورأوا أن وحدة الكاثوليك تتحقق عن طريق
الحرص على التماسك المعهود في التنظيم الكنسي ودعوا إلى المساهمة في النظامين
السياسي والاقتصادي دون الانخراط في المجتمع والثقافة الامريكيتين ووجدوا في
البروتستانتية العلمانية ما يهدد الإيمان الكاثوليكي التقليدي، اما التيار الثاني
فظم الذين مالوا إلى الحذر حيال الاندماج في المجتمع الأمريكي، وهناك تيار غالباً
ما ينعت بالليبرالية وهو ينظر إلى المجتمع الأمريكي بعين الرضا ويثمن الديمقراطية
وسياسة الفصل بين الكنيسة والدولة ويقبل على المساهمة في الحياة العامة الأمريكية
على كافة الاصعدة، ويشكل الكاثوليك في المجتمع الأمريكي ما يقارب 41% أي ما يقارب
63 مليون كاثوليكي أمريكي، وقد زاد نفوذ التيار الثالث بعد انتخاب كنيدي 1960
رئيسا للجمهورية وهو كاثوليكي المذهب ومالت الاكثرية الكاثوليكية للحزب الديمقراطي
وسياسته الاجتماعية ما عزز الانفتاح على بروتستانتية الخط الرئيسي الليبرالية،
خاصة بتقاربهم في قضايا التحديث والتطور العلمي والتكنولوجي في الولايات المتحدة
والانجازات العالمية التي حققت في عهده كما في القضايا السياسية الخارجية
الاميركية، الا ان حرب فيتنام وفضيحة ووترغيت هزت صدقية المؤسسات الدينية وعلت
أصوات الانجيليين الرافضين للتقارب الكاثوليكي – البروتستانتي، وجاء انتخاب جيمي
كارترالمبشر المعمداني في السبعينيات غلبة للتيار المحافظ في المجتمع الأمريكي،
وكان التقارب الوحيد الذي ظهر في العقديين الاخيرين بين الكاثوليكي – الانجيلي في
القضايا الاجتماعية الدينية استنادا على قضايا الاجهاض والعائلة والشواذ.
ــــــــــــــــــــ
المصادر:
الدستور الامريكي ، من كتاب طارق المتري، مدينة علي جبل ، الدين والسياسة في
أمريكا ، بيروت ، دار النهار ،2004
يوسف الحسن ، البعد الديني في السياسة الأمريكية ، مركز الدراسات العربية ، بيروت
، ط3 ،2000 ، ص 66-67
طارق المتري ، مصدر سبق ذكره ، الفصل الاول ، ص40-41
A national
Survey by the Washington post, and Harvard University, the
politics of
religion , October 1998.
Georges Gallup
Jr. and D.Michael Lindsay, surveying the Religious landscape,
more house publishing,1999,pp.9-10
Georges
Gallup,op.cit ,p 13
سمير مرقص، اسرائيل من الداخل ،خريطة الواقع وسيناريوهات المستقبل ،المجلد الثاني
2003 ، مركز البحوث والدراسات السياسية ، جامعة القاهرة ، ص 1023، جدول رقم 2
طارق المتري ، مصدر سابق ، ص 35
المصدر نفسه، ص 37
المصدر نفسه ، ص 39- 41
المصدر نفسه ، ص 42-43
سمير مرقص ن مصدر سابق ، ص 1018
طارق متري ، مصدر سابق ،ص 44
المصدر نفسه